عبدالرحمان الأشعاري يكتب..رمضان محطة لتقوية الصلة بالله عز وجل
الكاتب مدير مركز العرب للأبحاث في المغرب العربي
رمضان شهر ليس ككل الشهور، إنه خيرها وأعظمها منزلة عند الله عز وجل، إنه الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، وهو جزء من حديث قدسي رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ونصه الكامل ما يلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: كلُّ عَمَل ابن آدَم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فإن سَابَّهُ أحَدٌ أو قَاتَلَهُ فليَقل: إنِّي صائم، والذي نفس محمد بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أطيب عند الله من رِيحِ المِسْكِ، للصائم فرحتان يَفْرَحُهُمَا، إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بِصَوْمه”.
يقول الحافظ ابن عبد البر في مصنفه الاستذكار 10/249: “وقوله (الصيام لي وأنا أجزي به) معناه والله أعلم أن الصوم لا يظهر من بن آدم في قول ولا عمل وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله، وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة وسائر أعمال الظاهر، لأن الصوم في الشريعة ليس هو بالإمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية بأن تركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله ورغبته فيما ندب إليه تزلفا وقربة منه، كل ذلك منه إيمانا واحتسابا لا يريد به غير الله –عز وجل– ومن لم ينو بصومه أنه لله عز وجل فليس بصيام، فلهذا قلنا إنه لا تطلع عليه الحفظة لأن التارك للأكل والشرب ليس بصائم في الشرع إلا أن ينوي بفعله ذلك التقرب إلى الله تعالى بما أمره به ورضيه من تركه طعامه وشرابه له وحده لا شريك له لا لأحد سواه، فمعنى قوله الصوم لي والله أعلم وكل ما أريد به وجه الله فهو له ولكنه ظاهر والصوم ليس بظاهر”.
ولأنه يحظى بكل هذا الاهتمام والتعظيم من قبل الله سبحانه وتعالى، فإن العبد مطالب بأن يكون فيه حريصا كل الحرص على صيامه وقيامه على أفضل وجه حتى لا يفوته أجره وثوابه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة الآية 183.
ولكي يتحقق هذا الحرص، وتتقوى بالتالي الصلة بالله عز وجل وجب على المسلم مصاحبة ثلاثة، أولها القرآن الكريم معجزة الله الخالدة، التي لا تنتهي وهي باقية إلى يوم القيامة، إنها رسالة وكلمة حق تعني كل إنسان مكلف.
كتاب بهذا التوصيف وبهذه المواصفات، تكفل الله عز وجل بحفظه من التغيير والتزوير والتحريف، كان حقا علينا أن نصادقه ونصطحبه معنا أينما حللنا وارتحلنا ونتلوه في جميع الأوقات وخاصة في الأسحار، ونحفظه في صدورنا ونتوقف عند كل آية من آياته الكريمة، فنتمعن فيها لنفهم معانيها ودلالاتها ونتدبرها لنستوعب مقاصدها ومراد الله سبحانه وتعالى منها.
وأفضل مكان نقرأ فيه هذا الكتاب المبين، الذي يهدي إلى الرشد، هو المسجد، وهو الصاحب الثاني الذي ينبغي أن نتعهده ونلازمه على الأقل خمس مرات في اليوم، حتى نعتاد عليه (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه.
ثم إن المساجد هي بيوت الله في الأرض ولا يعمرها إلا من ذكرهم الله عز وجل في قوله تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدينَ) سورة التوبة الآية 18.
قال الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي في تفسير هذه الآية نقلا عن موقعه الإلكتروني “هنا يبين الله سبحانه وتعالى أن عمارة المساجد باستغلالها في العبادة واستغلالها في طاعة الله عز وجل لا يصدر إلا من مؤمن يريد وجه الله ويبتغي الدار الآخرة، فلذلك قال (إنما) التي هي أداة حصر، فالذي آمن بالله هو الذي يعرفه ويريد عبادته، والمؤمن باليوم الآخر هو الذي يحتسب ويرجو الآجر فيما يعمل (…) والمقصود بعمارتها ما كان مقصودا به وجه الله ولا يقصد بذلك ما قصد به الرياء والتسميع، أو ما كان عادة للإنسان دون أن يحتسب فيه وجه الله”.
والصاحب الثالث من أصحاب هذا الشهر الفضيل هو ذكر الله عز وجل، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) سورة الرعد الآية 28، فنحن مطالبون ومأمورون بذكره وشكره سبحانه تعالى في الغدو والآصال، وفي كل وقت وحين وخاصة في الظلمات (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) سورة الأنبياء الآية 87، وقوله تعالى (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) الصافات الآية 144، وكيف لا نذكره -عز وجل- وكل المخلوقات تسبح بحمده وتقدس له، الطير والدواب والشجر والحجر والحوت في البحر حتى الذرة، التي لا ترى بالعين المجردة تذكر الله -عز وجل- وتسبح بحمده وتقدس له (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) سورة الحج الآية 18.
هذه الثلاثة الأعمال كفيلة بأن تحقق الهدف المطلوب، شريطة أن يصحبها في كل وقت وحين عمل آخر ألا وهو الإخلاص، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا شَيْءَ لَهُ “فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” لَا شَيْءَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ”، رواه النسائي وقال حديث حسن (تخريج الإحياء للعراقي 112/5).
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب