ولاء جمال تكتب.. “فعالية منقوصة” عن دور المنظمات الدولية في حروب الشرق الأوسط
تشهد الساحة العالمية عددًا كبيرًا من الصراعات المعقدة، أبرزها الحرب المندلعة في الشرق الأوسط بين إسرائيل ومجموعات المقاومة العربية، في قطاع غزة الفلسطيني ولبنان، بالإضافة إلى الحرب الروسية – الأوكرانية التي أوشكت على الدخول في عامها الثالث، وهو ما مثل تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية المعنية بفرض السلام العالمي، وفي المقدمة منها منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، إذ ظهرت هذه المنظمات عاجزة عن فرض حلول واقعية لإنهاء الحروب، لا سيما الأزمات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط.
جدير بالذكر أن ردور الفعل الدولية على العدوان الإسرائيلي على غزة قد أظهرت ازدواجية المعايير لدى دول العالم، خصوصًا الدول الغربية، ففي الوقت الذي نددت فيه كل وسائل الإعلام الغربية والدول بالهجوم الروسي على أوكرانيا وجرائم النظام الروسي فيها، لم تستطع الدول الغربية إدانة جرائم إسرائيل على فلسطين وشعبها.
– دور الأمم المتحدة في حرب غزة
ظهر الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في أزمة غزة من خلال الموقف المعلن من قبل الأمين العام للمنظمة، أنطونيو جوتيريش، الذي طالب فيه مرارًا بضرورة وقف الحرب، ودخول المساعدات إلى السكان في القطاع المحاصر، منددًا بالممارسات الإسرائيلية التي وصفت بالإبادة الجماعية، كما اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الأخرى مجموعة من القرارات الرافضة للعدوان على غزة، إلا أنها كانت كلها قرارات غير ملزمة، وهو ما مكن الاحتلال الإسرائيلي من الاستمرار في صلفه، وهجومه العدواني على المدنيين، في القطاع، وشارك في هذه الحالة، التي وفرت غطاءً دوليًا للممارسات الصهيونية، وعلى رأسها عرقلة مجلس الأمن عن اتخاذ أي قرارات تلزم إسرائيل بوقف العدوان.
مجلس الأمن وازدواجية المعايير
فهم دور الأمم المتحدة اليوم للممارسات التي تقوم بها الهيئات التابعة لها وفي مقدمتها مجلس الأمن، يغاير تمامًا الصورة التي كانت سائدة قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، ومن ثم السيطرة على الأمم المتحدة بشكلٍ كامل، وقد تكشف ذلك في كثير من الصراعات؛ وعلى رأسها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فالسمة الغالبة على الأمم المتحدة اليوم هي الشلل التام وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات حاسمة لوقف إطلاق النار، وذلك لاعتراض الولايات المتحدة وإسرائيل.
المجلس الذي كان من المفترض أن ينشر السلام في العالم ويمنع قيام الصراعات، تحول لأداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، للتغطية على ممارسات هذه القوى، وتوفير الحصانة الدولية لأي قرارات قد تهدد مصالح واشنطن وحلفائها، وهو ما ظهر جليًا خلال العام الماضي، من الاستماتة الأمريكية واستخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي قرارات أو مشروعات دولية تتقدم بها الدول الأعضاء لإنهاء المعاناة في غزة، وتحول الأمر لصراع بين روسيا وأمريكا والصين، على حساب الشعب الفلسطيني الذي يباد بشكل يومي، وهو ما يأخذنا إلى المطالب المتصاعدة بضرورة إدخال تعديلات على النظام العالمي تمكنه من القيام بدوره الإنساني والقانوني في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وبالنظر إلى كيفية عمل مجلس الأمن يتبين أن القوى الكبرى وضعت كثيراً من العراقيل لضمان حماية مصالحها، ولو على حساب الشعوب غير الممثلة في المجلس، وللتورية منحت بعض الدول عضوية منقوصة وغير دائمة، وهو ما جعل هذه العضويات بلا أي فائدة تذكر، حيث يضم 15 دولة، 5 منها هي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الأمريكية – بريطانيا – فرنسا – الصين – روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي)، التي من حقها عرقلة أي قرار بموجب حق النقض (الفيتو).
أما العشر دول المتبقية فيتم انتخابها مرة كل عامين، ويتم اتخاذ القرارات داخل مجلس الأمن بتصويت الأغلبية، أي 9 أصوات، إذا لم يستخدم أي من الأعضاء الدائمين حق النقض، ولا يستخدم حق النقض في القرارات الإجرائية؛ وهي المتعلقة بالجوانب الإدارية في المشروعات والقرارات التي ينظرها المجلس.
وتعد قرارات مجلس الأمن ملزمة للدول الأعضاء، ولكن لا يترتب عليها أي مسؤولية إذا لم يتم اعتمادها، وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
أبرز التحديات التي تواجه مجلس الأمن
لا يعاني مجلس الأمن دائمًا عراقيل تمنع إصدار قراراته، فهو يتخذ خطوات بشأن أغلب ما يتم إدراجه على جدول أعماله، ففي هذا العام مثلاً تدخل بشأن أفغانستان والسودان. أما إذا تأثرت مصالح القوى العظمى فإن حق النقض أو التهديد باستخدامه يجعل قرارات المجلس مستحيلة.
كما تظهر الشخصنة وعدم الثقة في قرارات المجلس، كما حدث في أوكرانيا، ففي الوقت الذي تسعى فيه الوفود الغربية لعقد اجتماعات حول استمرارية هذه الحرب، ترد روسيا بالمطالبة ببدء اجتماع يخص تصدير شحنات الأسلحة من الدول الغربية إلى كييف، مما يستهلك وقتًا وإهدارًا لموارد المجلس، إذ يجتمع المجلس نحو 800 مرة سنويًا.
جمعية عامة بلا صلاحيات
الجمعية العامة للمنظمة الأممية هي الأخرى ظهر أنها مجرد تجمع دولي بلا صلاحيات، ظهر ذلك في دعوة الأمين العام جوتيريش “إلى مجلس الأمن بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، فقد استجابت الجمعية العامة لها، وذلك للتعبير عن خشية انهيار كامل للنظام العام في قطاع غزة، واعتمدت الجمعية العامة القرار الذي دعا لوقف إطلاق النار على غزة، وإلى حماية المدنيين وإطلاق سراح الرهائن ووصول المساعدات، فقد لاقى القرار معارضة 10 دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بينما امتنعت 23 دولة عن التصويت، كما اعتمدت الجمعية العامة قرارًا يحق للشعب الفلسطيني تقرير مصيره بأغلبية ساحقة، حيث حصل القرار على تأييد 172 دولة، وامتنعت 10 دول عن التصويت”.
المنظمات الإغاثية وأزمة غزة
– دور المؤسسات الإغاثية: على جانب آخر، تسابقت المؤسسات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة من أجل إنقاذ المدنيين في القطاع وتوفير الاحتياجات الإنسانية لهم، كذلك لعب الصليب الأحمر دورًا حاسمًا في تسليم الرهائن الإسرائيلية الذين أطلق سراحهم من قبل “حماس”، وكذلك المعتقلين الفلسطينيين الذين تم الإفراج عنهم.
– دور المحكمـة الجنائيـة الدوليـة
تركــز المحكمــة على مقاضاة المتهمين بتهم الإبادة الجماعية وجرائـم الحـرب، وكل الأفعال الإنسانية التـي تتسـبب في معاناة أو أذى جسدي أو نفسي منذ إنشائها، ولا يعني عدم عضوية إسرائيل بها عن التنصل من قراراها، أو أنها بمعزل عنها، إذ يسمح نظام المحكمة بمقاضــاة الدول غير الأعضاء على الجرائم التي ارتكبها بحق دول أخرى.
– دور محكمـة العـدل الدوليـة: هــي الجهــاز القضائــي الرئيــسي للأمــم المتحــدة، ويتمثــل دورهــا فــي تســوية النزاعــات الدوليــة بالطــرق الســلمية، وفقــًا للقانــون
الدولــي، وكذلــك الفصــل فــي انتهــاكات قواعــد قانــون حقــوق الإنســان، وتفســير وتطويــر المســؤولية الدوليــة والحقـوق المتصلـة بهـا. وتجـدر الإشـارة إلـى أن جنـوب أفريقيـا قـد قدمـت طلبـًا للمحكمـة لإقامـة دعـوى ضـد إسـرائيل بشـأن انتهـاكات إسـرائيل والتزاماتها بموجـب اتفاقيـة منـع جريمـة الإبادة الجماعيـة والمعاقبـة عليهـا فيمـا يتعلـق بالفلسـطينيين فـي غـزة، وانضم الأردن أيضًا إليها.
احتمالات مستقبلية:
في حالة أصدر مجلس الأمن قرارًا حاسمًا بوقف إطلاق النار على غزة، فسيتم اللجوء إلى الجمعية العامة وفقًا لقرار 377 “الاتحاد من أجل السلام”، الذي مضمونه “إذا فشل مجلس الأمن في الحصول على الإجماع بين الأعضاء لإنفاذ قراره، فيمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تبحث المسألة وتصدر توصياتها”.
ثانيًا: يجب النظر الآن إلى تطور الرأي العالم العالمي، وأيضًا المحلي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، الذي بات منصبًا في مصلحة الشعب الفلسطيني بعد استمرار إسرائيل في ممارساتها العدوانية، وكذلك تغير موقف الحكومات الغربية واتجاهها لتأييد الوقف الفوري لإطلاق النار، منها بلجيكا وإسبانيا ونيوزيلندا، وكذلك فرنسا وبريطانيا، مما سيسمح للأمم المتحدة بممارسة دورها بشكل أفضل.
ثالثًا: تآكل دور الولايات المتحدة وسعيها للسيطرة العالمية، خصوصًا مع ظهور فاعلين دوليين جدد، على رأسهم الصين وروسيا، وهذا ما أكده بول كيندي، الأكاديمي البريطاني – الأمريكي، بأن هناك معضلة أمريكية تتمثل في الجانب الاقتصادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة، حيث أصبحت نفقاتها العسكرية أكبر من قدراتها الاقتصادية، وهذا ما تأكد في الحرب الروسية على أوكرانيا، وفشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة إلى الآن في غزة.
ختامًا..
مع احتدام الصراع في غزة وفتح جبهات أخرى جديدة في لبنان وإيران وتصاعد احتمالات حدوث حرب إقليمية شاملة، يطرح أمامنا تساؤل حول مدى فاعلية المنظمات والمؤسسات الدولية في إنفاذ قراراتها ولعب دور فعال في حفظ السلم والأمن الدوليين، وهو ما أنشئت بالتحديد من أجله بحسب ميثاقها منذ عام 1945، لذا يجب العمل على تفعيل دورها بشكل أكبر، وإجراء إصلاح شامل وجذري في أجهزتها، على رأسها مجلس الأمن الدولي بتوسيع عدد أعضائه والمساواة بين الدول، وإلغاء ما يسمى حق “الفيتو”، أو حتى التقليل من حدته، بما يعزز دور الأمم المتحدة في إنفاذ قراراتها الدولية، ولعب دورها الذي أنشئت من أجله بعيدًا عن هيمنة القوى العظمى، واعتبارها الأداة المحركة للدول في إنفاذ القانون الدولي، وليس العكس.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع
– “العلاقات السياسية الدولية ودور مجلس الأمن في إدارة الأزمات” – د. سعيد محمد الشواف – مركز “الأهرام للفكر والدراسات الاستراتيجية” – حرب غزة.
– مجلة “آفاق مستقبلية” – عدد 4 يناير 2024.
– “دور مجلس الأمن في تسوية النزاعات الدولية” – د. شريهان ممدوح.