عبد الغني دياب يكتب.. أردوغان يدير ظهره للدبيبة
يبدو أن الأيام المقبلة ستحمل أخبارا سيئة لرئيس الحكومة الليبية المنتهية عبد الحميد الدبيبة، الذي تسلح قبل أشهر بمدافع الميليشيات وبنى عرشه على زخات الرصاص التي لم تهدأ في طرابلس منذ وصوله للسلطة، برعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا مطلع العام الماضي، فحليفه الاستراتيجي الذي راهن عليه منذ البداية تخلى عنه، وباعه في أقرب محطة نزول، خوفا من كساد اقتصادي عالمي لن يرحم أحدا، وبالتأكيد ستحصد أنقرة جزء مرير منه نتيجة لسياسات أردوغان التي اتبعها خلال السنوات الأخيرة.
أردوغان الذي كان يملأ الدنيا صراخا قبل أشهر معدودة، ويروج لخطاب عدائي ضد مصر والسعودية والإمارات، غير وجهته تماما، أدار ظهره لحلفائه القدامى وبدأ يستجدى الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، خصوصا بعدما زار الرياض قبل أيام وأدى مناسك العمرة في شهر رمضان الماضي.
قبل هذه الزيارة بأسابيع قليلة أدى الرئيس التركي مناسك أخرى في أبو ظبي ولكنها كانت مناسكا سياسية وليست دينية، حصل خلالها على منح اقتصادية وشراكات مع جهات إماراتية جعلته يعيد حساباته من جديد، ويبدو أن هذا الموقف انتقل سريعا لتحالفاته كلها في المنطقة.
التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية، وما تبعها من تغير في ملف العلاقات الدولية لأنقرة سيكون لليبيا منه نصيب في القريب العاجل، خصوصا وأن الساعات الأخيرة شهدت تغيرا حاسما في موقف أردوغان من الخلافات الدائرة في المشهد الليبي.
- اقرأ أيضا: ليبيا في أسبوع.. مجلس الأمن يمدد لبعثة ستيفاني والرئاسي يمنع تحرك الأرتال العسكرية في البلاد
الموقف التركي الأخير كشفت تفاصيله صحيفة “أفريكا إنتليجنس” الفرنسية الناطقة بالإنجليزية، إذ قالت في تقرير نشر اليوم تحت عنوان “أردوغان يفكر في التخلي عن دبيبة لباشاغا”، مؤكدة أن أنقرة لم تعد مرحبة ببقاء الدبيبة في السلطة، وأنها تميل لإنهاء الخلاف الحكومي لحالي لصالح باشاغا.
جاء ذلك بعدما زار باشاغا تركيا مؤخرا في زيارة سرية كشف عنها الموقع المقرب من دوائر الاستخبارات الفرنسية.
وقال الموقع إن باشاغا اصطحب عددا من وزرائه ومستشاره معه في هذه الزيارة، والتي يبدو أنه نجح خلالها في استمالة الجانب التركي لصالحه.
الموقف التركي لم يتغير فجأة، فيأتي عقب زيارة رسمية نفذها أردوغان إلى السعودية، ومن قبلها أبو ظبي، وفي الوقت نفسه وسط تقارب كبير مع القاهرة، خصوصا بعد أن أعلنت تركيا وقف أنشطة كافة القنوات التلفزيونية التي تبث من أراضيها، وهو شرط وضعته القاهرة قبل أشهر لاستمرار التفاوض بين البلدين.
هذا التحول يمكن قرائته بشكل واضح من تصريحات أردوغان التي قالها لوكالة رويترز قبل أن يغادر أرض الإمارات في فبراير الماضي، إذ أبدى موقفا محايدا مما يحدث في ليبيا، وهو الأمر غير المعتاد عنه إذ عرف خلال السنوات الأخيرة بتدخلاته السافرة في الشأن الليبي، حتى أن ما قدمته بلاده من دعم عسكري للمجموعات المسلحة في الغرب كان سببا رئيسا في المشهد الذي تعيشه البلاد حاليا.
عزز هذا الموقف رغبة المجتمع الدولي في قيام حكومة واحدة في البلاد لضمان عودة تدفق النفط الليبي في الأسواق الدولية بشكله المعتاد، وحتى لا تؤثر الخلافات السياسية الأخيرة بين باشاغا الذي اختاره البرلمان الليبي رئيسا للحكومة، والدبيبة المتمسك بالسلطة وسط رفض شعبي، خصوصا وأن أوروبا تبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي الذي يلوح به الرئيس فلاديمير بوتين كورقة ضغط في حربه التي لا تزال قائمة مع حلف الناتو داخل الأراضى الأوكرانية، وبالتالي لن يكون أمام أوروبا خيارا أفضل من النفط والغاز الليبي.
الموقف الأخير الذي اتخذه أردوغان مع الدبيبة، ليس جديدا عليه، فالرجل يتحرك وفق منهج براغماتي بحت، لا مكان فيه للمبادئ، فبعد أن استخدم جماعة الإخوان الإرهابية على مدار سنوات لتحقيق مكاسب على حساب الشعوب العربية وثرواتها، وجاء اليوم ليلقي بهم في أقرب سلة مهملات، خصوصا بعد ثبت له أن الرهان عليهم ومعادة الحكومات العربية التي أثبتت أنها قادرة على المواجهة، مغامرة محفوفة بالمخاطر، وأنه تسبب في كثير من الكوارث التي جناها نظام حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الأخيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي، بل وحتى الشعبي بعدما فشل في إدارة كثير من الملفات وتحولت أنقرة إلى عاصمة معزولة عن محيطها الإقليمي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب