فن صناعة الأكاذيب والشائعات (عنزة العجوز وحيلة هامان)– (مع النفس)
حلقات لـ (محمد فتحي الشريف) عن الوعي (الحلقة الثانية)
صانعو الأكاذيب
عندما يغيب الوعي يسهل ترويج الأكاذيب ونشر الشائعات، حتى يصدق صانعو الأكاذيب ومروجو الشائعات أنها حقيقة، على الرغم من أنهم هم من صنعوا الكذبة، وهم من أطلقوا الشائعة، وفي حال غياب الوعي عن شعب، لا تحتاج الكذبة والشائعة لحبكة درامية قوية، فأي سيناريو ينجح مع هؤلاء المغيبين، وبعد ذلك تصبح الكذبة والخرافة جزءا من التكوين النفسي لدى الناس.
اقرأ أيضا: النفس بين (مطمئنة وأمارة بالسوء) وعلاقتها بمنهج الله وأساطير الشيطان.. أطروحة جديدة للشرفاء الحمادي
الكذبة والخرافة
حتى تصحح تلك الكذبة والخرافة تبذل مجهودا كبيرا دون نتائج محققة وتتعرض لحملات من التشويه، وتصبح في نظر الناس متطاولا، فأغلب الخرافات والأكاذيب والشائعات تحولت إلى مقدسات، وأصبحت الحكايات والأكاذيب جزءا من ثقافتنا وحديثنا في الندوات والمؤامرات حتى وصلت إلى المنابر، وأصبح التعرض لها وكشف حقيقتها جريمة دينية تعاقب عليها من الشيوخ والدراويش.
حكايات وأساطير
لذلك عندما تجد خطيبا على المنبر يأخذ نصف الخطبة في حكايات وأساطير تخالف الدين والقرآن والمنطق والعقل وتخرج من دائرة المعجزات المعروفة، ويجعل تلك الحكايات والأساطير واقعا يصدقه الناس وينقلونه دون تحقق فاعلم أن الوعي قد غاب في هذا المجتمع.
تقديس الأكاذيب
وحتى نعيد الوعي إلى الطريق المستقيم، نحتاج إلى جهد وصبر كبير، فمن صدق كذبة وخرافة، وآمن بها واتخذها منهجا في حياته يتحدث بها ويقدسها ويتطاول على كل من يدعوه للتدبر قبل الحديث، هنا سيكون من الصعب جدا أن تثنيه عن هذا الطريق وتكذب له هذا الحديث المكذوب وتمحو من داخله التقديس، حتى لو كانت الحقيقة واضحة وما يتحدث به يخالف الدين والقرآن والعقل والمنطق.
العقل والمنطق
لذلك تصبح صناعة الأكاذيب ونشر الشائعات أمرا سهلا يسيرا، وتكذيب تلك الخرافات غير المنطقية ووقف الشائعات أمرا صعبا للغاية، ولذلك لابد أن نؤسس لوعي حقيقي يكون فيه العقل والمنطق والفكر هو الأساس، وأن نعرض الخرافات والأكاذيب على عقولنا، وقتها سيتم تدمير تلال الأكاذيب والخرافات والإسرائيليات التي غطت على عقولنا.
خرافات حاضرة
وتبقى الخرافات والأكاذيب حاضرة في المجتمعات المتخلفة غير الواعية، وفي فن صناعة الكذب تبقى الأمثلة حاضرة قديما وحديثا، وفي الماضي كانت تحكى لنا تلك الحكاية دليلا دامغا على الكذب وصناعة.
وكانت الحكاية تؤكد ذكاء صانعي الكذب وكيف لهم بحيل تجعل العوام يصدقونهم، وتلك الحكاية من الأساطير والخرافات، ولكن بها رسالة واضحة عن فن صناعة الكذب وتصديق الكاذبين أنفسهم.
عنزة العجوز
تقول الخرافة، إن امرأة عجوزا ماتت عنزتها، فذهبت إلى فرعون لكي يحيي لها عنزتها، تصديقا منها لحديث وزيره هامان عن أن فرعون هو (الإله) الذي يحيي ويميت، فلم تجد العجوز فرعون ووجدت وزيره هامان، فقالت له إن عنزتها ماتت وتريد من فرعون أن يحييها لها.
فرعون وهامان
هنا أدرك هامان أن أمرهم قد ينكشف لأن فرعون كاذب وهامان كذلك، ولكن هامان تصرف مع العجوز بذكاء ودهاء وأعطاها عنزة بدلا من عنزتها وبرر لها ذلك بأن فرعون مشغول الآن بخلق الإبل، فأخذت العجوز العنزة وذهبت وصدقت أن فرعون مشغول بخلق الإبل.
ارتباك فرعون
وفي نهاية اليوم سأل فرعون هامان عن ما حدث في هذا اليوم فأخبره هامان بقصة العجوز التي جاءت إلى فرعون تطلب منه إحياء عنزتها، فارتبك فرعون وفزع وسأل هامان وكيف تصرفت معها. قال له هامان اطمئن لا تقلق، لقد أعطيتها عنزة من عندنا وقلت لها إن فرعون مشغول هذا اليوم بخلق الإبل، هنا تنفس فرعون الصعداء وقال لهامان، آه لو تعلم يا هامان كم هو صعب خلق الإبل، فرد عليه هامان قائلا: على هامان يا فرعون.
تضليل وكذب
هنا كذب هامان على العجوز، وضللها، وأخبره فرعون بالكذب وهو يعلم أنه كذب فصدق فرعون الكذب، وعاش فيه، هكذا من يصنعون الكذب ويروجون الشائعات، فهم يكذبون ويعلمون أنهم يكذبون ويصدقهم الناس ويسيرون خلفهم، حتى يصدق صناعو تلك الكذبة والخرافة أنهم صادقون، وتتحول الكذبة والخرافة إلى حقيقة تتطلب وقتا طويلا حتى نكشف ما قاموا بهم، وفي النهاية يبقى الوعي والإدراك هو الطريق الصحيح لتصحيح كل المفاهيم في الدين والحياة.. لعلكم تتفكرون كما أمرنا الله.. دمتم بخير.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب