رأي

 الدكتورة هويدا عزت تكتب.. إرث أكتوبر 1973: الانتصار بالإدارة الفعالة والعمل الجماعي

الكاتبة باحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة

تُمثل حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول في تاريخ مصر والمنطقة العربية بأكملها، فقد تمكنت القوات المسلحة المصرية، بقيادة القائد العسكري محمد أنور السادات، من تحقيق نصر عسكري إستراتيجي مفاجئ على القوات الإسرائيلية، مُعيدة بذلك الكرامة والأمل إلى قلوب المصريين والعرب.

لم تكن حرب أكتوبر مجرد انتصار عسكري، بل كانت ثورة على المستوى النفسي والمعنوي، فقد أثبتت قدرة الإرادة، والعزيمة على تغيير مجرى التاريخ، لقد حطمت هذه الحرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأعادت الثقة إلى نفوس العرب، وفتحت آفاقًا جديدة للتعاون العربي، ففي خضم المعركة، ظهرت أروع صور التضحية والفداء، حيث قدم الآلاف أرواحهم فداء للوطن، وكتبوا بأحرف من نور أسماءهم في سجل الخالدين.

كان النجاح الذي تحقق في حرب أكتوبر نتيجة لتضافر جهود العديد من العوامل، ولكن من أهم هذه العوامل هو الإدارة الفعالة والعمل الجماعي المُتماسك، والقيادة الحكيمة، فضلًا عن الرؤية الإستراتيجية، حيث قال الرئيس السادات: “عندما قررنا الحرب، كنا على يقين بأننا نقاتل من أجل وجودنا، ومن أجل كرامة أمتنا”، بهذه الكلمات الحاسمة، أعلن الرئيس السادات عن بدء حرب أكتوبر، لقد كانت قرارًا جريئًا، ولكن الإيمان بالنصر كان حاضرًا في قلوب المصريين جميعًا.

وتم وضع خُطة حربية مُحكمة، مُعتمدة على عنصر المفاجأة والتضليل الإستراتيجي، كما تم تشكيل قيادة عسكرية مُتكاملة، وتحديد توقيت الهجوم بدقة مُتناهية، وبهذه الخُطة الإستراتيجية الدقيقة والتنسيق المحكم، تم وضع خُطط عملياتية مُفصلة لكل فرع من القوات المسلحة، مع مُراعاة التكامل بين الأسلحة المختلفة، والتنسيق بين مختلف الأجهزة الحكومية، والمؤسسات المدنية لدعم الجبهة.

وهنا يظهر أهمية العمل الجماعي ودوره الحاسم والهام في تحقيق النصر فقد استنفرت جميع الأجهزة الوطنية، بدءًا بالدور الحاسم للاستخبارات المصرية في جمع المعلومات عن القوات الإسرائيلية، وتحديد نقاط الضعف، كما ظهر تفوق سلاح الجو المصري في تدمير الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وتوفير الدعم الجوي للقوات البرية، وكيف تغلب على التفوق الجوي الإسرائيلي، كما كان لسلاح المشاة المصري، دور بطولي وكيف تمكن من عبور قناة السويس، والتصدي للهجمات المضادة الإسرائيلية، وتحقيق الانتصارات الميدانية.

ولم يتوقف الأمر على العمل الجماعي المتكامل، فكان للبناء المعنوي والتعبئة الشاملة دور هام أيضًا في تحقيق النصر، حيث تم رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة والشعب المصري، من خلال خطابات الرئيس الحماسية، وتأكيده على الثقة في النصر، وتعبئة كل طاقات الشعب المصري لدعم الجبهة، سواء من خلال التبرعات بالمال والدم، أو من خلال العمل التطوعي، كما لعبت المرأة دورًا هامًا في دعم الجبهة، سواء من خلال العمل التطوعي أو المشاركة في الإنتاج الحربي، هذا فضلًا عن الروح القتالية العالية والتضحية، حيث أظهر الجنود المصريون روحًا قتالية عالية وتضحيات جسامًا، دفاعًا عن وطنهم وكرامتهم، وتميزوا بالانضباط العسكري والالتزام بالأوامر، مما ساهم في تحقيق النصر.

العمل الجماعي المتكامل بين جميع الأجهزة المعنية، ورفع الروح المعنوية واتحاد الشعب مع بعضه في ملحمة وطنية سطرها التاريخ، وشهد لها العالم، ساهم في تحقيق النصر، وهذا ما أكده الرئيس السادات بقوله: “لقد أثبتنا للعالم أننا عندما نتحد، نكون قوة لا تقهر”.

أعاد انتصار أكتوبر الكرامة إلى الشعب المصري، وأثبت للعالم قدرة العرب على تحقيق الانتصار، وفرض الانتصار المصري احترامًا جديدًا لمصر في المنطقة والعالم، وأضعف شوكة إسرائيل، وفتح الباب أمام عملية السلام. مهد انتصار أكتوبر الطريق أمام عملية السلام، التي توجت باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979.

إن انتصار أكتوبر يُمثل ملحمة بطولية في تاريخ مصر، وهو شاهد على قدرة الإدارة الفعالة والعمل الجماعي على تحقيق المعجزات، حيث أصبحت حرب أكتوبر جزءًا لا يتجزأ من الوعي الوطني المصري، وستظل محفورة في ذاكرة الأمة العربية، ومصدر فخر واعتزاز لكل عربي، ألهمت العديد من الأعمال الفنية والأدبية، وستظل دروس هذا الانتصار مصدر إلهام للأجيال القادمة، وتدعونا إلى الاستمرار في البناء والتقدم، وتحقيق المزيد من الإنجازات.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى