تقدير موقف

د. مصطفى عيد يكتب.. سياسات الولايات المتحدة الامريكية تجاه أفريقيا

راجعت الولايات المتحدة الامريكية سياستها واستراتيجيتها خاصة تجاه القارة الافريقية. والتي اوكلت معظم ملفاتها للدول الاوروبية ذات العلاقة الاستعمارية بالعديد من الدول الافريقية. ولعل اعلان الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي ومن بعده النيجر وافريقيا الوسطي، خير شاهد على عدم قدرة تلك الدول على ملء الفراغ الاستراتيجي بالقارة الافريقية من ناحية، ومن ناحية الاخرى يزداد الوجود الروسي والصيني على نحو يهدد المصالح الاستراتيجية الامريكية في القارة الافريقية وهو الامر الذي استدعى قيام مسؤولين أمريكيين كبار مثل وزير الخارجية الامريكي بلينكين، بزيارات متعددة للدول الافريقية، وعقد قمة امريكية افريقية. كما قدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن استراتيجية إدارة بايدن لأفريقيا. وتبرز استراتيجية الولايات المتحدة في أفريقيا كجهد مفصل في لحظة تعمل فيها الإدارة الامريكية على تجديد العلاقات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وهو ما أكد عليه بلينكين مرة أخرى في استراتيجية الولايات المتحدة للتجديد والتي اوضحها وزير الخارجية الأمريكي في مجلة فورين افيرز في الأول من أكتوبر 2024 وتأكيده على مساعدة الدول الافريقية على تحقيق الامن الغذائي والصحي والمساعدة في مواجهة تغير المناخ وغيره من المجالات التنموية.

سياسات الولايات المتحدة أفريقيا

أدوات الولايات المتحدة الحديثة في افريقيا

تتمتع أفريقيا بالقدرة على أن تصبح مركز التصنيع التالي في العالم. مع الارتفاع التدريجي لتكلفة العمالة في الصين، يتوقع الخبراء أن 100 مليون وظيفة كثيفة العمالة ستغادر البلاد بحلول عام 2030 – مع أفريقيا كنقطة هبوط محتملة. ويقدر معهد بروكينغز أن الإنفاق الصناعي في أفريقيا سينمو بأكثر من 50 في المائة – ليصل إلى أكثر من 660 مليار دولار بحلول عام 2030. وفي عام 2021، بدأت 54 دولة من أصل 55 دولة أفريقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية – وهي اتفاقية تجارة حرة تلغي التعريفات الجمركية على 90 في المائة من السلع، مما يتيح التدفق الحر للمواد الخام الضرورية للتصنيع لتزدهر. ومن هنا تأتي اهمية القارة السمراء والتي جعلت الولايات المتحدة تضعها في اولويات سياستها الخارجية عبر ما يلي:

أولا: اداة الوساطة والتأثير للحد من النزاعات

وأتي على راس هذه السياسة التدخل الامريكي لتقليل التوتر بين الكونغو ورواندا بشأن دعم رواندا حركة «23 مارس» المتمردة. وكذلك الدور الامريكي ( غير الناجح) في النزاع الاثيوبي الداخلي ، على الرغم مما فرضته واشنطن من ضغوط سياسية واقتصادية ودبلوماسية على إثيوبيا لوقف الصراع، شملت التحرك الدبلوماسي الأمريكي عبر الأمم المتحدة (مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان) لإدانة ما تشهده إثيوبيا من انتهاكات في تيجراي، والمطالبة بوقف القتال وبدء حوار وطني إثيوبي شامل لحل الأزمة، إلى جانب فرض قيود على منح تأشيرات دخول إلى مسئولين إثيوبيين وإريتريين متهمين بتأجيج الصراع في إثيوبيا في 24 مايو 2021، ثم اتخاذ واشنطن قرار في 3 نوفمبر 2021 باستبعاد أديس أبابا من القانون التجاري في إفريقيا (أجوا) اعتبارًا من اول يناير 2022. الا ان كل هذا لم يؤتي بنتائج ايجابية بالداخل الاثيوبي. الا انه اتي بنتائج ايجابية فيما بين اثيوبيا وارتيريا وان كان قد حدث في اجزاء كبيرة منه بجهود خليجية (اماراتية وسعودية).

ثانيا: الاهتمام بالعد التنموي

  • على سبيل المثال قامت رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانثا باور، بزيارة الصومال خلال 2021.كما ابدت الولايات المتحدة الاهتمام بالتحدي المناخي الذي تواجهه أفريقيا بطريقة تعترف بشواغل القارة وحقائقها. واعتراف الولايات المتحدة أن أفريقيا مسؤولة عن جزء صغير من الانبعاثات العالمية، وتهدف إلى تحقيق التوازن بين المناخ والأهداف الإنمائية. ومن ثم العمل عن كثب مع البلدان الأفريقية لتحديد أفضل السبل لتلبية احتياجاتها المحددة من الطاقة من خلال تقنيات مختلفة بما في ذلك “الطاقة المتجددة وكذلك البنية التحتية لتحويل الغاز إلى طاقة”.
  • طرحت الولايات المتحدة الامريكية مبادرة «ازدهار إفريقيا» التيأعلن عنها بايدن من خلال طلبه 80 مليون دولار من الكونجرس لتعزيز التجارة والاستثمار بين واشنطن وإفريقيا. كما تم تمديد قانون النمو والفرص في إفريقيا حتى عام 2025، وهو القانون الذي يمنح البلدان الإفريقية إعفاءً جمركيًا لحوالي 6500 منتج إلى الولايات المتحدة، مع منح أكثر من 50 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا إلى 43 دولة إفريقية.
  • على صعيد اخر، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول الافريقية في المجالات ذات الأولويات الاقتصادية للقارة. ودعم التعافي العادل بعد جائحة الكوفيد على المدى القصير وبناء اقتصادات أكثر استقرارا وشمولية من خلال زيادة التجارة والاستثمار وخلق فرص العمل لنحو 11 مليون شاب ينضمون إلى سوق العمل كل عام. فضلا عن تعزيز سلاسل التوريد للمعادن الحيوية مثل الكوبالت والنيكل والليثيوم، وبناء القدرات الأساسية للنظم الصحية على تصنيع وتقديم اللقاحات وغيرها من العلاجات، يستجيب للأولويات الأفريقية بشأن التصنيع القائم على المعادن وبناء نظام جديد للصحة العامة.
  • تعبئة رأس المال الخاص للعمل في افريقيا مثل ما حدث في عام 2017 عندما وافق نظام تقاعد الموظفين في سان فرانسيسكو على استثمار بقيمة 100 مليون دولار في مشاريع الطاقة في أفريقيا وغيرها من الأسواق الناشئة. والعمل على غرار هذا النموذج مرة اخرى للاستفادة من مصادر جديدة لتمويل مشاريع الهياكل الأساسية.

ثالثا: مواجهة الارهاب

ويأتي ذلك عبر تعزيز النفوذ الأمريكي العسكري بالقارة من خلال تمركز حوالي 6500 جندي أمريكي، وذلك لتدريب القوات المحلية للدول الحليفة، سعيًا للقيام بعدد من المهام الأمنية، على غرار مكافحة الإرهاب. وتعمل الولايات المتحدة وفق ما ذكره وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، “من الأفضل محاربتهم على خط العشر ياردات لديهم بدلاً من مقاتلتهم على خط العشر ياردات لدينا. ومعلوم ان القارة الافريقية تحوي عددا كبيرا من التنظيمات والكيانات الارهابية في الصومال وتشاد والنيجر والكونغو وموزمبيق نيجيريا وغيرها من الدول الافريقية.

ففي هذا السياق نشير الى ان معهد واشنطن قد ذكر انه في عام 2013، أصدرت إدارة أوباما تعليمات للبنتاغون بالتركيز على آسيا، إلا أن هجوم بنغازي وقتل السفير الامريكي، عطّل هذه الخطط. فبدلاً من نقل الجنود من أفريقيا إلى آسيا، أرسل باراك أوباما في النهاية المزيد من الموارد إلى أفريقيا أكثر مما كانت عليه قبل التحوّل إلى التركيز الجديد. ولم تكن النتيجة تحولاً نحو آسيا بل نحو أفريقيا. وفي عام 2016، دعا الرئيس أوباما إلى تبني “نظرة طويلة الأمد للتهديد الإرهابي”، والتي لا بد من أن تكون “استراتيجية ذكية قابلة للاستمرار”. وأضاف أن أساس إعداد استراتيجية مستدامة لمكافحة الإرهاب “يعتمد على إبقاء التهديد في إطاره الصحيح” وتجنب التجاوزات. كما اشارت الاستراتيجية الامريكية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي وضعها الرئيس دونالد ترامب أنه “كلما كان ذلك ممكناً، يجب على الولايات المتحدة تطوير مناهج أكثر كفاءة لتحقيق أهدافنا الأمنية، والاعتماد على حلفائنا للقضاء على الإرهابيين والإبقاء على الضغط المستمر ضدهم.” ويعني ذلك التعاون لكي تأخذ الحكومات الأجنبية زمام المبادرة حيثما كان ذلك ممكناً، والعمل مع الآخرين لكي يتمكنوا من الاضطلاع بالمسؤولية في الحرب ضد الإرهابيين.

رابعا: وضع استراتيجية للتعامل

طرحت الادارة الامريكية استراتيجية للتعامل مع افريقيا حيث تعبر الاستراتيجية عن رؤية لشراكة أمريكية أفريقية في القرن الحادي والعشرين مدفوعة بتحولات عالمية ملحوظة. أحد الدوافع هو إدراك أهمية أفريقيا للأولويات العالمية للولايات المتحدة، مثل النمو السكاني السريع في القارة، وواحدة من أكبر التكتلات التجارية في العالم، وهبات الموارد الطبيعية الكبيرة، وكتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة. وهناك مبرر آخر هو وضع الولايات المتحدة للمنافسة بين القوى العظمى والصين وروسيا على النفوذ في أفريقيا. وغالبا ما تستشهد الوثيقة ب “الأنشطة الضارة” الصينية جنبا إلى جنب مع استخدام روسيا ل “المعلومات المضللة”. لتقويض معارضة الأفارقة المبدئية لمزيد من الغزو الروسي لأوكرانيا”، في إشارة إلى موقف عدم الانحياز من قبل بعض الدول الأفريقية في الأمم المتحدة. وتتناقض هذه الأنشطة مع الوعد بمبادرات “عالية المعايير ومدفوعة بالقيم وشفافة” من قبل الولايات المتحدة والحلفاء. ويشار الى ان 18% فقط هم من صوتوا لصالح تعليق عضوية روسيا من عضوية مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وهو ما رأته واشنطن اخفاقا لسياستها في القارة الافريقية.

وختاما

  • إن إرث سياسة الولايات المتحدة في أفريقيا متقلب. طوال تاريخها، افتقرت الولايات المتحدة إلى أهداف واضحة في القارة، ونتيجة لذلك، كانت سياساتها متذبذبة في كثير من الاحيان بين الاستغلال، والإهمال، والمحاولات الفاترة للتحول الديمقراطي والمساعدة الإنسانية. في القرنين 18 و 19،جاء انخراط الولايات المتحدة مع أفريقيا بشكل أساسي من خلال تجارة الرقيق. خلال القرن التالي، أولت واشنطن القليل من الاهتمام للقارة حتى تزامن إنهاء الاستعمار مع منافسة الحرب الباردة في 1950s و1960s و1970s. وفي هذا السياق، ركزت الولايات المتحدة على جلب البلدان الأفريقية المستقلة حديثا إلى مجال نفوذها.
  • ان تحرك الولايات المتحدة الامريكية الحالي تجاه اعادة هندسة علاقاتها مع القارة الافريقية ينجم من إن تناقض أمريكا تجاه أفريقيا يضعها في وضع غير موات هناك – ويؤثر على القيادة الأمريكية في جميع أنحاء العالم. وبينما تركز واشنطن على التهديد العسكري الروسي في أوروبا الشرقية والتوسع الصيني في المحيط الهادئ، تتفوق روسيا والصين على الولايات المتحدة في أفريقيا بطرق يمكن أن تغير بشكل جذري ميزان القوى العالمي.
  • ان الولايات المتحدة تحاول اعادة هندسة العلاقات عبر استراتيجية تعمل على تحديد أهداف على مستوى القارة مع استراتيجيات إقليمية،وتوسيع الاستثمار الاقتصادي متبادل المنفعة بشكل كبير، والاستفادة من المجالات التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بميزة نسبية على منافسيها. والحقيقة انه بمقارنة هذا بما تم الاعلان عنه بالفعل نجد ان هناك فجوة. اما الحكم فسوف يرتبط باليات وادوات التنفيذ الفعلي. ولا شك ان التنافس الامريكي الصيني الروسي سيلعب دور كبير في متابعة اليات التنفيذ من قبل الادارات الامريكية.
  • ان التحديالرئيس امام الاستراتيجيات الامريكية في القارة الافريقية يمكن ايجازه فيما يلي:
    • اصرار الولايات المتحدة على فرض قيمها وبما يمثل تدخل في شئون الدول الافريقية.
    • عدم الاستقرار السياسي والامني بالقارة الافريقية.
    • افتقاد المؤسسات الامريكية المعرفة الكافية بالثقافة الافريقية رغم وجود الافريكوم والتواجد الامريكي بالقارة الافريقية.
    • التنافس الشديد بين دول كبرى عالميا واقليميا على القارة الافريقية كفناء خلفي في المواجهات والتعاون والتنافس.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى