د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الرئاسي ومافيا النهب في سلة واحدة
البعض يقيمون الأحداث الظرفية الآنية، دون أن يربطوا السلوك الحالي، والمواقف الحالية بالتاريخ السياسي والمهني والأيديولوجي للمشاركين في صناعة تلك الأحداث.
وحيث إن الرئاسي الحالي تم تكليفه بثلاث مهام، اثنتان منها تمسان مباشرة الأزمة السياسية في ليبيا، وهما توحيد المؤسسات، وإجراء المصالحة، وبنظرة للواقع نستنتج أن نتيجة جهوده في توحيد المؤسسات مضروبة في صفر، فالمصرف المركزي استمر تحت هيمنة جماعة الإخوان، وشريك في النهب وتجويع الليبيين، كما خلق الرئاسي جيشا شكليا خاضعا للميليشيات، في وقت استعدى الجيش المحترف الذي حرر ثلاثة أرباع ليبيا من الإرهاب وسطوة الميليشيات، ولم يخط خطوة واحدة لتوحيد القوات المسلحة، ولم يجرؤ حتى على مجرد إجراء مكالمة هاتفية علنية مع المشير خليفة، لأنه لو فعل ذلك، لتعرض للعقوبة من آسريه ميليشيا بوراس سابقا أو ميليشيا الردع حالياً، ولولا الجهود الذاتية لأبناء القوات في لجنة 5+5 لفقدنا الأمل في توحيد المؤسسة العسكرية، ونتطلع لالتحام جناحها الغربي معها لمواجهة أعداء الوطن.
أما مهمة المصالحة فقد أصبحت مصدرا للنهب وبإجراءات للعبث، وهي تسير وفق شروط التنظيمات الإسلاموية لدرجة اعتراض الصلابي على الشخصية البسيطة التي وقع عليها الاختيار من قبل الرئاسي لتساهم في هيئة المصالحة.
أما المهمة الثالثة فيشتبه ببيع مواقع كبار الموظفين في السلك الدبلوماسي والأمن الذين تم منحه الصلاحيات بتعيينهم، وأبرز مثال لكونه (رئيسا منزوع الدسم) أنه طالب أمريكا بإرجاع أبو عجيلة، في وقت حكومته هي التي خطفته وسلمته؟ فلماذا لم يمنع ذلك قبل حدوثه؟ أما مخطط الكوني لتوطين الملايين في الجنوب فيظهر أنه أمر خارج نطاق اهتمامه!!
هذه حوصلة لإنجازات الرئاسي في المهام المكلف بها، بل زاد عليها شبهات فساد بشتى أنواعه، بقصص في فلل النوفليين تتقاذفها الألسن وتتلقفها الآذان.
ومع هذا الفشل الذريع، يتم السعي لأن يكلف الرئاسي بتشكيل حكومة جديدة، أو يتولى مهام التشريع، فجرت محاولات فاشلة، وما زالت لإسقاط مجلس النواب، باستخدام المال الفاسد، لتوظيف وجوه باهتة، ورموز محروقة من نفعيين وجهلاء وبسطاء، ولكن الليبيين أدركوا أن الهدف ليس إسقاط مجلس النواب، بل النيل من القوات المسلحة بتغيير قيادتها، وتنصيب ميليشياوي إرهابي على رأسها، فأسقطوا المؤامرة على قواتهم المسلحة، مهما حاولوا تزويق الرئاسي أو إنعاشه فإنه ميت سريرياً، ولا يؤمل منه تقديم أي شي إيجابي ومفيد للشعب الليبي، وذلك لأسباب منطقية وتاريخية.
ولكي نستشرف النتيجة المستقبلية علينا إجراء طلة على ماضيه.
رئيسه ابن شخصية محترمة، وذات سمعة طيبة، ومن قبيلة عريقة، يكفيها فخرا وشرفاً أنها أنجبت شيخ الشهداء، لكنه للأسف أساء إليها، وزرع الفتنة بين أبنائها، وامتد إيذاؤه إلى ليبيا عموما وبرقة خصوصاً.
أثناء الزيارة التاريخية لفرنسا عام 2007 كان يشغل موقع أمين فرع فرنسا للاتحاد العام لطلبة الجماهيرية، ثم ترشح للمؤتمر الوطني عن الدائرة الأولى بطبرق، وتقديراً للصيت الطيب للمرحوم والده، فاز بأصوات قليلة مثل غيره من الفائزين بفعل العزوف الشعبي عن العملية الانتخابية. وعندما انقسم المؤتمر الوطني إلى كتلتين إحداهما كتلة ال94 ذات التوجه الوطني تقودها عناصر وطنية، انضم صاحبنا إلى الكتلة الأخرى كتلة الوفاء لدماء الشهداء برئاسة القاعدي بالوهاب قايد شقيق الزنديق أو أبو أنس الليبي القيادي في تنظيم بن لادن. ثم ترشح إلى مجلس النواب على قائمة حزب الوطن الذي يرأسه القاعدي عبدالحكيم بالحاج، لكن الليبيين لفظوا قائمة بالحاج فلم ينجح منها أحد، بعد الانقلاب على مجلس النواب انحاز إلى الانقلابيين بزعامة الإخوان والإرهابيين، ثم في الصخيرات شكل الانقلابيون المجلس الأعلى للدولة، واختير صاحبنا عضوا فيه، ثم جاءت جنيف فتحالفت قوى الإرهاب مع مافيا النهب، وبضغط أجنبي وشراء الأصوات تم تشكيل مجلس رئاسي على رأسه أمريكي، بالمخالفة للتشريعات الليبية، التي تم تطبيقها على رئيس هيئة صياغة الدستور لكونه يعتنق عقيدة ضد الفكر الظلامي التكفيري، والمفارقة أنه تم الإبقاء على 6 أعضاء آخرين بتلك الهيئة من مزدوجي الجنسية لكونهم إسلامويين، نتيجة جنيف كانت مجلسا رئاسيا تهيمن عليه المقاتلة والإخوان، وحكومة تحولت إلى حكومة عائلية تمتهن عمليات النهب وممارسة الابتزاز، التي طالت أعضاء من الحكومة وكبار الموظفين، فكانت البراءة مرهونة بالتنازل عن السرقات إلى حسابات الدبيبات.
أمام هذا التاريخ الموثق، والتجربة المعاشة يستحيل أن يظن عاقل أن الرئاسي جهة محايدة أو مختلفة عن مافيا الدبيبة، ويخطئ من يظن أنه قد يساهم في حل يفيد الليبيين، ما لم يتحرر من تبعيته للمقاتلة، ويقف مع القوات المسلحة، ويفك ارتباطه بالدبيبات، ويقلع عن ممارسة الفساد، ما عدا ذلك، فالتعويل عليه في أي عملية سياسية، هو ممارسة للعبث، وهدر للوقت، واستمرار للمعاناة، ومفاقمة للأزمة، وزيادة للأخطار المحدقة بالوطن.
وهذا غير مستبعد طالما القوى الوطنية لم تضطلع بدورها بتجذير الوعي ورص الصفوف وقيادة الحراك المدني السلمي لإنقاذ الوطن، مستندة في ذلك على قوة أبنائها في القوات المسلحة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب