
يبدوا للقارئ العزيز بأن العنوان لهذا المقال فيه شيئ من الغرابة إلا أنه مع الأسف واقع مرير يشهده قطاع السياحة نتيجة حتمية لما قبل أو أثناء أو بعد الحرب وتأثيرها المباشر على السياحة وما تخلفه من أضرار كبيرة على المستوى الاقتصادي والنفسي والاجتماعي وغيره وتحتاج كل هذه الأزمات سنوات طويلة وجهود ضخمة للتعافي النسبي غالباً وتوجد أمثلة حية و واقعية في عدة دول حتى حولت “السياحة السوداء” الكابوس الماضي إلى رافد اقتصادي يؤرخ الحقبة الماضية ويعرف السياح بها.
اقرأ أيضا: محمود النشيط يكتب.. شيخة النويس من الإمارات تقود السياحة عالمياً
“السياحة السوداء” هي التي يقصدها السياح للتعرف على ما جرى خلال فترة الحرب سواء القصيرة أو الطويلة وما خلفته من أضرار وتأثيرات ولنا أمثلة متعددة لعدة دول من بينها جمهورية البوسنة والهرسك في حربها مع الصرب وما خلفته من مآسي بشرية وبطولات مقاومة وتعاون شعبي لازال الكثير من آثاره بعد أكثر من 30 عاماً حاضر ويمكن عمل زيارة سياحية له مثل نفق الأمل الذي حفر في منزل سيدة عجوز أثناء الحرب حتى يصل إلى تحت مدرج المطار بمعدات متواضعة وفي أوضاع مأساوية مزرية وأجواء جوية قاسية جداً.
كذلك هناك دول مثل فيتنام وألبانيا وكوسوفو وحربهم الطويلة وما خلفته من عدد الخنادق والملاجئ بشتى أنواعها ومواقعها وأساليب بنائها وتحولت اليوم إلى مواقع سياحية تقصدها اليوم الأفواج السياحية للتعرف عليها عن قرب. كذلك هناك نموذج آخر خلف مأساة بشرية كبيرة وهو موقع القصف النووي على هيروشيما وناغازي في اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية وما يصاحبه الآن من فعاليات في المواقع واحتفالات سنوية يشارك فيها سياح من الداخل والخارج بأعداد خيالية كبيرة.
مع العلم بأن كل من ألمانيا وأوكرانيا وكموبوديا وبولندا والولايات المتحدة والصين والهند بالإضافة إلى العراق وإيران ولبنان وسوريا والجزائر وغيرها من دول في الشرق والغرب عملت على تنشيط “السياحة السوداء” والاستفادة منها لما تمتلكه من أرث سياحي له جمهوره إلا أن نسبة استغلاله في الترويج السياحي مختلف المستويات بل أنه شبه معدوم الذكر خاصة في الدول العربية لما خلفه من مآسي لا زالت آثارها شاهد عيان حتى اليوم على مختلف الأصعدة.
أهداف “السياحة السوداء” عديدة أبرزها التعرف على الملامح التاريخية والتي تختلف ربما الأسباب لنشئتها وتتشابه في أحداثها وما خلفته من دروس متعددة بحجم الأضرار التي لم تسلم منها البنية التحتية ولا السواعد البشرية أو الاقتصادية التي تحتاج إلى سنوات بأضعاف آلاف المرات عن الوقت الذي دمرت فيه خاصة إذا ما طالت هذه الحروب المواقع التراثية والتاريخية التي كانت شاهد على حضارات تمتد لآلاف السنين لا تنفع كل عمليات الترميم لعودتها لما كانت عليه وتكون من المقاصد السياحية الحديثة ومواقع آمنة للزيارة.
الخلاصة أن المصطلحات التي سوف يتعرف عليها السائح عند القيام بالسياحة السوداء والتي هي ضمن قائمة السياحة الثقافية هي في غالبها كئيبة جداً مثل الإبادة الجماعية – كارثة أو قصف نووي – مذبحة نيجة حرب أهلية – صراعات مذهبية – أو إرهاب نتيجة عنف سياسي – أو غزو لأطماع لا حصر ولا عدد لأسبابها وكل هذه الأفعال وما خلفته من نتائج لأنها بلا طعم إنساني في الأصل وليست ضمن الأعراف والتقاليد البشرية التي تسعى للسلام والتعايش مع الجميع في حب و وئام.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب