الدكتورة راندة فخر الدين تكتب.. الأكراد كفاح شعب ضد محاولات طمث الهوية
زيارة الى مدينة امد – ديار بكر جنوب تركيا بدعوة كريمة من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لحضور احتفالات عيد النوروز، جاءت هذه الزيارة الخاصة بمثابة جرس انذار داخلي بضرورة اتخاذي موقف مبني على دراسة تاريخية متعمقة لتاريخ الاكراد وخاصة بعد مقابلة مميزة مع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي والعديد من عضوات الجمعيات النسائية واستيضاح للموقف التركي لإرهاب وقمع وطمس هوية الشعب الكردي، كما كانت دافع لي لتسليط الضوء عن قضية الأكراد في تركيا ومعاناتهم ضد القهر والتمييز ومحاولات النظام التركي القمعي طمس الهوية الإنسانية للأكراد، وهذا ما دفعني الى كتابة هذا البحث حول تاريخ الاكراد وعلاقاتهم بالدولة المصرية وأسباب ما يمارس عليهم من قمع منذ مئات السنين،
البداية نوروز 2022 “اليوم الجديد والحرية والنصر”:
في 21 آذار/مارس من كل عام يحتفل الأكراد في العالم كله بعيد النوروز، والذي يعدونه عيداً دينياً وثقافياً منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعاً قومياً عند الأكراد، خاصة في العصر الحديث. نوروز بات حدثاً سنوياً يؤكد من خلاله الأكراد هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا، وإيران، والعراق، وسوري، ويحتفل بهذا العيد أكثر من 300 مليون شخص حول العالم حسب منظمة اليونسكو التي أدرجت العيد في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2009.
تقول الرواية الكردية إن الشعوب الآرية (الفرس والأكراد والبشتون والطاجيك وجزء من الأوزبكيين والبلوش وغيرهم) كانت تعيش في بقعة جغرافية توالت عليها الامبراطوريات، وعانت تلك الشعوب من ظلم ملك كان يُدعى (أزدهاق أو الضحاك). كان يفتك بالشباب ويقتلهم ظلماً، حتى ثار عليه أحد الشباب، وهو كيخسرو الملقب بـ “كاوا الحداد” الذي كان حفيد دياكو، مؤسس الامبراطورية الميدية في 701 -648 قبل الميلاد، وتمكن كاوا الحداد في النهاية من قتل الملك، وخرج إلى الجبل لإرسال إشارة إلى الناس، وكانت عبارة عن شعلة من النار. ومنذ ذلك الوقت، أصبح تقليد إشعال النيران في ليلة نوروز رمزا تاريخياً يدل على “اليوم الجديد والحرية والنصر”.
كان عيد النوروز محظورا في العديد من البلدان لأسباب مختلفة منها قومية وأخرى دينية، ففي سوريا وتركيا على سبيل المثال، كان الاحتفال بنوروز ممنوعاً باعتباره عيداً قومياً كردياً يعزز من الروابط القومية الكردية ولأنه “يهدد أمن البلاد” كما كانت تدعي الحكومات سابقا، رغم ذلك كان الأكراد يقيمون الاحتفالات في ليلة نوروز بإطلاق المسيرات وإشعال النيران عند الغروب وسط إجراءات أمنية متشددة في المناطق ذات الغالبية الكردية في كل من تركيا وسوريا، رغم ما يصاحب الاحتفالات من اعتقالات للنشطاء والسياسيين والفنانين ومنظمي الحفلات ومطلقي المسيرات وحتى حاملي المشاعل.
من هم الأكراد؟
تاريخيا، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي في سهول ما بين النهرين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا. ويسكن الأكراد حاليا المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، ويختلف تعداد الأكراد باختلاف المصادر بين 25 و35 مليون نسمة، يعيش القسم الأكبر منهم في تركيا (ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالى 20% من إجمالي السكان)، ثم إيران (حوالى 6 ملايين، أقل من 10%) ثم العراق (5 إلى 6 ملايين نسمة، ما بين 15 إلى 20%) وأخيرا سورياً (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان). ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبدا دولة مستقلة، واليوم يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمجموعة مختلفة من العقائد والديانات، وإن كان أكثرهم يصنفون كمسلمين سنة، وقد زاد في العقود الأخيرة، مشاركة الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دورا هاما في الصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم “داعش”.
لماذا ليس لدى الأكراد دولة؟
في مطلع القرن العشرين، بدأ الكثير من الأكراد التفكير في تكوين دولة مستقلة، باسم “كردستان”. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
وانتهى الحالة بالأكراد كأقليات في دولهم السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين التي تلت، سحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة.
العلاقات الكردية – المصرية:
دخل الاكراد مصر مع بداية علاقات “الميتانيين” أجداد الأكراد، وبين الملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، بحسب دراسة نشرها الباحث هيثم مزاحم، في مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.
وقد انتشر الأكراد بشكل كبير في مصر بعد الفتح الإسلامي لإقليم كردستان، وأصبحوا جزءا من المجتمع الإسلامي ومكوّن أساسي للحضارة الإسلامية وتحديدا مع تولي صلاح الدين الأيوبي “الكردي الاصل”، والذي ساهم في توافد كبير للأكراد إلى مصر، كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وحتى طلبة علم في الجامع الأزهر، أيضا محمد علي باشا الكبير، أيضًا كان من أبرز الشخصيات الكردية التي أثرت في تاريخ مصر، والذي كان من أكراد ديار بكر، وفي عهده استقر عدد كبير من الأكراد في مصر وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، وكما جمع الأزهر الشريف الطلاب الراغبين في العلم من كافة أنحاء العالم، كان للطلبة الأكراد رواق خاص بهم في جامع الأزهر الشريف، وكانت له أوقاف قديمة ترجع إلى حوالي 300 سنة. حيث يضم غرفا للطعام وللنوم، إضافة إلى المكتبة، ويحصل الطلاب المقيمين فيه على الطعام والكساء من الأغنياء، ومن الأوقاف المسجلة عليه، وأسس من وقف الأميرة الكردية خاتون خان، كان من بين الأكراد الذي تولوا مناصب كبيرة في مصر محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي مديرا لمحافظة الشرقية، وتولى ابنه إسماعيل رشدي باشا مناصب عدة، حيث كان مديرًا لبعض المديريات ورئيساً لديوان الخديوي، وعلى الصعيد الأدبي برز اسم أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب الراحل محمود تيمور وابنته عائشة التيمورية، كما برز اسم الفنان رشدي أباظة الذي هو من الأسرة الأباظية التي يرجع أصلها إلى الأكراد، والتي هاجر عدد كبير من أفرادها إلى مصر أيام المماليك وكانت ولا تزال لها مكانتها في مصر، ويعيش العديد من الأكراد في مصر في محافظات عدة، ورغم اندماجهم وتعايشهم في المجتمع المصري إلا أنهم محتفظين بأصولهم.
أسّس الكرد جمعيات ثقافيةً وسياسيةً، وأصدروا جرائد كرديةً كان لها أبلغ الأثر في الحركة الثقافية الكردية، وتأتي في مقدمة هذه الجرائد جريدة “كردستان” التي بدأ صدورها في القاهرة سنة 1898، وكان رئيس تحريرها هو الأمير مقداد بك بدرخان المتحدر من كردستان الجنوبية، ولم يكن في مقدور الامير الكردي وقتها إصدار صحيفته في مدينته السليمانية ولا في أي مدينة كردية أخرى، فقد توجه الأمير الكردي إلى القاهرة المستقلة لإطلاق مشروعه الثقافي ـ السياسي الرائد باللغتين الكردية والتركية، والذي يحتفل الاكراد بذكراه كل عام مع شعور عميق بالتقدير والعرفان لمصر التي كان لها فضل في إصدار أحد أهم وثائق إثبات الهوية القومية للأمة الكردية، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يعامل الأكراد معاملة مختلفة جعلت اسمعه خالدًا لدى الأكراد كما هو لدى العرب؛ حيث اعتبر أن للأكراد حقوقاً لغوية وثقافية يتعين أن يتمتعوا بها في البلدان العربية التي هم مواطنون بها، كما أتاح ناصر للأكراد ان يطلوا على العالم من خلال محطة إذاعية هي الأولى من نوعها، في عام 1957م، كما استقبل مصطفى بارزاني، الرجل الذي أصبح لاحقا زعيما تاريخًا للأكراد، وأنشأ علاقة متواصلة معه، بل وناهض الحرب التي شنت على الاكراد، وحين هرع السفير التركي في القاهرة منذ الفجر إلى مقر عبد الناصر لتسجيل احتجاج أنقرة على بث إذاعة كردية من مصر، فقال له الرئيس المصري في هدوء “معلوماتي تفيد بأنه لا وجود للأكراد في تركيا، كما تقولون، وان هؤلاء الذين يوصفون بأنهم اكراد ما هم الا اتراك جبليون. لماذا اذًا أنتم غاضبون من اذاعة كردية؟”.
كما حافظ عبد الناصر على علاقة ودية مع الاكراد مع تفاقم صراعه مع قاسم.
ففي كتابه “كردستان والحركة القومية الكردية” الصادر 1971، يقول جلال طالباني الذي قابل عبد الناصر مرات عديدة ممثلا لبارزاني وللحزب الديمقراطي الكردستاني ان عبد الناصر كان يؤيد مطلب الاكراد بالحكم الذاتي ويعارض الحرب ضدهم.، بحسب ما نقلته الشرق الأوسط، ويضيف “خلال سنين القتال التي اعقبت الاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر ظلت حكومة الجمهورية العربية المتحدة على موقف ودي من الاكراد، فعندما تجدد القتال بين الاكراد وحكومة بغداد 1963 اعلنت القاهرة معارضتها الحرب كأسلوب لحل القضية الكردية وعارضت بشدة اشتراك ضباط اتراك وايرانيين في العمل ضد الاكراد، ودعا الرئيس ناصر الى ايقاف القتال والشروع في محادثات سلمية لحل القضية الكردية”. ؛ إذ احتضنت مصر في تلك المدة حركةً ثقافيةً وسياسيةً كرديةً معارضةً للدولة العثمانية.
الصراع الكردي التركي:
ثمة صراع متأصل بين الدولة التركية والأكراد، الذين يمثلون حوالي 15 أو 20 في المئة من السكان. فعلى مدار أجيال، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية. ونتيجة لحركات التمرد التي قام بها الاكراد في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أعاد النظام التركي توطين الكثير من الأكراد، ومنع الكثير من الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، كما تم توصيف الأكراد باسم “أتراك الجبال، وفي عام 1978.
وقد أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا، وبدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخصا وأعيد توطين مئات الآلاف، وفي تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطلب الاستقلال، وطالب بالمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي، لكنه استمر في القتال، وفي عام 2012، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سنة. وطلب من مقاتلي حزب العمال الكردستاني التراجع إلى شمالي العراق، كما نقل المحامون عن الزعيم الكردي قوله إن الأكراد لا يحتاجون إلى دولة منفصلة في ظل وجود إطار عمل يجدون فيه مكانا لهم بما يتسق مع العلاقات التاريخية التركية الكردية.
منذ عام 1974 شكلت الأزمة الكردية واحدة من أكثر أزمات تركيا بعد أن رفض الأتراك منح الأكراد شيء من حقوقهم مما دفع مجموعات كردية للمقاومة المسلحة تحت قيادة عبدالله أوجلان واستمرت الأوضاع المأزومة حتى أعلنت أنقرة عام 1984 حزب العمال الكردستاني كيانا إرهابيا كما حاولت الدولة التركية الحد من مطالب الأكراد بالمزيد من الاستقلال عن طريق قمع المتظاهرين واعتقال الزعماء السياسيين، (نظام أردوغان يتعامل مع الأكراد كإرهابيين)، ففي تركيا لن تجد حقوق للإنسان، بل تجد القمع والسجن والتعذيب وتلفيق القضايا وإهمال طبي للمساجين وتكميم للأفواه، هكذا هو المشهد في دولة أردوغان القمعية.
اين جمعيات حقوق الانسان:
والسؤال هنا أين النشطاء ومنظمات حقوق الانسان مما يحدث في تركيا من إجراءات قمعية لطمس الهوية، ضد شعب يقمع بسب مطالبته بحقه المشروع من اجل الحياة في امان وحق التحدث بلغته الكردية وحق تسمية مواليدهم بأسماء كردية وحق ممارسة طقوسه الاحتفالية دون حواجز ومركبات وطائرات عسكرية واعتقال لشيوخ وأطفال لا تتعدى أعمارهم ١٢ عامًا”.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب