د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. أتباع بنكيران وسؤال حقوق الإنسان في المغرب
الكاتب باحث وإعلامي مغربي.. خاص منصة العرب الرقمية
لم تشهد القيم الكونية لحقوق الإنسان تراجعا في المغرب مثلما شهدته مع مجيء حكومة بنكيران المثيرة للجدل، تراجع وصفه مسؤولون سياسيون ومتتبعون وحقوقيون وباحثون في المجال بالـ”ردة غير المسبوقة”، وهي ردة كانت لها انعكاسات سلبية على مستوى جميع القطاعات، ما زال الشعب المغربي يتجرع مرارتها، على الرغم من مرور أزيد من عام على السقوط المدوي لأتباع بنكيران في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، ردة هدمت كل شيء، وضربت في العمق حتى المكتسبات السياسية والحقوقية والاجتماعية التي حققها المغرب خلال الثلاثة عقود الماضية.
اقرأ أيضا: د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. كيف يواجه أتباع بنكيران منتقديهم؟
فقد تصاعدت، مع وصول أتباع بنكيران إلى الحكم، وثيرة الاحتجاجات في كل من محافظات الرباط والدار البيضاء والحسيمة وجرادة، وجوبهت جميعها بالقوة العمومية، وفتحت في حق المشاركين في هذه الاحتجاجات جلسات محاكمة مدوية.
محاكمة حراك الريف
وكان من أبرز هذه المحاكمات، محاكمة حراك الريف، فبعد أكثر من سنة على محاكمتهم، وقرابة 84 جلسة، أصدرت هيئة الحكم في ملف معتقلي حراك الريف، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء 26 حزيران (يونيو) 2018، أحكاما تراوحت بين 5 إلى 20 سنة سجنا نافذا، وكانت العقوبة القصوى في حق زعيم الحراك ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، سمير آغيد، ووسيم البوستاتي.
وبلغ مجموع الأحكام التي وزعتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمحافظة الدار البيضاء المغربية حينها، حوالي 187 سنة، أي قرابة القرنين من الزمن على معتقلي حراك الريف، أحكام رأى البعض أنها طوت ملفا من الملفات التي شغلت بال الرأي العام الوطني والدولي حول الأحداث التي اندلعت بمحافظة الحسيمة (حوالي 302 كلم شمال العاصمة الرباط)، إثر احتجاجات ذات طابع اجتماعي، تقول أدلة الإدانة إنها ستتحول فيما بعد إلى مطالب سياسية تهدد أمن واستقرار الدولة الداخلي.
وكان محتجو حراك الريف وغيرهم من المحتجين في محافظات أخرى قد خرجوا للمطالبة بحقهم في الشغل والإدماج في سلك الوظيفة العمومية والسكن والتطبيب والتعليم…، وعوض الاستجابة لهذه المطالب الاجتماعية المشروعة، فضلت حكومة الإسلاميين مواجهتها بالضرب والتنكيل والتهديد والاعتقال، ضاربة عرض الحائط بدستور 2011، الذي ينص صراحة وبشكل واضح وشفاف على أن “من حق المواطنين التظاهر بشكل سلمي وخوض الإضراب”.
ولكي تبرر هذا الفعل اللاحقوقي اتهمت هؤلاء بالتعامل مع جهات خارجية معادية للوحدة الترابية للمغرب، وأنهم مجرد عملاء مخربين وانفصاليين وما إلى ذلك، ثم عادت لتعتذر وتعترف على لسان رئيسها، خلال لقاء خاص مباشر بثته يوم السبت 1 يوليو/ تموز 2017 على القناتين الأولى والثانية، بأن موقف الأحزاب الحكومية كان خطأ لم يكن ليرتكب، مبديا أسفه الشديد لما حصل، ومشددا على ضرورة التجاوب مع مطالب سكان المنطقة في إشارة إلى منطقة الريف.
تقارير حقوقية دولية
ولهذه الأسباب ولغيرها تضع التقارير الحقوقية الدولية، المغرب في مراتب جد متدنية على المستوى الحقوقي، ومنها تقرير مؤشر حرية الصحافة، الصادر أخيرا عن منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية، الذي يصنف المغرب في مراتب متأخرة مقارنة مع بعض دول منطقة شمال إفريقيا، في إشارة إلى كون حرية الصحافة في المملكة تبدو في وضع “صعب”، وأيضا تقرير منظمة العفو الدولية حول حراك الريف، وتقرير أمريكي صادر عن وزارة الخارجية رسم صورة قاتمة عن حرية ممارسة المعتقدات الدينية بالمغرب، وتحدث عن غياب أي “تغيير من جانب الحكومة في وضعية احترام الحرية الدينية”، مشيرا إلى أنها “استمرت بشكل متقطع في فرض القيود القانونية القائمة على هذه الحرية”، على الرغم من أن عددا من العلماء والمفكرين المتنورين قد تصدوا لهذه القضية بالشرح والتحليل، وقالوا إن “العقيدة حرية وشأن إنساني خاص بين الإنسان وربه، وليس لأحد أن يكره أحدا على اعتقاد أو تغيير اعتقاده تحت أي ظرف من الظروف، وبأي نوع من أنواع الإكراه”، والإشارة هنا للعالم والفقيه التونسي محمد الطاهر بن عاشور.
انتهاكات حقوقية سافرة
فتجار الدين يعادون هذا الحق، ليس فقط لغير المسلمين بل حتى للمسلمين الذين يختلفون مع توجهاتهم الأيديولوجية ولا يخدمون أجنداتهم، وكمثال على ذلك ما وقع للمواطن اليمني حامد بن حيدرة، الذي أعدمته إحدى المحاكم اليمنية الجزائية المختصة التابعة للحوثيين في صنعاء، قبل أن تصادر أمواله وممتلكاته بسبب معتقداته الدينية البهائية، التي تختلف ومعتقدات أنصار الله، ويتضح أن أمثال تلك التنظيمات المتطرفة هي التي تعودت على حرمان المواطنين من الحقوق والحريات العامة، حيث إنها لا تحترم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، بل ولا تحترم حتى التعاليم الإسلامية التي تدعو إلى المساواة بين الناس بغض النظر عن اللون والجنس والعقيدة، وكل ما تفعل هو أن تفتعل اتهامات لا صحة لها لتبرر انتهاكاتها السافرة وغير المسؤولة لحقوق الإنسان.
وليس هذا المواطن اليمني وحده من تعرض للاضطهاد بسبب معتقده، فقد سبقه في ذلك مواطنون آخرون ينتمون إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى، لكن بصور اضطهادية مختلفة، ومن ذلك المواطن الأفغاني عبدالرحمان عبدالمنان وما أثير حول قضيته من فتاوى ظالمة، ثم جاءت قضايا حامد أبو زيد، وحسن حنفي ونوال السعداوي، وربما تأتي قضايا أخرى أخطر ما لم يتجند قادة الفكر الإسلامي المتنور لتخليص الإسلام أولا من أيدي دعاة الفكر الدموي المتطرف من المستغلين والمتاجرين بقدسيته، والحسم ثانيا في هذه القضايا وتوسيع نشر المبادئ الإسلامية العامة التي جاء بها الإسلام ومن أهمها حرية المعتقد والتعبير وحرية التدين وأن لا إكراه في الدين.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب