د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الحصن الأخير بين التحالف والمجاملة والخيانة
الأركان الثلاثة لأي دولة، هي قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية ونظامها القضائي، هذا الثلاثي هو المنوط به حماية كيان الدولة، وصون الحقوق والحريات، بداية الألفية بدل الأعداء استراتيجية المواجهة، فتم استهداف الأجهزة الأمنية، بشيطنتها وسحب سلاحها والنيل من معنوياتها ووصفها بأجهزة القمع، وقبلها تم استهداف التنظيم الثوري، لكونه علاوة على دوره في الحماية من التنظيمات المنحرفة، يضطلع بدور فكري وتحريضي وترشيدي، ذلك الاستهداف سهل عملية تسلل جماعة الإخوان والعملاء بدعوى المصالحة والمراجعات والإدماج، لكنهم بمجرد أن أتيحت لهم الفرصة كشروا عن أنيابهم، مستغلين انتفاضة مطالبية، فعضوا اليد التي امتدت إليهم، بالاغتيال والسجن والتهجير والسلب، ثم شرعوا في تفكيك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فأنشئت ميليشيات مسلحة وجرت محاولة لإنشاء حرس وطني مؤدلج يحل بديلا عن القوات المسلحة، وتم تشكيل اللجان الأمنية لتحل محل الأجهزة الأمنية الاحترافية، مع أن قوات الجيش وأجهزة الأمن لا علاقة لها بأيديولوجية نظام الحكم، فهي أجسام احترافية، مهمتها حماية أمن الوطن وحرية المواطن.
ثورة الكرامة خربت مشروع جماعة الإخوان، وقلصت نفوذهم في شريط ساحلي صغير، لكنهم مستقوون ببيت المال، الذي اشتروا به الذمم وأغدقوا على الميليشيات، مقابل تجفيف المنابع المالية لخصومهم وأعدائهم، كانت قيادة القوات المسلحة هي الصخرة الصماء التي تحطمت عليها أطماع الزنادقة والعملاء ومافيا النهب. ففشلت كل محاولاتهم لتدجينها أو تخليها عن مشروعها، أو ثنيها عن المهمة التي تؤمن بها، المتمثلة في حماية حدود الوطن وصون سيادته واحترام إرادة مواطنيه.
الأسبوع الماضي ظهر استهداف الحصن الأخير، وهو جهاز القضاء لإدخاله في دوامة الصراعات السياسية، مما يفقده رسالته النبيلة في تحقيق العدالة بين كل الناس.
عندما يواجه الإنسان موقفا ضبابيا أو يصعب عليه تحديد بوصلة اتجاهه، فأفضل وسيلة لتحديد المواقف هي البحث عن تركيبة التحالفات، أداة تحريك المؤامرة ضد القضاء هو مفتي الإرهاب، هذه الحقيقة وفرت علينا عناء التفكير أو التردد، فقد سلط ميليشياته واقتحم مجلس القضاء، هنا من الطبيعي أن نصطف نحن ضد هذا العمل، بغض النظر عن البديل، لا يهمنا أنه مصيب أو مخطئ، أو جيد أو سيئ، فمهما كان لن يكون أسوأ من مفتي الإرهاب وميليشياته، الذي يريد أن يستكمل الحلقة الثالثة للسيطرة، فبعد احتكار الفتوى الدينية والموارد المالية اتجه إلى القضاء ليتحكم فيه ويجعله يصدر أحكاما على هواه، لتطويق الجيش بالأحكام القضائية.
لسنا في موقف التردد (مع الجيش والقضاء، أو مع مفتي الإرهاب والعملاء) قولاً واحداً، اصطفاف الوطنيين مع جيشهم وقضائهم.
هنا يظهر العنصر الثالث من المعادلة وهو (المجاملة)، عندما نوضع في موقف الاختيار بين الوطن والمجاملة، فسننحاز للوطن دون تردد، وسنضرب بالمجاملة عرض الحائط، فالمجاملة خيانة، ربما أخطأنا في ممارستنا لها طويلا مدفوعين بمراعاة شعور كتلة عاطفية مغرر بها من قبل بعض من المحسوبين علينا، في وقت هم لا ينتمون للنظام لا فكرا ولا ممارسة، ولم يتقلدوا فيه أي مواقع إدارية، المفارقة أنهم يتكئون الآن على صرح ساهموا في نخره، وينتحلون صفة نظام تخلوا عن مشروعه. وتحالفوا مع عدو تاريخي له. لم يعد خافياً تحالفهم مع جماعة الإخوان والمقاتلة ضد دعامتين لبناء الوطن (الجيش والقضاء). وإلا كيف يمكن تفسير مشاركة وزيرة العدل المحسوبة على هذا التيار في اقتحام مجلس القضاء مع ميليشيات المفتي؟ مع أنها نفس الميليشيات التي اعتدت على الوقفة التضامنية مع المختطف هانيبال. وكيف نفسر وصف كبير فريقهم السياسي القوات المسلحة بمليشيات الرجمة؟ وكيف نفسر تكرار خطاب الإخوان المحشو بالأكاذيب ليصدقها السذج ويمارس تضليل الطيبين البسطاء. رغم أنه والمقربين إليه يعيشون في أمان ويحيون حياة طبيعية في المناطق المحررة من قبل الجيش، ونتحداه أن يدخل صاحبه إلى مناطق سيطرة حلفائهم.
نحن مع مشروع وليس مع فرد أو قبيلة، وللتذكير من يحب شجرة لا يكره فروعها.
الاصطفاف الآن واضح (إما مع الجيش والوطن أو مع الإخوان والكرسي) لأن البديل عن الجيش ميليشيات المفتن، ولو أجهض مشروع الجيش سنعود أسوأ من 2012. مهما حقق هؤلاء من منافع مادية زائلة وزائفة جراء التحالف مع عصابة المقاتلة والإخوان وعائلة النهب، في شكل وظائف عامة، أو عطاءات أو اعتمادات، ومهما مكنوهم من انتحال صفات في مؤتمرات أو لقاءات ليصوروا بهم أمام العالم، فإن الوطن أكبر وهو سينتصر (وستعود ليبيا وطنا للجميع آمنا ومستقلا ومسؤولا والسيادة فيه لشعبه)، طريق النضال طويلة وشاقة ومكلفة، فلن نتوقف ولن نتراجع ولن نجامل، وحتما سينتصر الشعب.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب