د. أيمن ابراهيم الرقب يكتب.. نتنياهو وطوق النجاة
ستشهد الايام القادمة تنصيب حكومة نتنياهو التي ستكون أكثر حكومية يمينية دينية متطرفة في تاريخ دولة الاحتلال وقد تنصب الحكومة قبل أو أثناء نشر هذا المقال، فقد تم الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير و سمرويتطش ، والذب يعطي دلالات على القادم من هذه الحكومة ، لقد طلب نتنياهو من رئيس دولة الاحتلال هيرتسوغ تمديد فترة تشكيل الحكومة لمدة أسبوعين و أعطاه الاخير مدة عشرة أيام فقط تنتهي في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر الجاري و سيتم الإعلان عن الحكومة في هذا اليوم او اليوم الذي يليه ، نتنياهو احتاج هذه الفترة ليس لتشكيل الحكومة التي تم الاتفاق على تشكيلها بين ( الليكود ، الصهيونية الدينية ، شاس ، ويغودات هتوراه ) بل لتحصين هذه الحكومة من خلال اصدار قرارت من الكنيست قبل تنصيب الحكومة وهذا ما تم بالفعل فخلال العشرة أيام التي مد فيها نتنياهو فترة تشكيل الحكومة مرر من الكنيست التي أصبح يسيطر فيها على الأغلبية قانون السماح لمن أدين بملفات قضائية تولي منصب سياسي وهذا القرار أطلق عليه قرار درعي لأنه جاء من أجل فسح المجال أمام رئيس حركة شاس اريه درعي الذي حكم عليه بالحبس لمدة عامين عام ٢٠٠٠م بتهمة فساد مالي لتولي منصب سياسي هو وزير الداخلية و نائب رئيس الوزراء ، كما تم تمرير قانون السماح بوجود أكثر من وزير في وزارة الأمن ( الدفاع ) وهذا لتحقيق مطلب سمرويتطش ، وفي نفس المستوى تم تمرير قانون وزير الأمن القومي وتوسع صلاحيات هذه الوزارة التي سيتولاها اتيمار بن غفير ، كما كان من الضروري إرضاء المتدينين من خلال التصويت على قرار اعتبار سنوات التعلم في المعاهد الدينية بمثابة سنوات خدمة في جيش الاحتلال ، و اخيرا تمرير قانون يحمي نتنياهو من اي مطاردة قضائية من خلال قانون يمنع المساءلة القانونية لكل من يشغل منصبا سياسيا .
من المتوقع أن نشهد بعد تولي هذه الحكومة المتطرفة تصعيداً ضد الشعب الفلسطيني ، حيث أن خطة بن غفير كوزيرا للامن القومي ستركز على عملية التهويد في مدينة القدس و طرد الفلسطينيين من المنطقة الممتدة من القدس الغربية حتى خائط البراق وباب المغاربة مما يعني طرد مالا يقل عن مائة ألف فلسطيني من مدينة القدس و الازاحة ستكون تجاه أراضي الضفة الغربية و المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا بالتأكيد سيرفضه الفلسطينيون وسيفجر الصراع بشكل كبير لن يتحمله بن غفير ولا حتى نتنياهو نفسه ، كما أن هذا السلوك العدواني من قبل بن غفير. والإصرار على اقتحام المسجد الأقصى و بناء كنس يهودي في باحات المسجد الأقصى بحماية الأجهزة الشرطية الاسرائيلية التي ستكون تحت إمرة بن غفير سيمثل حرجا للمملكة الأردنية الهاشمية التي تشرف وتدير المقدسات في مدينة القدس وقد يدفعها ذلك للتحلل من اتفاق السلام بين المملكة و الاحتلال الإسرائيلي.
كما أن اتفاق نتنياهو و سمرويتطش لا يقل خطورة عن خطة بن غفير حيث ينص الاتفاق على تقويض السلطة الفلسطينية و بناء و توسيع المستوطنات و ضم جزء من أراضي الضفة الغربية ، وهذا الاتفاق دفع وزير الخارجية الامريكي للاعلان عن رفض الولايات المتحدة الأمريكية لان بناء وتوسع استيطاني أو اي تغيير على الأرض و التأكيد على حل الدولتين .
وفي نفس السياق كتب المحلل السياسي الصهيوني الأمريكي توماس فريدمان مقالا نشره عبر صفحات نيويورك تايمز في السابع عشر من هذا الشهر يتحدث فيه إن حكومة نتنياهو القادمة ستنهي حل الدولتين بشكل كامل وتؤسس لفوضى عارمة في المنطقة قاطبة وهو يحذر من ذلك عبر سطور مقاله ويطالب جميع الأطراف بضبط النفس .
وتحسبا لسلوك الحكومة القادمة عقدت الأجهزة الأمنية الاسرائيلية عدة جلسات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية برعاية أمريكية خلال الأيام الماضية للتأكيد على أهمية استمرار التنسيق الأمني ، ورفض أي تأثير سياسي على هذه العلاقة ، وهذا ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤكد على أنه سيتعامل مع الحكومة الإسرائيلية القادمة نتيجة الواقع القائم وسيكون رد الفعل الفلسطيني بناء على الإجراءات الاسرائيلية القادمة .
وقد بات واضحا من بعض التصريحات من قادة جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية أن الجيش الاسرائيلي والشرطة الاسرائيلية ترفض هذه الاتفاقيات لأنها تقوض وجود جيش الاحتلال داخل الضفة الغربية ، وسيفتح المجال لتشكيل قوى عسكرية من المستوطنين الذين سيشتبكون مباشرة مع الفلسطينيين كما حدث في الخليل ونابلس خلال الأيام الماضية و هذا سيحرج الجيش الاسرائيلي الذي سيحتاج لقوة كثيرة لحماية هؤلاء المستوطنين من ردة الفعل الفلسطينية خاصة أنهم يدركون جبن هؤلاء المستوطنين ، كما ان خطة بن غفير و سمروتيطش ستلغي بالتدريج الإدارة المدنية التي تشرف على التواصل المدني مع الجانب الفلسطيني ، وهذا سيفرض على جيش الاحتلال مهام جديدة للتعامل مباشرة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية ، خاصة أن جيش الاحتلال يدرك أن أي سلوك المستوطنين سيدفع لردات فعل فلسطينية لن تكون بسيطة خاصة أن المدن الفلسطينية متداخلة حدوديا مع المدن الاسرائيلية ومهما كانت الاحتياطات الأمنية لن يكون الأمر سهلا .
كما أن سلوك هؤلاء المتطرفين سيدفع تجاه تفجير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية التي ستلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط والعالم قاطبة ، فالدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع الاحتلال ستجد حرجا في استمرار أي اتفاق مع حكومة يهتف اعضائها في الشوارع الموت للعرب ويعتدون بشكل همجي على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية و قد تتحلل دول كثيرا من هذه الاتفاقيات ، وهذا التغير سيوقف مشروع الابراهيمية التي خططت له الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت في تنفيذه في عهد ترامب ورحب به الرئيس الأمريكي بايدن وتمنى أن تكتمل الفكرة في المنطقة لضمان جلب استقرار ديني في المنطقة وهذه الخطة ستنهار كليا .
اللاعبين الدوليين وخاصة في أوروبا سيجدون حرجا في استمرار الدعم لهذه الحكومة المتطرفة وقد يتم تجميد الكثير من الاتفاقيات بشكل مؤقت .
نتنياهو رغم كل المطالبات الأمريكية والأوروبية بعدم الرضوخ لمطالب حزب الصهيونية الدينية وتشكيل حكومة أوسع بعيدا عن هذا الحزب المتطرف تجاهل كل ذلك لأن هدفه تأمين طوق نجاة له اولا ولحلفاءه ثانيا ثم ترويض هؤلاء تدريجيا من خلال اقحامهم في العمل الميداني والذي سيدفعهم لتغيير مواقفهم بشكل متدرج كما يعتقد .
في الخلاصة فإننا سنجد حكومة اسرائيلية يمينية ثيوقراطية ستدفع لتفجير صراعات داخلية داخل دولة الاحتلال وصراعات خارجية مع الشعب الفلسطيني ودول عربية ودولية ولم تجلب سوى المزيد من الفشل كما فشل كل المتطرفين في العالم ، ونحن واثقون من صلابة وقوة شعبنا رغم انقسام الساسة الفلسطينيين والرهان على شعبنا الفلسطيني.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب