تحت عنوان “بريكس وإفريقيا” تترقب عدة دول عربية انعقاد قمة مجموعة ”بريكس” فى دورتها الخامسة عشر والتي تستضيفها جنوب إفريقيا من 22 إلى 24 أغسطس الجاري لبحث طلبات انضمامها إلى المجموعة التي تسعى لكسر هيمنة الغرب وفرض نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب من أجل مواجهة المنظمات الدولية المسيسة التى تسيطير عليها أمريكا والعديد من دول الاتحاد الأوروبى وستبحث قمة “جوهانسبرغ ” هذا العام في احتمال توسيع مجموعة بريكس وأعربت دول إفريقية عدة عن رغبتها في الانضمام إلى الكتلة وقد دعيت 69 دولة لحضور القمة في جنوب إفريقيا وتحمل هذه القمة رؤية جديدة لمجموعة بريكس فى توفير قيادة عالمية وسط عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي وعدم المساواة وتدهور الأمن العالمي فضلا عن الرغبة فى اطلاق عملة جديدة موازية للدولار فى التعاملات الدولية فيما بين أعضائها وأعتقد أن هذه العملة الجديدة لا تشكل تهديدا كبيرا للدولار الأمريكي لأن الدول الأعضاء في بريكس ترتبط بالديون الأمريكية البالغة( 30 تريليون دولار) وهي على شكل سندات حكومية أمريكية وأسهم وحسابات جارية لمعظم الدول الخمس .
هذا الاهتمام المتزايد بالتكتل ومحاولات الانضمام إليه ليس بالأمر الجديد لكنه يشير إلى الثقة بالعمل الذي قامت به بريكس طوال 15 عاما من وجودها إلا أن هذه القمة تشوبها أحداث عالمية ساخنة ليس فقط الحرب الروسية الأوكرانية وإنما يضاف لها غياب الرئيس الروسي ”فلاديمير بوتين” عن قمة البريكس المرتقبة وذلك لتفادي تنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية بتسليم بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب هذا بجانب حالة الاقتتال التى يشهدها دولة السودان بين الجيش السودانى وقوات الدعم وماشبه من حالا التهجير الداخلى والخارجى فضلا عن الإنقلاب العسكرى الذى تشهده دولة النيجر ومحاولات تضيقق الخناق على الدول الاستعمارية التقليدية فرنسا وأعوانها فى منطقة الساحل الافريقي وحالة الصراع على النفوذ للجماعات الإرهابية فى هذه المنطقة الرخوة أمنيا وختاما تجدد الاشتباكات فى العاصمة الليبية مما يضع الانتخابات القادمة على المحك.
ما هو تكتل ” البريكس” والهدف من إقامته؟
تكتل “بريكس” عبارة عن منظمة سياسية دولية كانت المفاوضات لتشكيلها قد بدأت عام 2006 وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009 ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية.
وفي البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند وكان اسم التكتل في ذلك الوقت “بريك” نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010 ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل “بريكس” والذى حقق نجاحات كبيرة جعلته محط انظار العديد من دول العالم والتى تسعى للانضمام إليه بغية ايجاد قنوات إقتصادية جديدة تحقق طموحات شعوبها وتضع لها مكانة دولية.
فرص الدول العربية الانضمام لتكتل ” البريكس”
قدمت 8 دول عربية طلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة “بريكس” من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها وفق ما أعلنته وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا “ناليدي باندور” في بيان رسمى لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية.
هذه الدول العربية هى كل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات بالإضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين إلا أن هناك أربع دول عربية هى الأقرب للانضمام إلى هذا التجمع وخطت الدول العربية خطوات متفاوتة بشأن الانضمام إلى “بريكس” إذ تملك كل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات حظوظا أكبر للانضمام إلى بريكس ولو بصفة ” مراقب” كمرحلة أولى لما تتمتع به من الأهمية الجيوسياسية لهذه الدول وحجم اقتصادها ومساحتها الجغرافية وكتلتها السكانية وثرواتها الطبيعية و مصادر الطاقة المختلفة فضلا عن أسواقها الاستهلاكية الواسعة والتى ترتبط بالعديد من الأسواق العالمية من خلال العديد من الاتفاقيات التجارية أو تواجدها فى تكتلات اقتصادية إقليمية أو دولية.
ما تمتلكه الدول العربية من مقومات تجعل تواجدها فى ” البريكس ” إضافة له وهمزء وصل لنفوذ إلى العديد من دول العالم النامى فمصر تمتلك عدة نقاط ترتكز عليها إذ تحتل موقعا جيواستراتيجيا ومنفتحة على البحرين الأبيض والأحمر يربط بينهما قناة السويس المهمة للتجارة العالمية ولديها سوق واسع يضم أكثر من 100 مليون مستهلك فضلا عن انضمامها للعديد من التجمعات الاقتصادية فى القارة السمراء فى حين أن المملكلة العربية السعودية فى ظل حالة الفتور السياسى مع الحليف الكلاسيكى أمريكا أتجهت إلى الصين وأنجزت معها الإتفاق التاريخى بعودة العلاقات السعودية الإيرانية وقبلها انضمامها لمنظمة” شنغهاي” بصفة “شريك حوار” هذا بجانب أنها أكبر مُصدر للنفط وأكبر اقتصاد عربي وثاني أكبر بلد عربي مساحة بعد الجزائر وهو من من شأنه أن يرفع حجم اقتصاد ” البريكس” بأكثر من (1.1 تريليون دولار) بعد أن وصلت مساهمة ”بريكس” إلى( 31.5% ) من الاقتصاد العالمي مقابل( 30.7%) لمجموعة السبعة الكبار بزعامة الولايات المتحدة و على درب السعودية تسعى الإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى ”بريكس” في ظل تراجع التزام واشنطن بضمان أمن الخليج وظهر هذا من خلال انسحابها من قوة بحرية تقودها الولايات المتحدة في الخليج بل وإجرائها مناورات عسكرية مع القوات الجوية الصينية كما أن الإمارات من أوائل المساهمين من خارج دول بريكس في” بنك التنمية الجديد” فضلا عن إحتلالها المرتبة الخامسة بين الدول المصدرة للنفط (أوبك) والسابعة عالمياً كما أصبح لها حضور دبلوماسي وأمني في أكثر من منطقة خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إضافة إلى استقطابها للمكاتب الإقليمية لكبرى الشركات العالمية.
فى حين ألقت الجزائر بثقلها من أجل الانضمام إلى “بريكس” من خلال زيارة رئيسها “عبد المجيد تبون” إلى كل من روسيا والصين باعتبارهما البلدين المركزيين في المجموعة وضمنت دعمهما رسمياً كما طلبت الانضمام إلى بنك التنمية الجديد التابع لبريكس عبر المساهمة بمبلغ مليار ونصف مليار دولار كما أن الناتج المحلى الخام للبلاد بلغ (225 مليار دولار) أي أنه تجاوز سقف 200 مليار دولار الذي وضعه في السابق هدفاً لدخول بريكس إضافة إلى ان أهمية البلاد الجيواستراتيجية فهى بلد متوسطي وبوابة نحو إفريقيا و الأكبر إفريقياً من حيث المساحة وصادرات الغاز .
والملاحظ ان هذه الدول العربية الاربع هى الأوفر حظا للإنضمام لما وجدته من دعم مباشر من الدول المؤسسة “للبريكس” وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف ” والذى أشار إلى حظوظ الدول العربية الأربع عندما قال إن “انضمام السعودية والإمارات والجزائر ومصر إلى بريكس سيثري المجموعة بما لهذه الدول من إرث حضاري عربي وإسلامي” فضلا عن أن كل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات مرشحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود القليلة المقبلة على غرار” الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء” والتي من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)
هل يستطيع تكتل ” البريكس” تأسيس نظام عالمى جديد؟
كان الهدف الرئيسي لذلك التكتل منذ اللحظة الأولى لتفكير الرئيس الروسى بوتين في تأسيسه تحدي الهيمنة الأمريكية على المسرح السياسي العالمي وهو الغاية النهائية للتكتل لكن التركيز لم يكن على الشق السياسي من الأساس بل كان التعاون الاقتصادي هو الهدف المعلن والأكثر تأثيرا فى الساحة العالمية وكان الترابط الاقتصادي بين أعضاء التكتل هو أحد مداخل تحقيق التعاون السياسي ومن هذا المنطلق بدأت دول “بريكس” بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة المالية فأنشأت “بنك التّنمية الجديد” وصندوقاً أُطلق عليه “صندوق بريكس” موقعه مدينة “شنغهاي” الصينية كي يكونا بمثابة بديلين “للبنك الدولي” وصندوق “النقد الدولي” وذلك لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولي بينما الهدف غير المعلن كان يتمثل في إنشاء مؤسسات دولية موازية للمؤسسات الاقتصادية الدولية التى تهيمن عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
وهو ما تحقق فعيا عند تأسيس هذا التجمع فقد كان أعضاء التكتل يمثلون الدول ذات الاقتصادات الصاعدة وتتميز بأنها من الدول النامية الصناعية ذات الاقتصادات الكبيرة ويعيش في الدول الخمس للتجمع ما يلامس نصف سكان العالم وكان الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول يعادل ناتج الولايات المتحدة (13.6 تريليون دولار) ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة (4 تريليونات دولار) وهو ما جاء على لسان الرئيس الصيني “لي جينتاو” في ذلك الوقت عن دول “بريكس” بأنها ”المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي”ليدشن بذلك حلم جديد لهذه الدول فى مواجهة هيمنة القطب الأوحد وتابعيه من الحلفاء ومنذ لك التاريخ وبدأت خطوات بريكس فى الاتساع لتكون محط انظار العديد من دول العالم النامى والتى وجدت ضلتها فى هذا التجمع ضد حالات التعبية الاقتصادية لأمريكا وحلفائها.فهل تكون قمة ” جوهنسبرج” اللبنة الأساسية فى تدشين نظام عالمى جديد يغير من موازين القوى العالمية اقتصاديا وسياسيا ؟
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب