إدريس أحميد يكتب.. “قمة لندن وأمن أوروبا: كييف بين التحديات والتغيرات في الموقف الأمريكي”
الكاتب صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي

عقد قادة الدول الحليفة لأوكرانيا قمة في لندن لتأكيد دعمهم لكييف، مع التركيز على تعزيز الأمن الأوروبي وزيادة الإنفاق الدفاعي، وسط مخاوف من تراجع الدعم الأمريكي. وجاءت القمة في ظل مشادة كلامية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما أثار قلق القادة الأوروبيين بشأن مستقبل الموقف الأمريكي من الحرب الأوكرانية.
خطة سلام أوروبية وتحالف جديد
أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن خطة سلام أوروبية سيتم عرضها على واشنطن، مؤكدًا تشكيل “تحالف الراغبين” بقيادة بريطانيا وفرنسا وأوكرانيا لدفع المبادرة قدمًا، وضمان استمرار الالتزام الغربي بأمن أوروبا.
التزامات دفاعية أوروبية متزايدة
تعهد القادة بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، حيث دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى تعزيز القدرات الدفاعية وإعادة تسليح أوروبا لدعم أوكرانيا وردع أي تهديدات مستقبلية. كما ناقش القادة تخفيف قيود الديون الأوروبية لتمكين الدول من تمويل التوسع العسكري.
اقرأ أيضا: إدريس أحميد يكتب. عودة ترامب للبيت الأبيض وتداعياته على الاتحاد الأوروبي
ماكرون يدعو إلى هدنة وزيادة الاستثمار العسكري
اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هدنة لمدة شهر تشمل وقف العمليات العسكرية في الجو والبحر، وحماية البنية التحتية للطاقة الأوكرانية. كما دعا إلى رفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى 3%-3.5% من الناتج المحلي، لتعزيز الاستقلالية العسكرية الأوروبية.
زيلينسكي: دعم أوروبي قوي ومساعٍ لتعزيز التعاون مع واشنطن
أكد الرئيس الأوكراني أن كييف تحظى بدعم أوروبي واسع، لكنه شدد على ضرورة التعاون مع الولايات المتحدة لضمان استمرار الدعم العسكري والاقتصادي. كما رفض تقديم أي تنازلات بشأن الأراضي المحتلة من قبل روسيا، مشيرًا إلى أن أي حل سياسي لا يمكن أن يكون على حساب سيادة أوكرانيا.
الموقف الأمريكي والروسي: تباين في الرؤى
واشنطن: دعم مشروط ومطالب بتنازلات
صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز أن إنهاء الحرب يتطلب تنازلات متبادلة بين أوكرانيا وروسيا، في إشارة إلى أن واشنطن لا ترغب في دعم غير مشروط لكييف. هذا التوجه يثير قلق القادة الأوروبيين، الذين يرون في التراجع الأمريكي تهديدًا لاستقرار أوروبا.
موسكو: اتهامات وتصعيد محتمل
من جانبه، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدول الأوروبية بإطالة أمد الحرب بسبب دعمها المستمر لأوكرانيا. كما حذر من أي تحركات لنشر قوات حفظ سلام أوروبية، معتبرًا أن ذلك تصعيد خطير قد يؤدي إلى توسيع نطاق النزاع.
إيجاد مخرج عادل للحرب الأوكرانية: السيناريوهات الممكنة
إيجاد حل متوازن لإنهاء الحرب الأوكرانية أمر معقد بسبب تضارب المصالح، لكن هناك سيناريوهات قد تساهم في التوصل إلى تسوية بحد أدنى من الخسائر، مع تحقيق استقرار طويل الأمد.
1. مفاوضات تضمن سيادة أوكرانيا وأمنها
تقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا عبر الناتو أو اتفاقات دولية.
تفاهم حول وضع المناطق التي ضمتها روسيا، ربما عبر استفتاءات بإشراف دولي، رغم حساسية ذلك بالنسبة لكييف.
2. التزام متبادل بعدم التصعيد العسكري
انسحاب تدريجي للقوات الروسية مقابل تعهد أوكراني بعدم الانضمام للناتو في المستقبل القريب.
تقليل عسكرة الحدود وإبرام اتفاقيات أمنية تمنع الهجمات المستقبلية.
3. حوافز اقتصادية وإنسانية
رفع تدريجي للعقوبات على روسيا مقابل وقف القتال.
إعادة إعمار أوكرانيا بمساعدة دولية، وتأمين طرق تصدير الحبوب الأوكرانية.
4. دور دولي متوازن
إشراك جهات محايدة مثل تركيا أو الصين أو الأمم المتحدة لضمان تنفيذ أي اتفاق.
إنشاء قوة حفظ سلام دولية لمراقبة الحدود والمساعدة في تنفيذ الاتفاقات.
5. هدنة طويلة الأمد تمهد لحل شامل
إعلان وقف إطلاق نار متفق عليه، متزامن مع مفاوضات جادة تشمل جميع الأطراف.
منح بعض المناطق المتنازع عليها وضعًا خاصًا لفترة انتقالية، مع خيارات سياسية تحترم رغبات السكان.
التحدي الأكبر هو إقناع الطرفين بتقديم تنازلات ضرورية، حيث تعتبر أوكرانيا الحرب قضية سيادة وطنية، بينما ترى روسيا النزاع جزءًا من استراتيجيتها الجيوسياسية. أي حل مستدام سيتطلب مرونة من الطرفين ودورًا دوليًا فاعلًا.
تأثير الحرب الأوكرانية على العلاقات الأوروبية-الأمريكية
ترامب يجمد المساعدات العسكرية لأوكرانيا
بعد المشادة العلنية بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض، أصدر الرئيس الأمريكي أمرًا بتجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا، منتقدًا موقف زيلينسكي الرافض لوقف إطلاق النار دون ضمانات. هذا القرار قد يضعف موقف كييف عسكريًا وتفاوضيًا، بينما قد تستغل موسكو الموقف لزيادة الضغط.
العلاقات الأوروبية-الأمريكية في ظل الحرب
تؤثر الحرب الأوكرانية بشكل مباشر على العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث تسعى القارة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية في ظل التردد الأمريكي. ومع تصاعد سياسة ترامب الانعزالية، قد تجد أوروبا نفسها مضطرة للعب دور أكثر استقلالية في تأمين القارة.
التوقعات المستقبلية:
توسيع الاستقلالية الأوروبية عبر تعزيز الإنفاق العسكري وتشكيل تحالفات جديدة.
استمرار الضغوط على واشنطن لضمان استمرار الدعم الأمريكي.
إمكانية التوصل إلى تسوية دبلوماسية بقيادة أوروبية، في حال تغير أولويات واشنطن.
الخلاصة
تعكس قمة لندن مدى التزام أوروبا بدعم أوكرانيا، لكنها تبرز أيضًا القلق المتزايد بشأن مواقف الولايات المتحدة المستقبلية. وبينما تسعى أوروبا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، يظل التحدي الأكبر الحفاظ على وحدة الصف الغربي في مواجهة روسيا، خاصة بعد قرار ترامب بتجميد المساعدات العسكرية لكييف.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب