لطالما حذرت تقارير عدد من الصحف العالمية البارزة من سرقات لأسلحة حلف الناتو، وخاصة الأميركية منها، التي أرسلت الى أوكرانيا. وقد أشارت تقارير أخرى الى نشوء سوق سوداء لهذه الأسلحة المقدرة بمليارات الدولارات، والتي ظهرت في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وأفريقيا، وخاصة لدى الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل بوكو حرام وغيرها.
حتى أن السلطات الأوكرانية اضطرت لفتح تحقيق في مارس/ آذار 2023 بعد انتشار خبر سرقة أسلحة وذخائر من مخازن الجيش الأوكراني، ولا سيما في المناطق قرب ميادين القتال مع القوات الروسية. وبينت تلك التحقيقات تورط ضباط كبار من المسؤولين عن التسليح في الجيش الأوكراني، حيث كان يجري التعتيم على السرقات عبر تسجيلها كـ”سلاح مفقود” أثناء القتال.
أسلحة الناتو في الشرق الأوسط
ومع أن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي قام بإقالة وزير دفاعه في سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب الفساد بالدرجة الأولى، وخاصة قضية أسلحة الناتو المفقودة، والتي ظهرت في السوق السوداء، إلا أنه لا يعدو كونه إجراء شكلي، يهدف الى محاولة إقناع حكومات دول حلف الناتو بجديته في مكافحة الفساد المستشري لدى سلطات بلاده، والتي تحتل مرتبة متأخرة على سلم مؤشر الفساد العالمي (عام 2021 حلت في المركز 122 من أصل 180 دولة).
وبالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى، بدأت تظهر انتقادات للرئيس الأوكراني زيلينسكي بسبب أسلحة الناتو المهربة من بلاده، والتي يتم استخدامها اليوم من قبل حماس وسائر الفصائب الفلسطينية المقاومة. ويبدو أن زيلينسكي غض الطرف عمداً عن توسع أنشطة السوق السوداء لأسلحة الناتو نحو الشرق الأوسط بقصد إلهاء إيران في الصراع الدائر حالياً، ومنعها من دعم روسيا.
بيد أن ذلك سيكون له نتائج كارثية، خاصة وأن دول الناتو، وفي طليعتها أميركا، أغدقت أوكرانيا بكم هائل من المساعدات المالية والأسلحة، بينها صواريخ جافلين وستينغر، وأحد صواريخ الأخيرة جرى استخدامه لإسقاط طائرة إسرائيلية من قبل مقاتلي حركة حماس. الأمر الذي يهدد بانفجار صراع خطير في المنطقة برمتها.
نكبة جديدة
لم يعد سراً أن الحصار الإسرائيلي لسكان القطاع البالغ عددهم الذين يفوق عددهم مليوني نسمة، وحرمانهم من وسائل الحياة الأساسية مثل الخبز والمياه والوقود، يهدف الى تهجيرهم نحو شبه جزيرة سيناء، دون أن تبالي حكومة المتطرفين في تل أبيب بما سينجم عن ذلك من كارثة إنسانية مروعة، ضاربة بعرض الحائط بكل القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
ما تفعله حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي ينطبق عليه وصف جريمة حرب. ويهدد تدفق اللاجئين نحو مصر بأزمة إنسانية كبرى. ليس ذلك فحسب، بل إن سلاح الناتو المتوافر بكثرة بين أيدي الفصائل الفلسطينية ستظهر بقوة أكثر في حال قرر الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية برية في قطاع غزة مهما كان حجمها.
وبالتالي فإننا سنكون حيال مفارقة أن صواريخ الناتو وأسلحته ستوجه الى الابنة المدللة له، بما يمثل انعكاساً مباشراً للسياسات غير الحكيمة والمتبصرة التي أتبعتها الحكومات الغربية، أكان في الدعم المالي والعسكري غير المحدود لأوكرانيا، وأيضاً في الانحياز الفاضح لحكومة اليمين الإسرائيلي والتبني الكامل للسردية الإسرائيلية المزعومة. وحتى لو تمكنت إسرائيل من تحييد حركة حماس، فمن يضمن عدم وقوع سلاح الناتو في أيدي جماعات متطرفة تستفيد من الظروف الحالية للظهور على مسرح الأحداث؟
وعليه يكتسب موقف القيادة المصرية أهمية قصوى في رفضها القبول بالضغوط الأميركية والغربية لفتح معبر رفح من أجل تدفق موجات اللاجئين بما يشكل نكبة فلسطينية جديدة، فهي تعي تماماً الأبعاد الجيوسياسية الكامنة خلف كل هذه الضغوطات المقرونة بالمجازر والمذابح الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب