إعداد: محمود سامح همام – باحث سياسي متخصص في الشؤون الأفريقية
أعلنت منظمة الصحة العالمية بتاريخ 15 يناير 2025 أنّ فاشية محتملة لمرض فيروس في تنزانيا تسبّبت بثماني وفيات، وصرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية غيبريسوس في مؤتمر صحافي أنه على علم بتسع حالات حتى الآن، بينها ثماني وفيات. ويتوقّع المزيد من الحالات في الأيام المقبلة عندما ستتحسّن مراقبة المرض وأضاف أنّ منظمة الصحة العالمية عرضت مساعدتها الكاملة لحكومة تنزانيا والمجتمعات المتضرّرة، ويأتي هذا الخبر بعد أقلّ من شهر من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشّي فيروس ماربورغ لمدة ثلاثة أشهر في رواندا المجاورة، الذي أسفر عن وفاة 15 شخصا في كيجالي. (1)
وفي إطار تفشي هذا الفيروس في القارة الأفريقية، يمكننا نطرح جملة من التساؤلات بشأن مرض فيروس ماربورغ، ومحاولة التعرف أكثر على هذا الفيروس من خلال المحاور التالية:
- اقرأ أيضا: التعقيدات الأمنية في مالي وانعكاساتها على الأمن القومي الجزائري.. دراسة للباحث محمود سامح همام
أولًا: ماهية مرض فيروس ماربورغ – تهديد ناشئ للنظام الصحي العالمي
ثانيًا: الوضع الراهن لانتشار فيروس ماربورغ – تحديات إقليمية واستجابات دولية
ثالثًا: المستقبل والوقاية والسيطرة – رؤية استراتيجية لتعزيز الحوكمة الصحية العالمية
أولًا: ماهية مرض فيروس ماربورغ – تهديد ناشئ للنظام الصحي العالمي
فيروس ماربورغ، الذي يُصنّف كأحد أخطر الفيروسات الوبائية عالمياً، يمثل تهديداً صحياً وأمنياً بالغ الخطورة على المستويين الإقليمي والدولي. يتسبب هذا الفيروس في مرض حمى ماربورغ النزفية، الذي يتميز بحدة الأعراض وارتفاع معدلات الوفيات التي تتراوح بين 23% إلى 90%، ما يجعله تحدياً صحياً كبيراً يتطلب استجابة عاجلة وشاملة. (2)
طبيعة المرض وآلية انتقاله
يتسبب فيروس ماربورغ في ظهور أعراض وخيمة تشمل الحمى الشديدة، الصداع، آلام العضلات، القيء، الإسهال، والنزيف في المراحل المتأخرة من المرض. وينتقل الفيروس عبر ملامسة سوائل جسم المصابين، مثل الدم، اللعاب، القيء، البول، أو العرق، مما يضع أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية الصحية في دائرة الخطر المباشر عند تقديم الرعاية دون اتخاذ تدابير الوقاية اللازمة. علاوة على ذلك، تُعد خفافيش الفاكهة من جنس “روزيتا”، التي تعيش في المناجم والكهوف، مستودعاً بيئياً طبيعياً للفيروس، ما يعزز احتمالية انتقاله إلى البشر من خلال مخالطتهم لهذه الحيوانات أو دخولهم إلى بيئاتها الطبيعية. (3)
التحديات الصحية والوقائية
يشكل فيروس ماربورغ تهديداً مضاعفاً في الدول التي تعاني من هشاشة الأنظمة الصحية وضعف البنية التحتية الوقائية. إن انتقال المرض بين البشر، لا سيما في حالات الفاشيات التي تظهر في المجتمعات ذات الكثافة السكانية العالية أو الأنظمة الصحية غير المجهزة، يعزز الحاجة إلى استجابة صحية متكاملة تعتمد على إجراءات وقائية صارمة. تشمل هذه الإجراءات استخدام معدات الحماية الشخصية، تعزيز التدابير الصحية في المرافق الطبية، وضمان توفر الفحوصات المخبرية لتحديد الحالات المؤكدة بدقة.
التداعيات السياسية والاستراتيجية
يمثل انتشار فيروس ماربورغ تحدياً ليس فقط للقطاع الصحي، ولكن أيضاً للسياسات الوطنية والإقليمية. إن ظهور فاشيات هذا المرض يهدد الأمن الصحي العالمي ويستلزم اتخاذ خطوات سياسية واستراتيجية حاسمة. يجب على الحكومات الوطنية وضع خطط طوارئ واضحة لمواجهة تفشي الأوبئة، تشمل تعزيز أنظمة الرصد المبكر، تطوير قدرات الاستجابة السريعة، وتأمين الموارد اللازمة لتوفير الرعاية الصحية الطارئة.
علاوة على ذلك، يتطلب الحد من تفشي فيروس ماربورغ تفعيل التعاون الدولي والإقليمي، خاصةً في المناطق المتضررة. تحتاج الدول المتجاورة إلى تنسيق الجهود عبر الحدود، بما في ذلك تبادل المعلومات الصحية، تدريب الكوادر الطبية، وإنشاء مراكز استجابة مشتركة لمواجهة الفيروس. كما أن مشاركة المنظمات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، أمر حتمي لتوفير المساعدة الفنية والدعم المادي وتقديم الإرشادات اللازمة لتعزيز الإجراءات الوقائية. (4)
وفي سياق ما ذُكر، يمكننا تسليط الضوء على الخلفية التاريخية لفيروس ماربورغ، حيث تم اكتشاف مرض حمى ماربورغ لأول مرة في عام 1967 بعد تفشيين متزامنين في ماربورغ وفرانكفورت في ألمانيا، وفي بلغراد، صربيا. ارتبط تفشي المرض بالعمل المختبري باستخدام قرود خضراء أفريقية) مستوردة من أوغندا. بعد ذلك، تم الإبلاغ عن تفشيات وحالات متفرقة في أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية وغانا وغينيا وكينيا ورواندا وجنوب أفريقيا (لشخص لديه تاريخ سفر حديث إلى زيمبابوي) وتنزانيا وأوغندا. (5)
ثانيًا: الوضع الراهن لانتشار فيروس ماربورغ – تحديات إقليمية واستجابات دولية
في ظل التحديات الصحية المتزايدة التي تواجهها المجتمعات العالمية، يبرز فيروس ماربورغ كتهديد صحي عابر للحدود، ما يعكس هشاشة الأنظمة الصحية في العديد من الدول، ويضعها أمام اختبار بالغ الصعوبة على صعيد قدرتها على الاستجابة السريعة والفعالة للأوبئة الناشئة. يتميز هذا الفيروس بانتشاره السريع، وارتفاع معدلات الوفاة بين المصابين به، مما يجعله يشكل مصدر قلق عالمي يتطلب تدخلًا عاجلاً، وتنسيقًا مشتركًا بين الدول والمنظمات الصحية العالمية لضمان الحد من انتشاره وحماية الأرواح.
تواجه الحكومات الإقليمية تحديات متعددة ومعقدة تتمثل في ضعف البنية التحتية الصحية، ونقص المعدات الطبية، فضلاً عن قلة التدريب في كيفية التعامل مع الأوبئة المميتة مثل فيروس ماربورغ. هذه التحديات تفاقم من صعوبة التصدي للفاشيات المستمرة للفيروس في عدة دول إفريقية، بما في ذلك أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وجنوب أفريقيا وأوغندا، حيث تم الإبلاغ عن حالات متفرقة، بما في ذلك شخص ذو تاريخ سفر حديث إلى زيمبابوي، مما يبرز الطبيعة العابرة للحدود للفيروس.
وفي عام 2008، تم الإبلاغ عن حالتين مستقلتين بين مسافرين زاروا كهفًا يسكنه مستعمرات خفافيش “روسيتوس” في أوغندا، ما يعكس ارتباط الفيروس بالمناطق البيئية التي تحتفظ بها هذه الخفافيش. وفي تتابع لهذه الفاشيات، أعلنت وزارة الصحة في رواندا عن أول تفشي لفيروس ماربورغ في البلاد في عام 2024، حيث كانت معظم الحالات المؤكدة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية في منشأتين للرعاية الصحية في العاصمة كيغالي. وقد سجلت رواندا 66 حالة إصابة و15 حالة وفاة، وتم إعلان انتهاء الفاشية رسميًا في 20 ديسمبر 2024، بعد أن ثبتت سلبية آخر حالة معروفة لاختبار الفيروس في 8 نوفمبر. (6)
على الرغم من الانتهاء الرسمي للفاشية في رواندا، إلا أن فيروس ماربورغ لا يزال يمثل تهديدًا مستمرًا في القارة الإفريقية، خصوصًا في منطقة شرق أفريقيا. في تنزانيا، أعلنت منظمة الصحة العالمية في 15 يناير الماضي عن فاشية محتملة لمرض فيروس ماربورغ، مشيرة إلى وجود تسع حالات مؤكدة حتى الآن، بينها ثماني وفيات، مع توقعات بزيادة عدد الحالات في الأيام المقبلة في ظل التحسن المتوقع لمراقبة المرض. (7)
ثالثًا: المستقبل والوقاية والسيطرة – رؤية استراتيجية لتعزيز الحوكمة الصحية العالمية
في ظل تعاظم التحديات الصحية العالمية واتساع نطاق تأثيرها على الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول، بات تعزيز الحوكمة الصحية العالمية ضرورة استراتيجية لضمان أمن الشعوب واستدامة التنمية. لقد أثبتت الأزمات الصحية المتعاقبة أن ضعف التنسيق الدولي وغياب آليات الوقاية والسيطرة الفعالة يعمقان التفاوت بين الدول ويقوضان الجهود الجماعية للتصدي للأزمات. وعليه، تفرض المرحلة القادمة إعادة صياغة منظومة الحوكمة الصحية العالمية على أسس جديدة تركز على التكامل بين الدول، وتحقيق العدالة الصحية، وتعزيز قدرات المؤسسات الدولية بما يكفل الوقاية من التهديدات الصحية المستقبلية والسيطرة عليها، باعتبار ذلك مسؤولية مشتركة لا غنى عنها لحماية الأمن العالمي ودعم الاستقرار الإقليمي.
وفي غرار عدم وجود علاج متاح حالياً لمرض فيروس ماربورغ. ولهذا السبب، من المهم بالنسبة إلى الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض تشبه أعراض مرض فيروس ماربورغ طلب الرعاية في وقت مبكر. وتبقى الرعاية الداعمة هي الطريقة الأكثر أماناً وفعالية لتقديم التدبير العلاجي لمرض فيروس ماربورغ، بما في ذلك توفير التميه الكافي وإدارة الألم وعلاج الأعراض عند ظهورها في إطار الرعاية المهنية. كما أن علاج العدوى المصاحبة مثل الملاريا هي أمر بالغ الأهمية للرعاية الداعمة ضد مرض فيروس ماربورغ. (8)
وقد أعطت المنظمة الصحة العالمية الأولوية لتقييم بعض العلاجات المرشحة في إطار التجارب السريرية المعشاة، علاوة على ذلك، لا توجد لقاحات معتمدة لمرض فيروس ماربورغ. ومع ذلك، هناك بعض اللقاحات المرشحة قيد التطوير حالياً، وقد حدّدت المنظمات المختصة بشأن ملف الصحة بالقارة أن مرض فيروس ماربورغ كمرض ذي أولوية قصوى تمس الحاجة إلى توفير لقاح مضاد له.
ومن هنا يمكننا تسليط الضوء على أبرز الاحترازات والإجراءات اللازمة للسيطرة على تفشي الفيروس ووقف انتشاره في القارة الإفريقية:
- للحد من الإصابات والوفيات بين البشر، من الضروري رفع مستوى الوعي المجتمعي بشأن عوامل الخطر المرتبطة بعدوى فيروس ماربورغ، وخاصة انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، والتدابير الوقائية التي يمكن للأفراد اتخاذها للحد من التعرض للفيروس. ويشمل هذا تشجيع أي شخص يعاني من الأعراض على طلب الرعاية الفورية في مرفق صحي أو مركز علاج مخصص لتقليل خطر انتقال العدوى بين أفراد المجتمع وتحسين فرص تعافيه.
- والحد من خطر انتقال العدوى من الخفافيش إلى البشر نتيجة التعرض لفترات طويلة للمناجم أو الكهوف التي تسكنها مستعمرات خفافيش الفاكهة. يجب على الأشخاص الذين يزورون المناجم أو الكهوف التي تسكنها مستعمرات خفافيش الفاكهة أو يعملون فيها ارتداء القفازات وغيرها من الملابس الواقية المناسبة (بما في ذلك الأقنعة).
- وينبغي تعزيز أنشطة المراقبة، بما في ذلك نشر تعريف واسع النطاق لحالة مرض فيروس كورونا الجديد، في جميع المناطق المتضررة، بما في ذلك تتبع المخالطين والعثور على الحالات النشطة.
- يجب تنفيذ وتعزيز تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها الحرجة في جميع مرافق الرعاية الصحية، وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية للوقاية من العدوى ومكافحتها فيما يتعلق بمرض الإيبولا ومرض ماربورغ. يجب على العاملين الصحيين الذين يعتنون بالمرضى المصابين بمرض فيروس ماربورغ المؤكد أو المشتبه به تطبيق الاحتياطات القائمة على انتقال العدوى بالإضافة إلى: الاحتياطات القياسية ، بما في ذلك الاستخدام المناسب لمعدات الوقاية الشخصية ونظافة اليدين وفقًا لخمس لحظات لمنظمة الصحة العالمية لتجنب ملامسة دم المريض وسوائل الجسم الأخرى والأسطح والأشياء الملوثة. يجب فصل النفايات المتولدة في مرافق الرعاية الصحية بأمان وجمعها ونقلها وتخزينها ومعالجتها والتخلص منها أخيرًا. اتبع الإرشادات والقواعد واللوائح الوطنية للتخلص الآمن من النفايات أو اتبع إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن إدارة النفايات الآمنة
- كما يجب أن تتم أنشطة رعاية المرضى في بيئة نظيفة وصحية تسهل الممارسات المتعلقة بالوقاية من العدوى المرتبطة بالرعاية الصحية والسيطرة عليها كما هو موضح في معايير الصحة البيئية الأساسية في الرعاية الصحية. يجب توفير المياه الآمنة والبنية التحتية والخدمات المناسبة للصرف الصحي والنظافة في مرافق الرعاية الصحية. للحصول على تفاصيل حول التوصيات والتحسينات.
- ينبغي تنفيذ استراتيجية شاملة لإدارة الأفراد المتوفين في المجتمعات المحلية، وينبغي إجراء عمليات دفن آمنة وكريمة، مع مشاركة قوية من جانب المجتمعات المحلية.
- ينبغي تعزيز الجاهزية الصحية والقدرات على الاستجابة عند نقاط الدخول وفي المجتمعات الحدودية التي تبلغ عن حالات الإصابة بمرض فيروس الدودة الشريطية وعلى متن وسائل النقل، وينبغي تقديم المشورة الصحية العامة للمسافرين بما يتماشى مع التوجيهات المؤقتة لمنظمة الصحة العالمية بشأن الاعتبارات الخاصة بصحة الحدود ونقاط الدخول في حالة تفشي مرض الدودة الشريطية.
- وضرورة بأن يتلقى جميع المرضى المصابين بمرض الشريان التاجي الرعاية الشاملة بما في ذلك الرعاية الداعمة المحسنة بما في ذلك الرعاية الحرجة وخدمات الصحة العقلية في مركز علاج مصمم لرعاية المرضى المثلى وتجربة تركز على المريض مع تدابير الأمن الحيوي مثل تدفق المرضى والموظفين في اتجاه واحد وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.
ختامًا، يتبين بوضوح أن هذا الفيروس يمثل تهديدًا صحيًا بالغ الخطورة يتجاوز الحدود الجغرافية، ويضع الأنظمة الصحية في العديد من البلدان أمام تحديات غير مسبوقة. إن سرعة انتقال الفيروس وارتفاع معدل الوفيات بين المصابين به يقتضيان استجابة سريعة وفعالة على المستويين الإقليمي والدولي، ويتطلب تحقيق فعالية في الوقاية والسيطرة على فيروس ماربورغ التزامًا مستمرًا من جميع الأطراف المعنية، مع التأكيد على أن التنسيق العالمي والتعاون الإقليمي يشكلان الأساس لبناء منظومة صحية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية بشكل مستدام وفعّال.
قائمة المراجع
- https://www.who.int/ar/news-room/questions-and-answers/item/marburg-virus-disease
- https://africacdc.org/disease/marburg-virus-disease-mvd/
- https://africacdc.org/disease/marburg-virus-disease-mvd/
- https://www.bsg.ox.ac.uk/blog/when-viruses-turn-political
- https://www.who.int/health-topics/marburg-virus-disease#tab=tab_1
- https://www.who.int/emergencies/disease-outbreak-news/item/2024-DON543
- https://windsor.ctvnews.ca/health/article/who-says-suspected-outbreak-of-marburg-disease-kills-8-in-a-remote-part-of-tanzania/
- https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/marburg-virus-disease