الحلقة 9 من كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الحلقة التاسعة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكرالعربي علي محمد الشرفاء يتحدث المؤلف في الجزء الأول من “رسالة الإسلام” عن أنه كيف تمَّ إضفاءُ القدسيّةِ علي روايات اُستُحدثت بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من قرنين من الزمان منسوبة للصحابة وأهل بيته بالرّغم ممّا فِيها من تناقضاتٍ مع كتابِ اللهِ، لا تتّفق مع المنطقِ والعقلِ،ورغم أمر اللهُ للناسَ في مُحكمِ كتابهِ بالتدبّرِ واحترامِ العَقلِ وتنميةِ الفكرِ والارتقاءِ به، وتنقيتهِ من الخُرافاتِ والأوهام، وألا يُرتهنوا لمقولاتٍ تواترتْ عبَـر القرونِ ولا يقدّسوا الأشخاصَ مَهمَا بَلَغ عِلمهُم، ويدعو الكاتب كل أمة في كل عصر أن تجتهدَ باستنباطِ التشريعاتِ اللازمةِ، بما يحقّقُ مصالحَها الحياتيّة. مشيرا إلي أننا لن نُسألَ عمّن سَبَقَنا وكلٌ سيحاسبُ بما كسبتْ يَداهُ. ولن يشفَعَ لنا مَن عَاَش قبلَنا، ولن تَقَيَنا أفهامُ وتفاسيرُ مَن سَبقونا من الحساب عن العقاب يوم القيامة.إنّما يشفعُ لنا ما قدّمناه لأنفسِنَا وللناسِ في عصرنَا الَّذِي نعيشهُ من تشريعات مستنبطة من القرآن الكريم تضيء لنا طريق الرحمة والعدل والسلام.
- اقرأ أيضا: الحلقة الـ8 من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
وإليكم الحلقة التاسعة الجزء الأول من “رسالة الإسلام”
لقد اقتضتْ إرادةُ الخَالقِ سُبحانَهُ وتَعَالى رَحمةً بعبادِهِ، أن يبعثَ لهم خِطابًا كريمًا ليُخرجَهم من الظّلماتِ إلى النورِ، ويعينَهم على تحقيقِ حَياةٍ مستقرةٍ آمنةٍ، يتحقّقُ فيها العيشُ الكريمُ، بالتراحمِ والتَّعاونِ والتَّسامحِ وإفشاءِ السّلامِ بينَ الناسِ وإرساءِ قواعدِ العَدلِ والإنصاف، وحَمَلَ هذا الخِطابَ محمدٌ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ليبلّغَهُ لِلناسِ كافة ليتدبروا آياته وما فيها من تشريعات، حيث يخاطب الله رسوله بقوله تعالى ﴿كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أولُو الْألْبَاب﴾(ص 29)، والَّذِي اقتضـَى مُرادُ اللهِ أنْ يَجعلَه هدايةً للنّاسِ، وتشريعًا صالحًا لكلِّ زمانٍ ومكانٍ يتوافقُ ومتطّلباتِ المجتمعاتِ الإنسانيّةِ على مرَ العصورِ بما يحملُه من قيمٍ إنسانيةٍ عظيمةٍ ومِنْ تشريعاتٍ تتوافقُ مع متطلباتِ المجتمعاتِ البشريّةِ على اختلاف مذاهبِهم وعقائِدهِم، وقدأمرَ اللهُ المسلمينَ بضرورةِ الاعتِصامِ بالقرآنِ الكريم، تحصينًا لَهم من أسبابِ الفُرقَةِ، وحمايةً لَهمُ مِنَ الفتَن، ملتَفّين حولَ الخِطابِ الإلهيّ، ينهلونَ مِنْ آياتهِ، ما يعينُهم على تسييرِ أمور مُجتمعاتِهم، على أساسٍ منَ الرحمةِ والعَدلِ، والمحبّةِ والسّلام، ويُحذّرهُم المولىَ عزّ وجلّ، بعدَمِ التَفّرقِ بقولِهِ سُبحانَهُ ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(آل عمران 103).
وبدلًا منْ أنْ يكونَ القرآن المعَينَ الَّذِي لا ينضبُ نُورُه، يَستضيءُ بهِ العُلماءُ مِن ظلمةِ العَقلِ وشَهَواتِ النّفسِ، ليستعينوا بهِ على اتّباعِ آياتِهِ ومعرفةِ مُرادِ اللهِ لخلقه ويطبّقونَ خارطةً لِلطريقِ التى وضعها الله للناس فى المنهج الالهي بآياته المُضيئةً الجَليّةً، فَتحفظُ للإنسان حرّيتهُ وحرمتَهُ وكرَاَمتَهُ وأمنَهُ ورزقَهُ، فإذا بِهم هَجَروا القرآنَ، واستبدلوهُ برواياتِ الإنسان، التـي ليس لها سند مقنع ولا دليل معلوم يؤكد صحتها وعلى العكس من ذلك تتعارض مع آيات القرآن الكريم وتسيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بل استحدثَها شَياطينُ الإنسِ، لِخدمةِ المآربِ الدُّنيويةِ، والتقرُّبِ بها للسلطانِ، غطاءً لحُكمهِ وإعلاءً لشأنهِ، وقد قامَ أعداءُ الإسلام بتسويقِ الروّايات والإِشاعاتِ وما اُدخل عليها من إسرائيليات لتفريق شمل العرب وجعلهم طوائف وفرقًا يقاتلون بعضهم بعضًا ليستمر الصراع بينهم وتتحقق غايات اليهود ومطامعهم في الوطن العربي لتحقيق أهدافهم الخبيثة، معتمدين على طيبة العرب ونواياهم الحسنة ينفذون لهم ما يريدون دون وعي وادراك لما يخطط لهم من مؤامرات للاستيلاء على ثرواتهم وأوطانهم .
وإذْ يؤكّدُ اللهُ في كتابِهِ الكريم، أنَّ على الناسِ ألّا يتبعوا غير آياتِ اللهِ، ولا يتبعوا الرواياتٍ مهما كان مَصدرُهَا أو مكانة راويها بقوله سُبحانَهُ ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا علَيْكَ بِالْحَقِّۖ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)(الجاثية: 6)، فاللهُ يقول لنبيّه إنَّهُ أنزل عليه آياتهِ واضحةً جليةً فبأيِّ رواياتٍ تناقلتْها الألسنُ على مرِّ القرونِ يتبعونها لتحل محل آيات الله ويتم تصديقها وكيف يصدَّق الكلامُ المجهول لأناس بلا هوية وينصرف الناس عن كلام الله المعلوم؟!وحكاياتٍ سُميّتْ أحاديثَ، تَقَوَّلوا بها على رَسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم تُخالفُ آياتِ اللهِ، حين تمَّ إضفاءُ القدسيّةِ عليها روايات اُستُحدثت بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من قرنين من الزمان منسوبة للصحابة وأهل بيته بالرّغم ممّا فِيها من تناقضاتٍ مع كتابِ اللهِ، لا تتّفق مع المنطقِ والعقلِ، واللهُ سُبحانَهُ يُخاطب العقولَ المبصرةَ، ليتدبّروا آياتِهِ ويهتدوا إلى طريقِ النورِ الَّذِي أنزَلَه اللهُ على رسولِهِ، من الذين جعلوا الخرافات في ديننا والروايات لغزًا معقدًا في إسلامنا بعيدًا عن رسالة الله في قرآنه للناس، مما ساعد كفّار قريش وأعداء الإسلام من أهل الكتاب على استراجاع طقوس الشرك وممارسة الظلم، وهل من الصدفة أن تكون مصادر الروايات عن الحديث مصدرها الرئيسي أفراد من العجم تم تقديسهم وإعلاء مكانتهم والتسويق لهم بكل الوسائل المتاحة ليكونوا مرجعيات وحيدة لرسالة الإسلام في العصور الماضية حتى عصرنا الحاضر وهم..
البخاري من بخاري – أوزبكستان.
الترمذي من ترمذ أوزبكستان.
أبو داود سيستان – أفغانستان.
مسلم بن الحجّاج بن مسلم من نيسابور – إيران.
ابن ماجه من قزوين – إيران.
فكيف استطاع المغرضون والمحسوبون على الإسلام أنْ يشكّكوا في دين الله؟ وكيف استسلم العرب المسلمون الذين بعث الله منهم الرسول العربيّ حاملاً رسالة الله للناس، وهم أهل اللغة العربية أنْ تفلت منهم آيات الله ويهجروا كتابه، القرآن الكريم، الذي جاء ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليجعلهم يقودون الحضارة الإنسانية إلى الارتقاء بسلوك الإنسان ولينشروا العدل والسلام في العالم أجمع. استسلموا لروايات المجوس، وبني إسرائيل ليتوهوا في صراع مرير، يضربون أعناق بعضهم بعضًا ويحقّقون لأعداء الإسلام مآربهم في تشتتهم، وتراجع دين الرحمة والسلام والعدل ليكونوا أدوات لتنفيذ أهداف أعدائهم ويتراجعون عن حمل رسالة الإسلام التي تدعو الناس للتراحم والتعاون وإقامة العدل لخير الإنسانية جميعًا.
تبنوا الروايات التي تشوه عظمة الرسالة الإسلامية، في غيبة من العقل ولانصرافهم عن التدبر والتفكر في القرآن الكريم.
وتأتي إجابةُ الرسولِ صلّى الله عليهِ وسلّم في القرآن الكريمِ بِقَولِهِ تَعَالى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا لْقُرْآنَ مَهْجُورًا)(الفرقان 30) لتؤكّد هذه الآيةُ أنَّ الرسولَ صلّى الله عليهِ وسلّم سوفَ يشتكي المسلمينَ إلى اللهِ، بأنّهم هَجَرَوا القرآن، منبّهًا ومُحِذّرًا من خطورةِ الابتعادِ عن الخطابِ الإلهي وبما نصَّ عليهِ القرآن الحكيمُ باعتبارهِ دستورًا مِنَ اللهِ لعبادِهِ، ليضيءَ لَهم طريقَ الحياةِ، ويعينَهم على تحقيقِ السَّعادةِ في الدّنيا، ويؤمّنَ لهم حَياةً طيبةً في الآخرةِ، ويُسكنَهم جَنّاتِ النّعيم.
إنّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم إذْ يشتكي إلى اللهِ، بأنَّ قومه هجروا القرآن فماذا سيكون موقف دعاة الإسلام وعلمائه وشيوخه يوم القيامة وكيف سيدافعون عن أنفسهم أمام الله عن تلك التهمة العظيمة وماذا سوف تكون إجابتهم.. هل سيكون دفاعهم ولسان حالهم كما قال تعالى (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) (الفرقان 29)
فهذهِ الشكوى تحذيرٌ للمسلمينَ بعدم تصديقِ أيَّةِ رواياتٍ، تواترتْ على مَرِّ السّنين، تُنسَبُ جَوْرًا إلى رسولِ اللهِ، بَغيةَ تحقيقِ مصالحَ دنيويةٍ تَدعَمُ السّلطانَ وتهدِمُ مرجعيةَ القرآنِ، تؤسس لأسباب الفرقة بيـن الـمسلمينَ وتجعلهم شيعًا وأحزابًا تؤجـّج الصّراع بيـنهم وتعمق التعصب، مما يترتب على ذلك نشوب الحروب، وسفك الدماء تساعد على انتشار البغضاء والعدوان بين أبناء الوطن الواحد، من قِبَلِ أعداءِ اللهِ وأعداءِ المسلمين، حيثُ يريدُ اللهُ لعبادِهِ التمسكَ بكتابهِ الكريمِ وما جاءَ بهِ من تشريعاتٍ تؤسس للرحمة قاعدةً للتعامل بين الناس وتدعو إلى إقامة العدل الذي به تتقدم الأمم وتستقر فيها الأحوال وتنعم بالأمن والسلام.
لقد وَضَعَ اللهُ سُبحانَهُ وَتَعالى، تشريعًا لخلقهِ مبنيًّا على حريّة الاعتقادِ والعدالةِ، بأعظم صفاتِها، حيثُ يقولُ سُبحانَهُ ﴿وَقُلِ الْحَقُّ من رَّبِّكُمْۖ فَمَن شَاءَفَلْيُؤْمِنوَمَن شَاءَفَلْيَكْفُرْ)(الَكهف 29 )كما يُخاطبُ نبيَّهُ ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ من فِي الْأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(يونس 99)، ويؤكدُ لَه ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾(الغاَشية 22)، ويوضحُ صلاحياتِ الرسولِ صَلّى اللهُ عليه وسلّم ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أشْرَكُواواۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حفِيظًا وَمَا أنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾(الأنعام 107)
إذًا مَنْ أعطى أيَّ مخلوقٍ الحقَّ في أن يُنصِّبَ نفسَهُ قاضيًا، فيُكَفِّرَ مَنْ يَكره، ويُزكي بالتَقوى مَن يُحب؟ وعجبًا كيفَ غابَتْ تلكَ الآياتُ الكريمةُ عن الَّذِين نصَّبوا أنفسهم قُضاةً على العبادِ، فيقضونَ بما لا يحقُّ لهم ويحكمونَ ظُلمًا على الناسِ ويمارسونَ القتلَ لِمَنْ يكفِّرونَه؟!
كيفَ عَمِيت أبصارُ هؤلاءِ عن كلامِ الله الَّذِي لا يَقبلُ التأويل أو التضليل؟! كيفَ وأحكامُه واضحةٌ جليَةٌ حَدّدَ فيها المولى عزّ وجلّ مسؤوليةَ الأنبياءِ ومسؤوليةَ خلقهِ من خلالِ استقبالِ الرسالة وتبليغ الأنبياءِ لهم بأن يختار الناس الدينَ الَّذِي يريدونَ بمنتهىَ الحريةِ وأنَّ حسابَهم عندَ الله جَميعًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ﴾(الحج:71) ولم يمنحِ الخالقُ سُبحانَهُ أيّ نبيٍ أو رسولٍ أنْ يشاركَه في التشريعِ لخلقِه في كل مايتعلق بشأن العبادات فاحتفظَ بحقِّ التشريعِ له وحَده، وتركَ للأنبياءِ والرسلِ التبليغَ والشرحَ والتوضيحَ لمرادِ اللهِ لكلِّ آيةٍ من كتابِهِ الكريمِ لما ينفع الناس ويصلح حالهم رحمةً من الله بعباده وعند تكليفه للرسول عليه الصلاة والسلام بنقل رسالة الاسلام للناس حد الله سبحانه مهمة نبيه بقوله (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)( الرعد :40) وبهذه الاية لايملك انسان أن يحاسب الناس على عقائدهم وعباداتهم فالله وحده كفيل بهم .
لقد أمر اللهُ الناسَ في مُحكمِ كتابهِ بالتدبّرِ واحترامِ العَقلِ وتنميةِ الفكرِ والارتقاءِ به، وتنقيتهِ من الخُرافاتِ والأوهام وإِحكام اِلمنطقِ والإيمان باعتماد القرآن وما في آياته من دلالاتٍ تؤكدُ للناسِ أن يُحرّروا عُقولَهم ولا يُرتهنوا لمقولاتٍ تواترتْ عبَـر القرونِ ولا يقدّسوا الأشخاصَ مَهمَا بَلَغ عِلمهُم، فإنّهم بَشرٌ يُخطئونَ ويُصيبونَ، وما صاغَتْه أفهامهُم عبَر القرون الماضية حَسْب قدراتِهم الفكريةِ وحسْبَما أملتْ عليهِم ظروفُهم الاجتماعيةُ ومصالحِهُم الشخصيةُ وانتماءاتُهم.
لقد وَضعَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى قاعدةً عَظيمةً تأمُرنا جَميعًا بأنْ نستنبطَ حُلولًا وقوانين لكافة القضايا في المجتمعات الإسلامية من القرآن الكريم تتوافقُ مع كلِّ عصَرٍ، وإعادة النظر في التشريعات الماضية بما يتفق مع التشريع الإلهي تأسّيسًا لقولِهِ تَعَالى ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْخَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْألونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(البقرة 134).
تُرشدنا الآيةُ المذكورةُ أعلاهُ، إلى أنَّ كَلَّ أمةٍ في كلّ عصر لها ظروفُها ومتطلباتُها وتشريعاتُها، وسيحاسِبهُم اللهُ على ما عَملوا من عمل صالح وسيعاقبُهم على ما ارتكبوا من جُرم وآثامٍ، ولنْ تكونَ الأمةُ التـي تَعقبُها مسؤولةً عمّن سَبَقَ من الأمم، لذا فهو إرشادٌ للناسِ بأنْ يبحثوا في كتابِ اللهِ عن تشريعاتٍ تنظّمُ المجتمعاتُ بها أحوالَها واحتياجاتِها في حاضرهم تتحلّى بالقيُمِ الأخلاقيّةِ التي أمرَ اللهُ بها في كتابهِ الكريمِ وتلتزم بالمنهج الإلهي الذي أمرنا الله باتباعه بقوله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل 90).
وبذلكَ يجبُ أن تجتهدَ كلُّ أمةٍ في كل عصر باستنباطِ التشريعاتِ اللازمةِ، بما تُحقّقُ مصالحَها الحياتيّة. فلن نُسألَ عمّن سَبَقَنا وكلٌ سيحاسبُ بما كسبتْ يَداهُ. ولن يشفَعَ لنا مَن عَاَش قبلَنا، ولن تَقَيَنا أفهامُ وتفاسيرُ مَن سَبقونا من الحساب عن العقاب يوم القيامة.إنّما يشفعُ لنا ما قدّمناه لأنفسِنَا وللناسِ في عصرنَا الَّذِي نعيشهُ من تشريعات مستنبطة من القرآن الكريم تضيء لنا طريق الرحمة والعدل والسلام ومن عمل صالح وعليه واتباعًا للمنهج الإلهي أن يتخذ المسلمون القرآن الكريم مرجعيتهم الوحيدة في كل ما يتعلق بعباداتهم وتشريعاتهم، وما يدعو إليه من الفضيلة والأخلاق الكريمةوبما يحمله من قيم الرحمةِ والمَحبةِ والعَدلِ والسَلامِ بينَ بني الإنسان.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب