د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. مقترح الحكم الذاتي يخرج العلاقات المغربية الإسبانية من النفق
الكاتب باحث وإعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية
أخيرا رضخت الحكومة الإسبانية لجادة الصواب وقررت إعادة المياه لمجاريها مع جارتها الجنوبية بعد سنوات من علاقات كلها توتر وحيطة وحذر، معتبرة أن مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي تقدم به المغرب منذ العام 2007، هو الحل الوحيد والأوحد لأحد أقدم النزاعات الترابية والعسكرية في العصر الحديث.
وسيسمح هذا المقترح، كما جاء في نص المبادرة، لسكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، كما ستتوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة، على أن تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.
وتوجت هذه العودة في العلاقات بالزيارة التاريخية، التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز أخيرا للمغرب بدعوة من العاهل المغربي، أكد المغرب وإسبانيا من خلالها، فتح مرحلة جديدة من الشراكة بينهما على “أسس أكثر صلابة” واستئناف التعاون في مجالات عدة بعد أزمة دبلوماسية طويلة، وفق بيان مشترك أعقب محادثات بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز.
لا يصح إلا الصحيح
قبل أقل من عام من الآن، كانت العلاقات المغربية الإسبانية قد دخلت النفق المسدود، بعد ما اختارت حكومة الائتلاف الاسبانية التي يقودها كل من الحزب العمالي الاشتراكي وحزب بوديموس اليساري الراديكالي بزعامة بابلو إغليسياس، أحد أكبر السياسيين الإسبان المعادين لوحدة المغرب الترابية، الدفاع على قرار استقبال زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي بجواز سفر وهوية مزورين.
القضية بدأت بولوج زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، وفي غفلة من الجميع التراب الإسباني على متن طائرة رئاسية جزائرية، وذلك على الرغم من متابعته من قبل القضاء الإسباني بـ”جرائم ضد الإنسانية وعمليات اختطاف وتعذيب”، وهو ما جعل الدبلوماسية المغربية تتحرك وتندد على لسان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بيان شديد اللهجة أصدرته يوم 31 ماي/ أيار 2021، بهذه التجاوزات.
وقالت في بيانها “إن جوهر الأزمة المغربية- الإسبانية، هو مسألة دوافع خفية لإسبانيا معادية لقضية الصحراء، القضية المقدسة لدى الشعب المغربي قاطبة”، مبينة أن جوهر المشكل هو مسألة ثقة تم تقويضها بين شريكين.
وأضاف البيان أن “الأزمة ليست مرتبطة بحالة شخص، إنها لا تبدأ بوصوله مثلما لن تنتهي بمغادرته، إنها وقبل كل شيء قصة ثقة واحترام متبادل تم الإخلال بهما بين المغرب واسبانيا، إنها اختبار لموثوقية الشراكة بين المغرب واسبانيا”، مشيرا إلى أنه وبعيدا عن حالة المدعو غالي، “فقد كشفت هذه القضية عن مواقف إسبانيا العدائية واستراتيجياتها المسيئة تجاه قضية الصحراء المغربية، وأظهرت تواطؤات جارنا الشمالي مع خصوم المملكة من أجل المساس بالوحدة الترابية للمغرب”، كما أشار إلى أن هذه الأزمة تطرح أيضا مسألة الاتساق في المواقف، على اعتبار أن إسبانيا تعيش برأسين متناقضين الأول يحارب الانفصال والإشارة هنا إلى إقليم كاتالونيا، الذي يطالب بالاستقلال وإنشاء دولة عاصمتها برشلونة، والثاني يشجعه في بلدان الجوار.
وسبق للطرفان أن اصطدما في ملف آخر هو ملف جزيرة ليلى المعروفة أيضا في المصادر العربية وفي التاريخ المغربي باسم (جزيرة تورة) إبان فترة الحكومة التي كان يقودها اليميني خوسي ماريا أثنار خلال العام 2002، كادت أن تنتهي بمواجهة عسكرية لولا تدخل الإدارة الأمريكية، التي أجبرت على الفور الجيش الإسباني على مغادرة الجزيرة.
واليوم أدركت السلطات الإسبانية أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن السير ضد التيار لن يجديها نفعا، وأن مصلحتها لن تكون إلا مع المغرب، وذاك لثلاث اعتبارات، الأول يتعلق بـ”ملف الهجرة، والذي يلعب فيه المغرب دورا رئيسيا، إذ يعتبر الحارس الرسمي لأوروبا في الضفة الجنوبية، الثاني وهو ملف التعاون الأمني والاستخباراتي، إذ بفضل يقظة الأجهزة الأمنية المغربية تجنبت إسبانيا حمامات دم، أما الاعتبار الثالث في العلاقات بين الرباط ومدريد يظهر من خلال حضور إسبانيا كأول شريك تجاري للمغرب”، لهذه الاعتبارات إذن ولغيرها، قررت الحكومة الإسبانية الاصطفاف إلى جانب الوحدة الترابية للمغرب.
رهان خاسر
موقف إسبانيا بخصوص قضية الوحدة الترابية للمغرب أثار حفيظة كل من الجزائر وجبهة البوليساريو، التي شنت هجوما غير مسبوق عليه، وانتقدته انتقادات لاذعة، وعبر مندوبها في إسبانيا، عبد الله عرابي، عن أسفه الشديد، لما أسماه “خضوع رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للضغط والابتزاز المغربي”، وإعلانه تأييده مبادرة الحكم الذاتي للصحراء، مؤكدا أن إسبانيا “تحاول باستمرار إرضاء المغرب”.
وأشار في مقابلة مع وكالة أوروبا بريس، إلى أن الحكومة الإسبانية “تحاول باستمرار إرضاء المغرب” منذ سنوات، وتواصل على حد تعبيره نهج سياسة “الغموض”، الذي لا يتوافق بحسبه مع مسؤوليتها في الإقليم، مبينا أن “الحل يجب أن يقوم على أساس اختيار الشعب الصحراوي” وتابع أن إسبانيا “لديها مسؤولية سياسية وقانونية محددة”، مضيفا وفقا لما جاء في المقابلة، أن ما قامت به إسبانيا “يتناقض بشكل كبير مع مسؤوليتها” على حد تعبيره.
واعتبر عرابي أن اعتراف إسبانيا بكون مقترح الحكم الذاتي باعتباره الخيار الأكثر واقعية لحل نزاع الصحراء، يبين “نفاق” الحكومة عندما تتحدث عن “الدفاع عن الشرعية الدولية”، مشيرا إلى أن مقترح الحكم الذاتي “خيار ولكنه ليس الحل”، ودافع عن استفتاء تقرير المصير.
غير أن الشيء الذي لم تعد تفهمه جبهة البوليساريو، هو أن إسبانيا وكما جاء على لسان رئيس حكومتها، بيدرو سانشيز، في الرسالة التي وجهها للملك محمد السادس، أصبحت وقبل أي وقت مضى تدرك “أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب” مشددا على أن “مبادرة الحكم الذاتي المغربية بخصوص قضية الصحراء تمثل الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”.
لقد بات واضحا ومن خلال ردود مندوب جبهة البوليساريو في إسبانيا، أن الجبهة تلقت ضربة قاضية ودخلت مرحلة اليأس، ولم يعد بمقدورها مواكبة التطورات السياسية والاقتصادية وأيضا الاجتماعية، التي عرفتها المنطقة، خاصة وأنها كانت في كل مساعيها الدبلوماسية وبدعم مباشر من الجزائر، تراهن على الدور الإسباني وتحديدا على دور حكومة الائتلاف الإسبانية التي يقودها كل من الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني بقيادة بيدرو سانشيز وحزب َبوديموس اليساري الراديكالي بزعامة بابلو إغليسياس المعروف بعدائه الشديد للمغرب، في إيجاد حل ينتصر لمواقفها وأطروحتها في أفق أنشاء الدولة المزعومة، وهو الرهان الذي سيتبين فيما بعد أنه رهان خاسر.
فاعل سياسي في المنطقة
إن ما لا يعرفه خصوم المغرب في المنطقة هو أن البلد تحول في الأعوام الأخيرة إلى فاعل سياسي حقيقي ليس فقط على مستوى المنطقة المغاربية، ولكن أيضا على مستوى المنطقة المتوسطية، إذ أصبح مستقرا سياسيا ومؤسساتيا، بعدما تمكن من تجاوز مرحلة الانتقال الديمقراطي بنجاح، ولهذه الأسباب، كانت مواقفه حاسمة وصارمة ضد أي مساس بقضاياه الوطنية ومنها القضية المتعلقة بوحدته الترابية.
ولذلك اختارت الدولة الإسبانية وبكل مكوناتها بعدما احتكمت للغة المنطق أن تصطف إلى جانب الشرعية وتتبنى الطرح المغربي في حل القضية، بل وتصف هذا الطرح بأنه طرح واقعي وقابل للتطبيق.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية، محمد بودن، إلى أن الموقف الجديد لاسبانيا من قضية الوحدة الترابية للمغرب، يمثل تطورا لافتا في واقع العلاقات الثنائية، ويشكل أيضا نصرا للدبلوماسية المغربية، مبينا في تصريح صحفي أن هذه الدبلوماسية أكدت مهارتها في إدارة العلاقات مع القوى الدولية و الإقليمية وحرصها على تحقيق أهدافها بالتوازن المطلوب بين القناعات الجوهرية و المصالح الاستراتيجية في ظل بيئة دولية متشابكة.
وأردف قائلا إن هذا الموقف الجديد هو خيار واقعي ينسجم مع حقائق الأمور، كما جاء منسجما مع قرارات مجلس الأمن و أسسها المعيارية خاصة القرار 2602، معتبرا أن الموقف الاسباني بخصوص مبادرة الحكم الذاتي يأتي كذلك في ظل الدينامية الدولية التي تؤكد مصداقية و وجاهة المبادرة المغربية وفي ظل الاتجاه الدولي المتزايد لدعم سيادة المغرب على صحرائه بالطرق الدبلوماسية والعملية والاقتصادية.
إن مجرد إلقاء نظرة خاطفة في المسار السياسي والاقتصادي للمغرب، يدرك جيدا أن المغرب قد قطع بالفعل أشواطا مهمة أهلته ليلعب أدوارا طلائعية على المستوى الإقليمي والدولي، لقد ولت تلكم الفترات التي كان فيها المغرب يخضع لسياسة الإملاءات من قبل جارته الشمالية، فالمغرب اليوم لم يعد يقبل أنصاف الحلول، أو المساومة في قضاياه الوطنية وتحديدا تلك المتعلقة بوحدته الترابية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب