رأي

رامي زهدي يكتب.. رسالة ثالثة إلى القادة العرب فيما بعد قمة بغداد 2025

من قلب عربي نابض بالوجع… من ضمير أمة تتآكل أطرافها، وتتجمد آمالها، وتُقبر قضاياها تباعًا…

من فوق رماد الكلمات الكثيرة التي قيلت، والوعود الكثيرة التي أُطلقت، والقرارات التي ظلت بلا ظل في الواقع…

أكتب إليكم، قادة العرب، بعد انتهاء قمتكم في بغداد، وبعد أن أسدل الستار على الكلمات، والمصافحات، والصور، والبيانات…

أكتب بعد أن عاد كل وفد إلى عاصمته، ومعه حقيبة ممتلئة بالأوراق… لا بالأفعال.

أيها القادة…

أما آن لهذا المشهد أن يتغير؟
أما آن للقمم أن تتحول إلى محطات فعل، لا محطات استهلاك سياسي؟
أما آن للبيانات أن تُترجم إلى سياسات؟
وللشعارات أن تلبس ثوب التنفيذ؟
وللصمت أن يُستبدل بالكرامة؟

نعم… شكرًا لبغداد التي جمعتكم، ولشعبها الذي احتضنكم، ولكن هل سمعتم بغداد وهي تبكي داخل أسوارها؟
هل مررتم بشوارعها الجريحة، التي تُشبه شوارع غزة، وأزقة الخرطوم، ومخيمات لبنان، وركام صنعاء، وساحات درنة؟

هل رأيتم كيف تتشابه المآسي في الوطن العربي وكأنها تُكتب بنسخة واحدة، ويتغير فقط اسم المدينة؟

يا أصحاب القرار،

من أنشاص إلى بغداد، سبعة وستون قمة، وثمانون عامًا من اللقاءات…
فهل بقيت قمة واحدة تُشبه القمم الأولى التي وُلدت من رحم الكرامة، لا من كواليس التفاهمات الهشة؟
هل بقي في جعبة القمم ما يشبه ذلك الزخم العربي العروبي النقي الذي جمعكم يومًا على قلب واحد؟

كل قمة جديدة، تُنبت أملاً جديدًا، لكنه ما يلبث أن يُذبح على أعتاب المصالح، وتحت أقدام الانتظار.

أيها القادة…

إن غزة لم تعد تحتمل، وفلسطين لم تعد تملك حتى مساحة للحزن، واليمن يأكله الجوع والخذلان، والسودان ينزف من خاصرته، وسوريا تفتّتها الأطماع، ولبنان يُصارع خنقه اليومي، وليبيا تتأرجح بين الفوضى والاستنزاف.

فماذا بقي من جسد الأمة، وماذا تنتظرون؟
هل تنتظرون أن نصحو على قمة رقم 100، وقد صارت أوطاننا ذكرى، وشعوبنا بلا بوصلة، وقضايانا مادة أرشيفية؟

يا سادة، يا أصحاب الفخامة،

قلناها في الرسالة الثانية والأولي، ونقولها اليوم في الثالثة: كونوا أمناء لا موظفين، زعماء لا مدراء أزمة، شركاء لا متفرجين.

كونوا صوت الأمة لا صدى بياناتها، كونوا في مستوى الدم المسفوح، والأرض المغتصبة، والحق المُضيّع.

لا تشتروا الوقت… اشتروا المستقبل،
لا تراهنوا على التوازنات… راهنوا على الشعوب،
لا تهربوا من المسؤولية… فالتاريخ لا يمنح العذر للغائبين.

إن القمة انتهت، ولكن السؤال لم ينتهِ:
ماذا بعد بغداد؟

هل ستكون بداية جديدة؟ أم سطرًا جديدًا في أرشيف الانتظار؟
هل ستحمل قراراتها حياةً لغزة، وسقفًا لحلم فلسطين، وممرًا لوحدة السودان، وصوتًا لحق اليمن، وكرامة لسوريا ولبنان وليبيا؟

أم ستُضاف فقط إلى سجل القمم المعلّقة بين الرجاء والخسارة؟

أيها القادة…

تذكّروا:
أنتم لا تجتمعون فقط باسم الدول، بل باسم التاريخ، وباسم الجغرافيا، وباسم الإنسان العربي الذي تعب من الموت، ومن القهر، ومن المراوغة السياسية.

تذكّروا:
أن الشعوب تحفظ من صمتكم ما لا يُنسى، وتحمل من آمالها ما لا يُقهر.

اجعلوا من مثل هذه الرسائل جرسًا لا يُكتم، ونارًا لا تُطفأ، وحرفًا لا يُمحى.

من القاهرة إلى بغداد… ومن كل قلب عربي صادق:

لن نقبل أن تظل القمم مناسبات…
نريدها قرارات، نريدها ضميرًا، نريدها بوابة نهضة لا مقبرة أحلام.

يا قادة العرب…
ارفعوا الراية… لا البيانات.
واسلكوا طريق الوحدة… لا أروقة المجاملات.
فالتاريخ يكتب الآن، لا ينتظر.

وسيسألكم الجيل القادم:
أين كنتم حين نادتكم الأمة؟

فاجعلوا جوابكم مشرفًا…
أو اصمتوا للأبد.

من القاهرة… إلى بغداد…
صوت الضمير العربي.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى