رأي

رامي زهدي يكتب.. «قوة الجُزر الإفريقية: جزر القمر، الرأس الأخضر، موريشيوس، مدغشقر… جبهات دبلوماسية واقتصادية واعدة في قلب المحيطات» 

الكاتب  خبير الشؤون الإفريقية الإقتصادية والسياسية، الإستثمار والتجارة البينية بالقارة، نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات الإستراتيچية ورئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز.

رغم أن الحديث عن “قوة إفريقيا” غالبًا ما يتركز حول الدول الكبرى في القارة من حيث السكان أو الموارد أو التأثير السياسي، إلا أن الجزر الإفريقية الصغيرة التي تطل على المحيطات والبحار الإقليمية بدأت تفرض نفسها كجبهات دبلوماسية واقتصادية صاعدة، بل وشركاء إقليميين لا غنى عنهم في صراعات النفوذ الجيوسياسي وحروب الموانئ، وصناعة الفرص المستقبلية المرتبطة بالاقتصاد الأزرق والتحولات المناخية وسلاسل الإمداد.

في هذا المقال التحليلي، نستعرض الروافد الاستراتيجية الكامنة في هذه الدول الجُزُرية، وعلى رأسها جزر القمر، الرأس الأخضر، موريشيوس، ومدغشقر، مع تحليل لفرص التعاون المصري – الإفريقي معها، وتعزيز دورها كمراكز ثقل دبلوماسي واقتصادي في المعادلة القارية.

“جزر إفريقية في قلب العالم”

تقع الجزر الإفريقية على مفاصل بحرية وجيواستراتيجية مهمة:

موريشيوس شرق القارة على المحيط الهندي، على مقربة من ممرات التجارة بين آسيا وإفريقيا.

مدغشقر، رابع أكبر جزيرة في العالم، تطل على سواحل موزمبيق، ولها موقع مهم بين آسيا والجنوب الإفريقي.

جزر القمر تقع عند المدخل الشمالي لقناة موزمبيق.

الرأس الأخضر، في المحيط الأطلسي، على مفترق طرق يربط غرب إفريقيا بأوروبا والأمريكيتين.

تضاف إليهم جزر ساو تومي وبرينسيبي، سيشل، ريونيون، مايوت (بعضها تحت السيادة الفرنسية) كمواقع استراتيجية في بحر العرب والمحيط الهندي والأطلسي.

هذه الجزر لا تملك جيوشًا ضخمة ولا موارد نفطية كبيرة، لكنها تملك ما هو أهم: الموقع، الاستقرار النسبي، الاقتصاد المرن، والقدرة على توظيف السياسة البحرية في خدمة التنمية والدبلوماسية.

“موريشيوس، نموذج الدولة الجزيرة الناجحة”

تُصنف باستمرار كأعلى دولة إفريقية في مؤشر ممارسة الأعمال (Doing Business)، تحظي بنمو اقتصادي متوسط 3.5% سنويًا منذ مطلع الألفية، رغم الصدمات الخارجية، وناتج محلي إجمالي يقارب 14 مليار دولار (2023)، مع دخل فردي يناهز 10,000 دولار سنويًا، بينما تعتمد على اقتصاد متنوع مثل السياحة، التصنيع الخفيف، الخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات.

وهي، شريك مهم لمصر في الكوميسا، وأحد أبرز النماذج التي تسعى دول إفريقية أخرى لمحاكاتها.

“الرأس الأخضر، جبهة الأطلسي الهادئة”

نمو اقتصادي تجاوز 5% في 2023، مدفوعًا بتحسين البنية التحتية السياحية وتحويلات المغتربين (40% من الناتج).

يتجاوز الدخل الفردي السنوي فيها 4,000 دولار.، وتحظى بعلاقات دبلوماسية قوية مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، مع استقرار سياسي لافت.

“جزر القمر، الدولة الصغيرة صاحبة الطموح الكبير”

رغم ضعف الناتج (أقل من 2 مليار دولار)، إلا أن التحول السياسي السلمي وتوسيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية يجعلها مركزًا محوريًا للمبادرات التنموية في شرق القارة.

أكثر من 30% من الاقتصاد القمري يأتي من تحويلات المغتربين، خصوصًا من فرنسا والخليج.

“مدغشقر، كنز الزراعة والتنوع الحيوي”

بمساحة تفوق 587 ألف كم² وسكان يتجاوزون 30 مليون نسمة، تُعد الأكبر بين الجزر الإفريقية.، هي ثاني أكبر مصدر للفانيليا في العالم، وأحد أكبر منتجي الليثيوم، الكوبالت، والنيكل.

تواجه تحديات سياسية متكررة لكنها تملك إمكانات اقتصادية ضخمة في الزراعة، المعادن، والطاقة المتجددة.

“الاقتصاد الأزرق كمفتاح القوة”

هذه الدول تملك نطاقًا بحريًا شاسعًا يفوق أراضيها بأضعاف، مما يمنحها، ثروات سمكية هائلة (تُقدر بحوالي 2 مليون طن سنويًا في المحيط الهندي فقط)،وفرص استثمار في الطاقة البحرية، والتعدين في قاع البحار.

إضافة إلي مقومات لبناء موانئ لوجستية وتحويلها إلى مناطق تجارة حرة تربط القارات.

موريشيوس بدأت منذ 2020 تنفيذ خطة لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد أزرق شامل، مع استثمارات تفوق 400 مليون دولار في البنية البحرية خلال 5 سنوات.

“الجزر الإفريقية كجبهات دبلوماسية وتحالفية”

بفضل طبيعتها الصغيرة والمفتوحة، نجحت الجزر الإفريقية في لعب أدوار محورية في التحالفات المناخية، حيث تعتبر من أنشط الدول في مؤتمرات المناخ، بسبب تأثرها المباشر بارتفاع مستوى سطح البحر.

وايضا علي مستويات الأمن البحري،تأتي هذه الجزر كشريكة فاعلة في مكافحة القرصنة في القرن الإفريقي وخليج غينيا.

وفيما يتعلق بالاتفاقيات التجارية، تلعب دورًا مرنًا وموثرا في مفاوضات وتطبيقات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).

كما تحظي هذه الجزر بالدبلوماسية متعددة المسارات، فهي تحتضن مؤتمرات إقليمية وتستضيف قواعد بحرية لبعض القوى الكبرى، كفرنسا والهند والولايات المتحدة.

“الفرص المتاحة أمام مصر”

بحكم موقعها وثقلها القاري، تملك مصر فرصة استراتيجية لتعزيز علاقتها بهذه الجزر، عبر تطوير التعاون البحري والتجاري، من خلال ربط موانئها بموانئ الجزر، وتفعيل خطوط شحن وسياحة بحرية منتظمة.

والتعاون الأمني، عبر تبادل المعلومات لمكافحة التهديدات البحرية، واحتواء التسلل والهجرة غير الشرعية.

إضافة الي توسيع العمل الدبلوماسي المصري من خلال فتح قنصليات ومراكز ثقافية في مدغشقر، موريشيوس، الرأس الأخضر.

والاستثمار الزراعي والدوائي خصوصًا في مدغشقر وجزر القمر.

وكذلك برامج الأزهر والكنيسة القبطية، في اطار تعزيز القوى الناعمة المصرية في هذه الدول، خصوصًا مع وجود جاليات مسلمة ومسيحية وبيئة متسامحة.

“التحديات التي تواجه الجزر الإفريقية”

التغير المناخي، حيث ان ارتفاع مستوى البحر يهدد بقاء بعض الجزر على المدى البعيد، كذلك. الاعتماد المفرط على السياحة قد يعرضها للصدمات الاقتصادية كما حدث خلال جائحة كورونا.

وكذلك الاختراقات الجيوسياسية، فبعض القوى الكبرى تستخدمها كمواقع عسكرية أو قواعد متقدمة في التنافس العالمي.

كل هذا اضافة الي الهشاشة السياسية في بعض الجزر مثل جزر القمر أو ساو تومي.

“توصيات استراتيجية لتعظيم الدور الإفريقي للجزر”

العمل علي دعم التكامل بين الجزر والقارة عبر AfCFTA، وربما السعي نحو إنشاء “تحالف جزر إفريقيا للتنمية الزرقاء”.

تعزيز التعليم البحري والبحث العلمي في الجامعات الإفريقية والجُزُرية، وتوجيه التمويل الدولي نحو مشروعات المناخ والبنية الزرقاء في الجزر.

وكذلك دعم الدور المصري القيادي كمحور يربط بين دول القارة والجزر المحيطية.

“أنها جزر صغيرة، لكنها تمتلك أدوار كبيرة”

ليست الدول بحجمها أو كثافة سكانها فقط، بل بقدرتها على إدارة مواردها، وتوظيف موقعها، والانفتاح على محيطها. الجزر الإفريقية تمثل واجهات استراتيجية واعدة، وصوتًا متصاعدًا في المحافل الدولية، وشريكًا لا غنى عنه في صياغة مستقبل إفريقيا، خصوصًا إذا ما نجحنا كمصريين وأفارقة في إدماجها في منظوماتنا الأمنية، الاقتصادية، والثقافية.

إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة المفهوم التقليدي للمركز والهامش، فالهامش اليوم قد يتحول إلى محور، إذا ما امتلك الرؤية، والخطط، والشراكات الذكية.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى