ليلى موسى تكتب.. الإرهاب ومعمعان الفوضى الخلاقة
الكاتبة ممثلة سوريا الديمقراطية بمصر.. خاص منصة العرب الرقمية
التنظيمات الإرهابية بالرغم من أيديولوجيتها المقولبة والجامدة حافظت على قوامها وثباتها المتماسك على مدار عقود من الزمن، وإن اعترتها مراحل من الوهن والضعف والكمون نتيجة الضربات الموجعة التي تلقتها في كل مرة إلا أنها ظلت محافظة على ديمومتها وثباتها ولم تندثر بالرغم من مخالفة أيديولوجيتها لطبيعة البشرية والخصائص المجتمعية القائمة على احترام الآخر المختلف وقبوله والعيش المشترك كل حسب لونه ومعتقدته وثقافته وهويته، وطبيعة ديناميكيات المجتمعات المتغيرة والمتجددة والمتدفقة.
لعل أبرز العوامل التي ساهمت في الحفاظ على هذه التنظيميات الإرهابية واستمراريتها جانبها البراغماتي وديناميكيتها في التعامل مع الظروف والمتغيرات وقراءتها للمستجدات وحاجات المجتمعية واستغلالها عبر اتباع أساليب وتكتيكات مع الحفاظ على استراتيجياتها الثابتة، بالإضافة إلى عوامل خارجية متمثلة بالدرجة الأولى في دعمها من قبل قوى محلية وإقليمية ودولية تسخرها كأدوات لتمرير أجنداتها ومصالحها.
اقرأ أيضا: ليلى موسى تكتب.. الحرب الأوكرانية وسيناريوهات مستقبل المنطقة
فجدلية العلاقة القائمة على المنفعة المتبادلة بين التنظيمات الإرهابية والقوى المستفيدة منها تمنحها فرصة للانتعاش والتوسع وتحقيق مشاريعها عبر السعي إلى أسلمة المجتمعات وقيادتها، وبنفس الوقت تستفيد منها القوى المذكورة أعلاه كأدوات لتمرير مشاريعها.
وبالرغم من ادعاء الغالبية العظمى في العلن مناهضتهم ومحاربتهم للإرهاب والتطرف لكنهم في الحقيقة مستفيدون بالإبقاء على هذه الأيديولوجية كوسيلة للإبقاء على المجتمعات هشة وضعيفة واستخدامها وقت الحاجة، لذا نجد اقتصار المجتمع الدولي في محاربة التنظيمات الإرهابية واستهداف قاداتها ورموزها يكون بالوسائل العسكرية فقط من دون المساس بجوهر وحقيقة هذه التنظيميات وأيديولوجيتها عبر إطلاق مشاريع فكرية مضادة لها، والجميع يعلم عين اليقين أن الفكر لا يحارب بالعسكرة وقوة السلاح إنما الفكر يحارب بالفكر المضاد له، وتجفيف منابعه عبر القضاء على الأسباب والعوامل التي أفرزت هذه التنظيمات.
وعلى هذا الأساس الفكر والبيئة الحاضنة لها ظلا مستمرين على مدار عقود من الزمن وإن كانت بدرجات متفاوتة، ففي كل مرة نجد مساعي حثيثة من القوى المستفيدة من وجود هذه التنظيمات عبر المساهمة في خلق بيئات خصبة لتنمية وانتعاش الفكر الإرهابي والإبقاء عليه منتعشاً متجدداً.
ولعل الأزمة الروسية الأوكرانية وما خلفته من تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي امتدت تأثيراتها لتشمل العالم بأسره، وإن كانت تداعيات بدرجات متفاوتة من مجتمع لآخر حيث نجد أن النصيب الأكبر من حصة المجتمعات الشرق أوسطية والأفريقية لكون الغالبية منها تعيش أزمات مستعصية لأكثر من عقد من الزمن وبنية تحتية شبه مدمرة وهشة وأوضاع معيشية متردية والبعض منها شعوبها مهددة بالمجاعة، وتجربة طويلة مع الإرهاب والتطرف.
إلى جانب انشغال العالم بهذه الأزمة، هذه الأسباب وغيرها شكلت فرصة مناسبة للتنظيمات الإرهابية للظهور مرة أخرى بقوة على الساحة، ولتؤكد مرة أخرى أنها ما زالت قوية وباقية، إلى جانب قوى محلية وإقليمية ودولية مستفيدة من هذا الظهور وبهذه القوة لتأجيج المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وإغراق المجتمعات في مستنقعات أزماتها أكثر فأكثر وديمومة الصراعات والتخلف والجهل لكسب المزيد من الوقت لتمرير مشاريعها وأجنداتها.
فمنذ القضاء على ما تسمى بدولة الخلافة في بلاد الشام والعراق في آخر معاقله ببلدة باغوز السورية من قبل قوات سوريا الديمقراطية وبدعم ومساندة من التحالف الدولي، ومن ثم مقتل قائدها أبو بكر بغداد ومن بعده خليفته القرداشي بعمليات نوعية جداً.
إلا أن التنظيم لم يتنه، بل على العكس في كل مرة يعمل على لملمة شتاته، وحقن أتباعه بالمزيد من ثقافة الكراهية والعداء وتربية وتنشئة أجيال وفق أيديولوجيتها.
بالرغم من المناشدات والتحذيرات الدائمة من قبل قيادات الإدارة لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية بضرورة الوقوف على إيجاد حلول جذرية لمعضلة تنظيم داعش ولما يحمله من تداعيات خطيرة ربما يفقد السيطرة عليه مستقبلاً في حال البقاء عليه كما هو في ظل عدم استجابة المجتمع الدولي بسحب مواطنيها من عوائل التنظيم واتباع استراتيجية تعيد دمج هؤلاء في المجتمع في مخيمات شمال وشرق سوريا، وإقامة محاكم دولية لعناصر التنظيم المحتجزين في سجونها.
فاليوم نجد وبعد الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيراتها الاقتصادية من حيث المزيد من انهيار العملية السورية مقابل الدولار وارتفاع الأسعار للسلع الأساسية لتزيد من معاناة الشعب السوري، إلى جانب انشغال العالم بهذه الأزمة على حساب تراجع الاهتمام بالأزمة السورية التي كانت تعاني مرحلة جمود في الأساس فرصة لعودة التنظيم بالتكثيف من نشاطاته عبر خلاياه النائمة وعناصره بإثارة الفوضى في المخيمات والسجون كقوة منظمة في ظل معمعان الفوضى الخلاقة المستشرية في المنطقة برمتها.
وكما أنها تستفيد من ربيبتها تركيا، والتي لم تفوت فرصة وإلا انتهزتها لاستكمال مشروعها الملي والمتمثل في احتلال كامل الشمال السوري فنجد في الآونة الأخيرة تكثف من هجماتها على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قصفاً وبالطائرات المسيرة لترهيب المواطنين وإجبارهم على الهجرة والنزوح والعبث باستقرار وأمن المنطقة.
لذا ما دام هناك قوى تستمد استمرارية أمنها الوجودي وتحقيق مشاريعها سواء أكانت احتلالية توسعية أم اقتصادية وغيرها في ظل عدم وجود رغبة حقيقية من قبل المجتمع الدولي بالقضاء على هذه الأيديولوجية واجتثاث جذورها ستبقى المجتمعات رهينة لهذه الأيديولوجية الهدامة، لذا يتطلب من جميع الشعوب التواقة إلى الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية العمل معاً عبر إطلاق مشاريع فكرية مضادة لهذه الأيديولوجية وإجبار المجتمع دولي عبر اطلاق استراتيجيات طويلة المدى تسهم في تنمية المجتمعات وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف وتحقيق أمن الإنسانية.
استراتيجيات تكون هدفها الأول والأخير بناء الإنسان الواعي الحر، لكون غالبية المجتمعات التي وقعت ضحية الإرهاب والتطرف يمكننا الجزم في مقام الأول افتقارها إلى استراتيجيات بناء الإنسان والأمن الإنساني.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب