د. حمادة شعبان يكتب.. إلا الكيان الصهيوني
الكاتب باحث متخصص في شئون التنظيمات المتطرفة.. خاصة منصة العرب الرقمية
“إن المتأمل المنصف في ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية، أو هذا الكيلَ بمكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رُغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة، وقضية واحدة هي قضية العنف والإرهاب الديني، فبينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينين الإلهين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورتهِ حتى هذه اللحظة..”.
كلمات قالها فضيلة الإمام الأكبر أ.د. “أحمد الطيب” شيخ الأزهر عام 2017، في مؤتمر الأزهر العالمي “الحرية والمواطنة … التنوع والتكامل”، أمام جمعٍ كبير من المثقفيين وعلماء الدين والسياسيين. وظننتُ حينها وأنا أسمعها لأول مرة أن ازدواجية معايير الغرب وكيله بمكياليين في القضايا المتعلقة بالشرق الإسلامي أمر لا شك فيه، وواضح بجلاء، لكنه في الوقت ذاته قاصر فقط على القضايا المتعلقة بالدين، وقلتُ في نفسي من حق كل فردٍ في هذا العالم أن يعتقد بل ويؤمن أن دينه ومعتقده هو الأصح، طالما لا يقود هذا الاعتقاد إلى الاستعلاء على الآخرين، ولا إلى التصادم معهم، ولا إلى تحقير معتقداتهم، وتشويه حضاراتهم ومنظوماتهم القيمية.
اقرأ أيضا: أحمد شعبان يكتب.. إشكالية الاختلاف 3
ولم يدر بخلدي يومًا أن هذه الازدواجية الغربية المقيتة سوف تتخطى ذلك بكثير، وسوف تتجاوز منظومة القيم الغربية ذاتها التي يتغنى بها الغرب ليل نهار وتأثر سلبًا عليها، بل تمثل هذه الازدواجية رواية مضادة تشتبك مع كل قيمة إنسانية وأخلاقية سبق وتباهى الغرب بها، وتفندها، وتُظهر ازدواجيتها وتسييسها وأنها قيمة جوفاء لا تستحق تنظيرًا أو نقاشًا حولها، بل لم يخطر بعقلي أن يمتد التأثير السلبي لازدواجية الغرب إلى هذا الحد المُنفّر والمقزز والذي جعل شباب الغرب أنفسهم ــ ناهيك عن الشباب في الشرق ــ يصمون آذانهم عن مجرد سماع اسم أي قيمة أخلاقية وإنسانية تدعي حكومات الغرب الحفاظ عليها والالتزام بها.
فحماية المدنيين والمواقع المدنية وقت الحرب واجبة بحكم القانون الدولي وبموجب اتفاقية جنيف 1949، واتفاقية لاهاي 1954، والبروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف 1977، ومن ثم فإن قتل المدنيين والاعتداء عليهم، ومهاجمة الأهداف المدنية في وقت الحرب جريمة تدينها القوانين والأعراف الدولية، لكنها يمكن التغاضي عنها في حالة واحدة، وهي إن كان الجاني هو الاحتلال الصهيوني.
كذلك تهجير المواطنين جبرًا من أماكنهم والاعتقالات التعسفية في صفوفهم خارج إطار القانون، وخصوصًا تلك التي تطال الأطفال والنساء وكبار السن، كلها جرائم مُدانة في القوانين الدولية، إلا في حالة واحدة هي إن كان الجاني هو الاحتلال الصهيوني.
كما أن قتل الصحفيين واعتقالهم ومهاجمة المكاتب والمؤسسات الإعلامية وهدمها على رؤوس من فيها جريمة ترقى إلى أن تكون جريمة حرب إلا في حالة واحدة، وهي إن كان الجاني هو الكيان الصهيوني.
ولقد كفلت المادة الثامنة عشر من اتفاقية جنيف الرابعة حماية خاصة للمستشفيات وقت الحرب، كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970 قرارًا ينص على حماية مناطق المستشفيات، وعدم السماح بالاعتداء عليها ولا على العاملين فيها، ولا على تجمعات المرضى والجرحى، واعتبار ذلك ــ إن حدث ــ جريمة حربٍ، ولكن ذلك بالطبع يمكن التغاضي عنه، بل وتزويد مرتكبيه بترسانة من الأسلحة الغربية حديثة الصنع وتقديم الدعم المعنوي لهم في حالة واحدة فقط، وهي إن كان مرتكبي هذه الجريمة عناصر من جيش الكيان الصهيوني.
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” فإن استهداف المدارس والجامعات وقصفهم يعد جريمة وانتهاكًا واضحًا للقوانين والأعراف الدولية، لكن ذلك يمكن غض الطرف عنه لو كان الجاني هو جيش الاحتلال الصهيوني المدعوم دعمًا لا محدودًا من الحكومات الغربية.
ووفقًا للقانون الدولي الإنساني يُمنع منعًا باتًا استهداف الأطفال في أثناء النزاعات المسلحة، ويجب توفير الحماية لهم في أثناء الحروب واللجوء، إلا في حالة واحدة، هي لو كان من يستهدف الأطفال هو جيش الاحتلال الصهيوني.
فهذه كلها قوانين وأعراف دولية صيغت في دول الغرب، فطبقتها على من تشاء واستثنت منها من تشاء، وهي الدول التي تحوي بداخلها الكثرة الكاثرة من المنظمات الحقوقية والإنسانية الأشهر في العالم، والمؤسسات التشريعية والبرلمانية مثل “البرلمان الأوروبي”، الذي خاض مباراة اعتزاله في 6 أكتوبر 2023 بمباراة انتقد فيها حقوق الإنسان في مصر، ثم أغلق بعدها أبوابه وأسدل ستائره وأطفأ مصابيحه وأخذ يغطُ في سباتٍ عميق منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، وكأن العالم أصبح يعيش حالة السلام التي ينشدها هذا البرلمان ويسعى إلى تحقيقها. حفظ الله بلادنا من كل سوء.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب