حصاد ليبيا في 2023.. العام يغادر بلا توافقٍ على الانتخابات.. والخلاف سيد الموقف
كارثة درنة لا تزال عالقةً في الأذهان والضحايا بلا تعويضاتٍ كافية
مرَّ المجتمع الليبي بأزماتٍ متعددة خلال العام الجاري، فعلى الرغم من إصدار مجلس النواب الليبي قوانين الانتخابات وإرسالها إلى المفوضية العليا للانتخابات، إلا أن الجهات الفاعلة في المشهد لا تزال مختلفةً حول الإجراء الذي يُفترض اتخاذه لإنهاء الأزمة، فما بين فريقٍ يرى ضرورة تشكيل حكومةٍ موحدة والذهاب سريعاً نحو الانتخابات، لا يزال فريقٌ آخر متمسكاً بوضع دستورٍ للبلاد أولاً، وفريقٌ ثالث يرى ضرورة تعديل قوانين الانتخابات أولاً.
مدير الاستخبارات الأمريكية يزور ليبيا
في مطلع العام، وتحديداً في 12 يناير، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، وصول مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، (وليام بيرنز)، إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث التقى رئيس الحكومة الوطنية (عبدالحميد الدبيبة)، الذي أكد من جهته أن الهدف من هذا اللقاء هو دعم استقرار ليبيا من أجل الوصول للانتخابات، وفي اليوم نفسه اجتمع بيرنز بالمشير (خليفة حفتر) في بنغازي شرق البلد. وتعتبر هذه الزيارة الأولى لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى ليبيا منذ توليه هذا المنصب في مارس 2021.
باتيلي يبدأ أعماله في ليبيا
انفتح عام 2023 على موجةٍ تفاؤلٍ واسعة بين عموم الليبيين، بعد تعيين السنغالي عبد الله باتيلي مبعوثاً أممياً في البلاد، حيث بدأ في مطلع العام الجاري مباحثاته مع الأطراف السياسية في البلاد، لوضع تصورٍ مشترك للخروج من الأزمة.
بعد مرور شهرين ونصف الشهر على تسلمه مهامه، انتهى باتيلي في أول إحاطةٍ له أمام مجلس الأمن الدولي في 27 فبراير 2023 إلى أن «النخبة السياسية في ليبيا تعيش أزمةً شرعيةً حقيقية»، وأنه «إلى اليوم لم ينجح مجلسا النواب و(الدولة)، في التوافق حول القوانين اللازمة».
لجنة 6+6
في هذه الأثناء أطلق باتيلي مبادرةً تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات خلال عام 2023، من خلال تشكيل لجنةٍ «رفيعة المستوى»، لكن «النواب» و«الدولة» رفضا هذا التوجه، وسارعا إلى تشكيل ما عُرف بلجنة «6 زائد 6» المشتركة.
وبعد لقاءاتٍ ومداولات احتضنها المغرب، توصّلت اللجنة إلى مخرجاتٍ بشأن قانونَي الانتخابات، وبعد أن تسلمها مجلس النواب أجرى تعديلاتٍ عليها، غير أنها قوبلت باعتراضٍ من «الأعلى للدولة»، الذي تمسك بما انتهت إليه اللجنة بمدينة بوزنيقة المغربية. وعليه لا تزال ليبيا – حتى الآن – رهن سجالات المجلسين، لتدخل البلاد عاماً جديداً محمّلةً بملفات الماضي وتعقيداته، فضلاً عن أحلامه المُجهضة.
البرلمان يوقف حكومة باشاغا
وصوَّت مجلس النواب الليبي يوم 16 مايو بالغالبية على إيقاف رئيس الحكومة (فتحي باشاغا)، وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية (أسامة حماد) بتسيير مهام رئاسة الحكومة، إضافةً إلى وزارة المالية، وذلك بعد أن فشل باشاغا أكثر من مرة في دخول طرابلس، بسبب تصدى الميلشيات المسلحة له، ورفضه اندلاع حربٍ جديدة بين الشرق والغرب.
لقاء التطبيع في روما
وفي 27 أغسطس الماضي، تم الكشف عن لقاءٍ جمع وزير الخارجية للكيان الإسرائيلي إيلي كوهين، مع وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، في العاصمة الإيطالية روما، بهدف “دراسة إمكانات التعاون وبناء علاقاتٍ بين البلدين، والحفاظ على التراث اليهودي الليبي”، بحسب وسائل إعلامٍ محلية.
وخرجت احتجاجاتٌ شعبية في عديدٍ من المدن الليبية مطالبةً بإسقاط حكومة الدبيبة، الذي سارع بدوره يوم 28 أغسطس إلى الإعلان عن إقالة وزيرة خارجيته وإحالتها للتحقيق.
عاصفة (دانيال) كارثةٌ في درنة
استفاق العالم يوم 10 سبتمبر الماضي على الكارثة التي سببتها العاصفة (دانيال)، التي ضربت مناطق في إقليم البحر المتوسط، إلا أن واقعها كان قاسياً في كلٍ من درنة وشحات والبيضاء شرق ليبيا، التي خلفت آلاف الضحايا، ودمرت منازل وممتلكات ومنشآت عدة.
وكشف متخصصون في المجال البيئي أن “الكارثة التي حلت بدرنة، تسهم فيها بنسبة 50% تقريباً البنية المتهالكة لسدود المدينة، بحيث لم تتم صيانتها منذ 50 عاماً، إذ سبق وشهدت المدينة فيضانات في أعوام 1941 و1956 و1959، مما تطلب تشييد سدين هما سد (البلاد) وسد (منصور) جنوب مدينة درنة عام 1977، واللذين تسببا في الكارثة الحالية بسبب عدم صيانتهما منذ إنشائهما، على الرغم من التسريبات الحاصلة فيهما، التي تسببت في فيضانات عامي 1982 و1986، إضافةً إلى تسريبٍ مائي عام 2011”.
القوانين الانتخابية
وفي الرابع من أكتوبر الماضي، أصدر مجلس النواب الليبي قوانين تتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما أعلن المجلس الأعلى للدولة تمسكه بمخرجات لجنة “6+6” الموقعة في مدينة بوزنيقة المغربية.
وتتمحور النقاط الخلافية بين المجلسين حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، إذ يصرُّ مجلس الدولة وبعض الأحزاب السياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، بينما يتمسك مجلس النواب بالسماح بذلك.
وفي الثاني من نوفمبر الماضي، أعلن مجلس النواب نشر قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الصحيفة الرسمية، على الرغم من اعتراض المجلس الأعلى للدولة والبعثة الأممية. وبحسب الصحيفة الرسمية، تضمنت القوانين الانتخابية قانون انتخاب مجلس الأمة بغرفتيه: مجلسا النواب والشيوخ، بحيث تجرى انتخابات مجلس الشيوخ تزامناً مع الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، فيما تجرى انتخابات مجلس النواب تزامناً مع الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. ونص القانون على أن تُعلن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ عند إعلان نتائج انتخابات الرئاسة ومجلس النواب، وأنه في حال تعذرت انتخابات الرئاسة، تُلغى انتخابات الأمة. وتتكون الانتخابات الرئاسية من جولتين، يتأهل في الأولى الفائزان الأول والثاني للجولة التالية، بغض النظر عن النسبة التي حصل عليها كل منهما.
الانسداد السياسي
وفي سياقٍ متصل أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي بداية نوفمبر الماضي، عن مبادرةٍ خماسية لمعالجة الخلافات السياسية، بغية تسهيل الطريق أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلد، التي تعطل الذهاب نحوها هذا العام أيضاً، بسبب استمرار الخلافات حول القوانين الانتخابية بين مجلسي النواب والدولة.
وتضم مبادرة باتيلي الخماسية ممثلين عن المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والأعلى للدولة، وحكومة الوحدة الوطنية، والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي في شرق البلاد.
ولاقت المبادرة تجاوباً من قِبل حكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة غرب البلد، في حين رفض مجلس النواب دعوة باتيلي معتبراً أن تغييب حكومة أسامة حماد، المكلفة من قِبله، ضربٌ لشرعيته، مشترطاً عدم حضور حكومة الدبيبة باعتبارها منتهية الولاية.
حكومةٌ جديدة
وفي 28 نوفمبر الماضي، أكد رئيس المجلس النواب عقيلة صالح أن مجلس النواب قام بما هو مطلوبٌ منه بحسب اختصاصاته، وأن القوانين المنجزة من لجنة (6+6) تمثل أساساً صحيحاً لإنجاز الاستحقاق الانتخابي، الذي لن يتحقق إلا عبر تشكيل حكومةٍ جديدة موحدة مهمتها تحقيق رغبة الشعب الليبي في الوصول إلى الانتخابات.
العسكريون والسياسيون
وبموازاة مناكفات السياسيين، قطع المسار العسكري في ليبيا، ممثلاً في اللجنة المشتركة «5 + 5»، خطوةً على طريق العمل على تأمين الحدود، وتثبيت «هدنة وقف إطلاق النار»، والاستعداد لدعم العملية السياسية التي تنتهي بعقد الانتخابات.
ولم تمر اجتماعات القادة العسكريين الممثلين لجبهتَي شرق ليبيا وغربها من دون إشادات باتيلي، الذي أعيته «ألاعيب السياسيين»، إذا قال: «هؤلاء الرجال الذين يرتدون الزي العسكري، يقومون بدورٍ بطولي، ولو توفر لدى السياسيين مثل هذا العزم، والالتزام والحسم في اتخاذ القرارات، فسوف تنتهي أزمة ليبيا».
وإذا كان البعض يرى أن عام 2023 انقضى دون إحداث اختراقٍ حقيقي لجهة توحيد مؤسسات الدولة، ومن بينها الجيش المنقسم بين شرق البلاد وغربها، فإن هناك آخرين يعدّون الاجتماعات النادرة التي يعقدها قادة المؤسسة العسكرية في طرابلس وسرت وبنغازي، «نجاحاً، قد يسفر في قادم الأيام عن التئام المؤسسة العسكرية».
وسبق للبعثة الأممية تيسير اجتماعٍ ببنغازي في بدايات فبراير 2023، ضم رئيس الأركان العامة بالمنطقة الغربية الفريق محمد الحداد، ونظيره رئيس الأركان العامة لـ«الجيش الوطني»، الفريق عبد الرازق الناظوري.
وبعد شهرين تكررت مباحثات «الحداد – الناظوري» في بنغازي، وهو الاجتماع الذي عدّه مراقبون تقارباً مهماً لاستكمال المناقشات بشأن ملف توحيد المؤسسة التي تعاني الانقسام منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.
ومهّد لهذين الاجتماعين، لقاءان سابقان لقياداتٍ عسكرية رفيعة احتضنتهما العاصمة طرابلس، ومدينة سرت، لكن بدا أن «حروب» القادة السياسيين ألقت بظلالها على المسار العسكري هو الآخر، بالنظر إلى أن اجتماعات قادته لم تترجم إلى خطواتٍ ملموسة على الأرض مع قرب نهاية العام.
غير أن أحد مشايخ ليبيا المهتمين بالمصالحة الوطنية، يقلل من وقع ذلك، معتقداً في حديث إلى «الشرق الأوسط» بأن عام 2024 «ربما يمثل انفراجةً» لبلده، الذي قال إنه «يسير نحو الأفضل، باستثناء توجهات بعض ساسته المتصارعين على كراسي السلطة، الذين بددوا أحلام الشعب، وثرواته».
الخمسة الكبار
وأمام تمسك كلٌّ من مجلسي النواب و«الدولة» بما يريانه صواباً لجهة إعداد قانونَي الانتخابات، اضطر باتيلي إلى تفعيل مبادرته المُعطلة، بدعوة «الخمسة الكبار» في ليبيا للمشاركة في اجتماعٍ يهدف إلى مناقشة القضايا الخلافية المرتبطة بقانونَي الاستحقاق.
ولم يتحدد موعد الاجتماع الذي دعا إليه المبعوث الأممي، المدعوم دولياً، لكن الدعوة وُجهت إلى «الخمسة الكبار»، وهم: حفتر، وصالح، بالإضافة إلى المنفي والدبيبة، إلى جانب رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، بالإضافة إلى باتيلي.
وإذ يوشك العام أن ينتهي بما بدأ به… فصراع النفوذ مستعرٌ، والتنازع على كرسي السلطة قائم، وسط رهانٍ على أن يطوي النسيان كارثة إعصار درنة التي خلفت آلاف القتلى والمفقودين، وفق ما يراه محللون.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب