انطلاقاً من أهمية تحليل محرکات واستراتيجيات الاتصال الإقناعي للخطاب الرئاسي المصري، التى تزداد أهميتها حينما يرتبط بتحليل الخطاب الموجه لوسائل الإعلام الدولية والإقليمية والمحلية، في فترات زاخرة بالشائعات والأزمات بل والمخاطر، التي قد تحيط بصورة وسمعة مصر وسياساتها الداخلية والخارجية على کافة المستويات القومية والإقليمية والدولية.
فضلاً عن أهمية الخطاب في تلك الفترة في أعقاب انتفاضات شعبية ضد النظم الحاکمة، وما تبعه من حرام سياسي جديد من نوعه في نقل رسالة الدولة ورؤيتها في مرحلتها وارتباطها بالمراحل اللاحقة، لذا بات لتحليله مکانة مهمة على نحو يميل إلي وضع اعتبارات جديدة للرأى العام واتجاهاته وقيمه وحقوقه ومصالحه.
کما تزداد أهمية معرفة سياق الدور المهم للغة السياسية وما تؤديه أفعال الکلام المقنع، بالإضافة إلى المؤشرات الزمنية والقوى الفاعلة في خطابات القادة السياسيين لما لها من تأثيرات على اتجاهات الشعوب
فعلى مدار ٧ سنوات من حكم الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسي”، وعقب ثورة شعبية في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، تعامل الرئيس المصرى مع وسائل الإعلام المختلفة، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي أو العربي، وتناول أهم القضايا، كما رد على ما تردده بعض وسائل الإعلام، ووجه انتقادات للنظرة الأحادية للأمور من جانب بعض السياسيين الغربيين، واهتم بكسب الرأي العام الخارجي، في ذكاء فطري يعكس أسلوب تعامله السياسي مع الأحداث والآراء المعاصرة، وتجلى ذلك في أسلوب حديثه وردوده الواضحة، بما يدعم العلاقات السياسية، ويعزز مركز قوته وقوة مصر.
كما أنه خلال مقابلة صحفية مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، انتقد الرئيس السيسي إدارة الرئيس الأمريكى السابق “باراك أوباما”، واتهمها بتجاهل الإرادة الشعبية المصرية، وعدم تقديم دعمٍ كافٍ للدولة المصرية، وسط احتمالات باندلاع حرب أهلية في عام ٢٠١٣، مما يدل على تغيّر اللهجة المصرية الرسمية فى التعامل غير المشروط مع الجانب الأمريكى، وهو لغة الخطاب الحر.
كما دعا “السيسى” فى خطابه الإعلامى إلى استراتيجية شاملة لمعالجة جذور التطرف في جميع أنحاء المنطقة، وأكد على أن المصريين قد أدركوا خطر جماعات الإسلام السياسي، وأنه إذا لم يتحرك لكانت الدولة العربية الأكثر سكانًا قد واجهت حربًا أهلية وسفك دماء مثلما حدث فى العراق وسوريا وليبيا.
فمن خلال حديثه مع مجلة “دير شبيجل” الألمانية طالب الرئيس المجتمع الدولي بالتصدى للإرهاب، محذراً من أن التراخي في هذا الأمر يمكن أن يشكل تهديدا بوقوع هجمات حتى في أوروبا، وأن خسارة هذه الحرب تعني دخول المنطقة بالكامل في اضطرابات خلال الخمسين عاما المقبلة، وهذا يؤكد شجاعة الرئيس السيسى فى مواجهة الدول العالمية الكبرى التى فى الغالب معظمها يمول الإرهاب نفسه.
فقد وجّه الرئيس حديثه إلى العالم أجمع، خاصةً الدول المعنية بالأزمة الليبية، قائلاً: “على جميع المرتزقة والميليشيات الأجنبية الخروج من ليبيا فوراً”، هذه الرسالة القوية التى توضح الفكر المصرى والاستراتيجية المصرية تجاه ما يحدث داخل دول الإقليم.
على الجانب الآخر الخطابات الرسمية فيما يتعلق بقضية (غاز شرق المتوسط)، والتحالفات التى قام بها “السيسى” مع الدول الأوروبية كاليونان وقبرص، وكسب تأييد الجانب الفرنسى والإيطالى لتلك التحالفات، وذلك لحماية المصالح المصرية والليبية فى الإقليم.
بينما ذكر “السيسى” فى حديثه لصحيفة “عكاظ” السعودية، أن الشعب المصري لديه وعي وحسن تقدير للأمور، حيث تقبل لعدد من القرارات الصعبة، التي كانت ضرورية لإصلاح الخلل في الاقتصاد المصري، وأشاد بالتفاف الشعب حول الأهداف والمشروعات القومية، مثل مشروع قناة السويس الجديدة، وهذا يوضح أن الخطاب الإعلامى للرئيس يعتمد على أسلوب الشفافية والمواجهة والمباشرة، وهو يتسم كذلك بالجرأة والقوة، معتمداً على الاستمالات العقلية المنطقية فى الغالب أكثر من الاستمالات العاطفية التى قل الاعتماد عليه فى مان خطاباته محليا وعالمياً.
كما أنه أيضاً اعتمد الخطاب الرئاسي الموجه لوسائل الإعلام الدولية، على نماذج التأثير الاتصالي القائمة على الإقناع والاستدراج، بهدف تسويق صورة مصر وسياساتها الاقتصادية والتشريعية والقانونية، فضلاً عن إدارة صورة القضاء المصري وصورة مصر کدولة مؤسسات؛ بهدف بناء أطر فکرية تسير في نفق إدارة هيبة الدولة المصرية، وتنمية الشعور بالقومية العربية، والمواطنة على المستوى القومي والعربي والدولي.
وکذلك توظيف استراتيجيات المعلومات والتکرار وبناء المعاني بهدف بناء وتشکيل صورة وهوية مصر الجديدة العظيمة، وأن استقرار مصر يعني استقرار المنطقة بل والعالم في أذهان جمهور وسائل الإعلام الدولية التي خاطبها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
بالإضافة إلى التأکيد على أهمية الوحدة العربية من خلال تکرار المعاني المرتبطة بدور القوة العربية المشترکة والتخفيف من وطأة التساؤلات الخاصة بمجابهة الإرهاب في مصر وجيرانها، وأيضاً بالنسبة لقضايا رفع الدعم وتعويم الجنيه وإمکانية المصالحة مع الإخوان والسياحة وعلاقة الشباب المصري بدولته، وما إلى ذلك من قضايا تناولها الخطاب السياسى والإعلامى الرسمى لمؤسسة الرئاسة المصرية.
وأخيراً وليس آخراً، أصبح احترام العالم ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية، شيئاً واضحاً للعيان وخير دليل على تحوّل كامل فى استراتيجية العلاقات الخارجية المصرية، وإعادة بناء الهُويّة المصرية عالمياً بشكل جديد وعصرى، ووضع مصر فى مكانتها الطبيعية دولياً وإقليماً كما يجب أن تكون.
بعد ان تناولنا موضوع بناء هُويّة العلاقات الخارجية المصرية يمكنك قراءة ايضا
نرمين الحوطي تكتب «سيدة استثنائية»