رأي

حي معاوية حسن يكتب.. تنقية الدين من الرواسب في فكر الأستاذ الشرفاء.. ملامح ونظرات

محاولة تنقية الدين السمح من العوالق الخارجة عن إطار مرجعيته، شغل شاغل لطلائع مفكري الأمة وأفذاذ رجالها.

سار على ذلك النهج المصلحون ينقون ويغربلون الدين مما علق به من الزوائد التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وفي طليعة الذين أبلوا بلاء حسنا في الفترة الأخيرة في هذا المسعى المبارك الداعية والمفكر الكبير على محمد الشرفاء الحمادي.

اقرأ أيضا: محمد فتحي الشريف يكتب.. مقترح الشرفاء الحمادي لبناء الوحدة العربية أصبح ضرورةً ملحَّة

قدم الرجل أطروحة بالغة الأهمية والنصاعة، تنطلق هذه الأطروحة من نظرية مسح الطاولة، وربط النصوص المتفرعة عن النص المقدس “القرآن” بمنطلقات آي القرآن، ورمي ما تعارض منها معه.

وهو لعمري مسعى جسور يستحق الإشادة والتقدير، جاء في وقت أحوج ما تكون الأمة إليه، حيث عصفت خلال ديارها نزعات التكفير والتفجير والتبديع والتفسيق والإرهاب، فتنا متلاطمة كقطع الليل المظلم.

وما ذاك إلا لأن الأمة ابتعدت عن المرجعية الوضاءة التي تعتمد القرآن الكريم كخط ناظم لمسارها، وتفرقت مذاهب وطوائف متباغضة متدابرة إن لم تكن متقاتلة.

المغازي الدقيقة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي النفاذ إلى روح الإسلام التي تعني أن يكون الجميع في مستوى واحد ومعاملة واحدة.

ينطلق المفكر في رؤيته هذه من قاعدة أصيلة، أهمل المسلمون نتائجها على مر العصور وهي إنَّ الله أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم للناس كافة ولم يرسله الله لطائفة أو طبقة مميزة من الناس، حيث الناس كلهم عند الله سواء وكل يحاسب بعمله وكل يجازى به.

واستنتج من هذه القاعدة تفريعات أساسية تشكل أساس الخطاب في طراوته ونداوته، وهي الآتية:

أولاً: إنَّ الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، موجه للناس كافة دون تمييز لدين أو عقيدة أو طائفة أو طبقة أو مذهب أو فرقة.

ثانيًا: إنَّ الرسالة الإسلامية التي تضمنها القرآن الكريم تخاطب الناس جميعًا بالتفاعل الفكري مع آيات الله في كتابه الكريم لتمكنهم من استنباط التشريعات اللازمة لتنظيم أمورهم الدنيوية وإتباع قيم الإسلام الراقية في السلوك والتعامل مع كل البشر تنفيذًا لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

ثالثًا: تؤكد هذه الآية سقوط كل الامتيازات الاجتماعية باسم الدين، وعدم وجود طبقة دينية مميزه تماثل طبقة الكهنة عند بعض العقائد، التي تحكم باسم الدين وتوجه المجتمعات الإنسانية حسب أهدافها السياسية والمادية والعاطفية والمعنوية، وكل الناس متساوون أمام القانون في الحياة الدنيا، ويتساوى البشر جميعهم أمام الله يوم الحساب وكل بعمله).

ويتساءل المفكر “لماذا ابتعد المسلمون قرونا طويلة عن تطبيق واتباع التشريعات الإلهية التي تستند لما أمر الله به وما فيها من القيم والأخلاق الرفيعة”.

وأكتشف أن بعض المسلمين ينساقون وراء مرامي أعداء الإسلام في تشويه المقاصد الكلية

 

ولم يكتف المفكر بطرح السؤال لاستثارة لعاب الباحثين عن طريق رمي حجر في بركة الماء الراكدة، بل تحدث عن الأسباب الأساسية وأدوار المغرضين أعداء رسالة الإسلام، وما استحدثوه من روايات وإشاعات كاذبة مستهدِفة صرف المسلمين عن المنهج الإلهي ليبعدوهم عن التعرُّف على دلالات آيات القرآن ومراميها العليا لما يحقق للناس من خير وصلاح للناس، ولما ينفعهم بالاعتصام بحبل الله، محذرًا من تفرقهم وتنازعهم، فلا مناص إلا بالعودة إلى المرجعيّة الإلهية، مرجعية القرآن الكريم، كي لا تأخذنا مرجعيات دينية من بني البشر عندما أضفوا عليها من حُلل القداسة ما صرف الناس عن الأصل، القرآن الكريم.

مقصد التمسك بالقرآن هو صمام أمان من الفرقة والتشرذم، ولكن كيف ذلك وقد ضربت الفرقة صفوفنا؟

العلاج بسيط يقول المفكر “إذا ما اتحدنا خلف المرجعية الأصل، القرآن الكريم، أمكننا بذلك إزالة الفرقة ووقف التدهور والتناحر جراء التشرذم والتنازع بين المسلمين، ولأمكننا تفويت الفرصة على المتربصين بنا من الأعداء، أولئك الذين يتمنون بقاء الفرقة لتستمر وتدوم حتى اليوم الذي نعيشه في هيئته المزرية من مذاهب شتى وفرق متعددة بأعلامها السوداء وسيوفها الحمراء التي امتزجت بدماء الأبرياء جهادًا في سبيل الله كما يدعون وعقابًا للكفرة ،كما يدعي أولئك المفسدون في الأرض، الأمر الذي يصبُّ في صالح العدو لتحقيق أهدافه وتمكينه من أطماعه في الثروات العربية يعبث بأمننا، ويستبيح أوطاننا لما شَهِد في أهلها انشغالًا عنه وهم في اقتتال دائم فيما بينهم، وقد أنهكهم الصراع ومزقهم النزاع”..

إغفال المعاني الحقيقية للعبادات، واختزالها في عادات.

التناقض بين تصرفات المسلمين وتعاليم دينهم، مظهر من مظاهر الاختلال البنيوي الكبير الذي تسبب في الصدام بين النظرية والتطبيق.

يرى الأستاذ الحمادي أن سبب ذلك هو إعلاء المسلمين للعرض دون الجوهر، بمعنى آخر التركيز على بعد العبادات الفيزيائي وإهمال بعدها الروحي والغائي.

يقول المفكر:

“كانت بداية الطامة الكبرى لأمتنا، إذ رأينا المساجد عامرة بالمصلّين والملايين في موسم الحج والعمرة، والتباري في دفع الزكاة، والصيام على أشده. وإلى جانب ذلك وجنبًا إلى جنب رأينا الغش، والفساد، والسرقة، والاقتتال بين المسلمين رأينا البيئة الحاضنة للتردي الأخلاقي والسلوكي هي بيئة ومحيط ملتزم كل الالتزام بالأركان المختزلة المدّعى بأنها هي فقط أركان الإسلام”.

تدبر كتاب الله طريق لفهم ما وراء التكاليف، وغاياتها التي ينشدها الدين من ورائها، ويسبح بنا المؤلف في حكم مقاصدية سامقة، مؤصلا بنص القرآن لغايات أركان الدين.

فيقول “الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من ظلم وأكل أموال الناس بالباطل ونقض العهود والنميمة والإشاعات والاعتداء على الناس دون وجه حق والتعاون على الاثم والعدوان.

والزكاة مهمة في مساعدة الفقراء والمساكين وتقليص الحاجز النفسي بين الأغنياء والفقراء والتعامل معهم بالرحمة والإحسان ذلك يحصن المجتمعات من السرقة أو الاعتداء على الأموال وتطهير النفس من الشُّح.

(..) وحج بيت الله الحرام، حيث يرى الناس أنفسهم جميعًا من شتى بقاع الأرض متساوين في الملبس والمسكن، تذوب الفوارق بين الناس حينما يتساوى الملك والصعلوك، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والكل أعناقهم مشرئبة للسماء…

(..) أما الصوم في شهر رمضان، فهو التزامٌ بطاعة الله وتدريب النفس على السيطرة على الشهوات وكبح جماحها عن كل ملذات الحياة والانقطاع لعبادة الله وحده، والتحلي بالأخلاق الفاضلة بممارسة التسامح مع الناس والإحسان إليهم والإعراض عن اللغو، ولا يتعالى على خلق الله ولا يأكل أموال الناس بالباطل وأن يتحلى بالصدق والوفاء بالعهود والعقود وعدم الاعتداء على الناس باللسان أو باليد، والابتعاد عن النميمة يطهر النفوس فترتقي إلى مصاف عباد الرحمن الذين استقاموا على الصراط المستقيم وتسابقوا إلى الخيرات وعملوا الصالحات”.

ويتوصل المفكر للحقيقة الجامعة المانعة، وهي أن “كل الشعائر والعبادات هي وسائل لتلك المقاصد الأخلاقية، ذلك أنَّ الإسلام يتمحور في عنوان الأخلاق العالية التي دعا إليها القرآن، وهي نفسها الأخلاق التي دعا إليها الأنبياء والتزموا بها عليهم السلام حتى مبعث الأمين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين”.

جزى الله المفكر الحمادي عن الأمة كل خير.. فقد حاول جهده التجديد لهذا الدين، والتحرر من ركام الإضافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، سبيلا إلى فهم حقيقي للدين في ضوء التدبر والقراءة المقاصدية الراشدة، وعلى الأساتذة والمفكرين الاستلهام من الرؤية التي وضعها الداعية الحمادي ليؤسسوا لغد وضاء لأمة الإسلام وللإنسانية جميعا.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى