عيد عبد الحليم يكتب.. المجايلة في الثقافة المصرية وأثرها على الإبداع
المجايلة في الثقافة المصرية ظهرت فكرة المجايلة في الثقافة المصرية والعربية منذ منتصف القرن العشرين ، مع ظهور حركات التجديد الثقافي والفكري والإبداعي، وخاصة حركة شعر التفعيلة أو الشعر الحر ، على يد نازك الملائكة ، وبدر شاكر السياب في العراق ، وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي في مصر ، وبالتوازي مع هذه الحركة ظهرت ” جماعة شعر ” اللبنانية بشعرائها أنسى الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس وشوقي أبى شقرا والتي دعت إلى كتابة قصيدة النثر ، معتمدين في ذلك على خلفية نقدية مأخوذة من كتاب ” قصيدة النثر ” للباحثة الفرنسية ” سوزان برنار ” .
وفى الرواية والقصة حدثت نقلة نوعية على يد يوسف إدريس بداية من مجموعته القصصية ” أرخص ليالى ” حيث التعبير عن الهامش الاجتماعي ، وجعله في متن السرد ، وتبلورت الفكرة أكثر عند جيل الستينيات في الرواية أمثال جمال الغيطاني ويوسف القعيد ومحمد البساطي وإبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبدالله ومحمد إبراهيم مبروك .
إن فكرة الجيل ــــ هنا ــــ تعنى ” التحول الثقافي ” النوعي على مستوى الأفكار وعلى المستوى الفعل الإبداع ، وعلى مستوى تطور الشخصية فجيل الأربعينات ــــ مثلاً ــــ كان له دور في الحياة الثقافية والسياسية المصرية ، فهذا الجيل عاش تحولات الحياة المصرية سياسياً واجتماعياً وثقافياً قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ، وكان له دور مهم في نقل الفكر الاشتراكي العلمي إلى مصر ، ونقل الفكر الغربي بشكل عام ، وكان له دور في نقل الأفكار السريالية في الأدب والفن إلى مصر ، وروج للأفكار الليبرالية والعلمانية .
وفى بعض الآداب العالمية وصل التعريف بالجيل إلى تعين الجيل بعام واحد بذاته ، كما حدث مع جيل 27 في أسبانيا ” لوركا ورفائيل ألبرتى ” وغيرهما ، حينما كان المقصود الإشارة إلى موجة جديدة في الشعر الإسباني انتقلت به من مرحلة الى مرحلة أخرى فالتعريف بالجيل عقدياً يحمل أدنى معنى من معاني التصنيف السياسي والثقافي والاجتماعي الغنى ، وهذا نفسه هو ما ينطبق على جيل السبعينات في فكر الثقافة المصرية . بما أحدثه من حراك ثقافي نوعى والذى تجسد في جماعات ومجلات ومطبوعات فكرية وأدبية مستقلة عن الأجهزة الرسمية ، ساعياً لتقديم تجارب ثقافية مغايرة .
من أهم المؤثرات في أفكار هذا الجيل هزيمة يونيو 1967 فقد كانت هزيمة 67 هي الحدث الأعظم الذى بدأ وعى أبناء هذا الجيل ينفتح عليه وفيه ، أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط تهزم هزيمة ساحقة في ستة أيام أو ست ساعات.
عبدالناصر يعلن مسئوليته عن الهزيمة وتنحية عن السلطة، والجماهير تخرج في مظاهرات عارمة – الكثير منها عضوي والقليل نظمه الاتحاد الاشتراكي وهتفت ببقاء عبد الناصر .
وكان معظم أبناء هذا الجيل أعضاء في منظمة الشباب الاشتراكي ، وكانت المنظمة قد أعدت معسكراً للتدريب على السلاح منذ منتصف مايو 1967 ، حينما كان عبدالناصر الراديو والتليفزيون يطالب سحب القوات الدولية من شرم الشيخ ويغلق مضايق تيران وصنافير وبدأ الشباب يتلقون المحاضرات التثقيفية والاشتراكية من معلمى معهد الدراسات الاشتراكية ، في انتظار الحرب القادمة . لكن الجميع صحى في صباح 5 يونيو على الهزيمة القاسية .
وفى السنوات الأخيرة من الستينيات دخل معظم أبناء هذا الجيل الجامعة، وكانت 1968 مازالت ترن في الأجواء الجامعية، وكان بعض أبناء هذا الجيل قد عاصر أصداءها الأخيرة مثل حسن طلب ومحمد سليمان وأحمد طه وإبراهيم عبدالمجيد.
كانت الجامعة نموذجاً للثورة والتمرد، وكان مازال بها بعض قادة وكوادر حركة 68 مثل أحمد عبدالله رزة وزين العابدين فؤاد، وكانت حرب الاستنزاف تعطى بعض الأمل بأن هناك خطة وإرادة حقيقية لإزالة آثار العدوان.
ثم كانت الانتفاضة الطلابية في يناير 1972 ، حيث كانت الحركة السياسية النامية في ذلك الوقت قد بدأت تترسخ أقدامها، فكان الطلاب يصدرون العديد من مجلات الحائط، كما يشكلون جماعات وأسراً طلابية متعددة ، ويعقدون الكثير من المؤتمرات والندوات . وكان أثر مجلات الحائط ملحوظاً على وجه الخصوص ، وبرغم هذه المجلات كانت تغطى قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة ، إلا أن تركيزها الأساسي كان على مطلبين أساسيين هما تحرير الأراضي المحتلة ، والديمقراطية . وشارك الطلاب على مختلف اتجاهاتهم السياسية في إصدار هذه المجلات ، حيث كان الطلاب اليساريون هم الأكثر إسلاماً في هذا الصدد (1) وبدأت الانتفاضة في كلية الهندسة بجامعة القاهرة ، حيث توجد الكتلة الأساسية النشطة من ” جماعة أنصار الثورة الفلسطينية وحيث تصدر مجلات الحائط بكثافة كبيرة ، وقد اندلعت الانتفاضة في يناير 1972 ، إثر خطاب الرئيس أنور السادات في 13 يناير ، والذي برر فيه عجزه عن الوفاء بوعده لجعل عام 1971 ” عام الحسم ” بسبب اندلاع الحرب الهندية / الباكستانية ، وادعى أن العالم لم يكن فيه متسع لاندلاع حربين كبيرتين في آن واحد ، وأن الحليف السوفيتي لمصر تشغله الحرب الهندية الباكستانية إلى الحد الذي لا يستطيع فيه تقديم مساعدة كافية (وقد أدى إغلاق الجامعة بسبب المظاهرات واعتقال مئات الطلاب بعد اقتحام الأمن المركزي للحرم الجامعي لأول مرة ، خرج من تم اعتقالهم وقد تغيرت نظرتهم للحياة بشكل عام ، يقول الشاعر حلمي سالم عن تلك الفترة التي عاصرها وشارك فيها .
” كان معظم أبناء جيل السبعينات حينما دخل الجامعة يصدرون عن رؤية رومانتيكية إنسانية في الحياة والمجتمع والفن ، ذات طابع اجتماعي هيومانى عام ، الحنين للحرية والعدالة الحب والجمال والتقدم ، لكن حبسة القلعة القصيرة أخرجت بعض أبناء هذا الجيل ، وقد غادر هذا الموقع الهيومانى إلى مشارف
الفكر الاشتراكي العلمي، بتنوعات متباينة ودرجات مختلفة ، وقد نتج هذا الانتقال عن الاحتكاك الميداني المباشر بالظلم وافتقاد الحرية ، حرية التعبير عن الرأي والمعتقد، والاختبار المباشر لفكرة السلطة والاضطهاد التي كانت قبل ذلك فكرة ثقافية مجردة .
يعد جيل السبعينيات في الشعر المصري من أكثر الأجيال مشاكسة وإثارة للجدل ، وقد يكون للفترة الزمنية التي بدأ فيها هذا الجيل في الظهور أثر كبير في تشكيل رؤية للنص الشعري ، وهى رؤية قائمة على المجاوزة والتشظي وتفجير اللغة ، والخروج عن الأطر والقواعد الشكلية التي سيطرت على الخطاب الشعري على امتداد عصره ، فنحن أمام جيل يصفه د. صلاح فضل قائلاً : ” إن مصطلح شعر السبعينيات قد يشير إلى جماعة من شعراء الحداثة المصريين ، فقد عرفوا طريقهم للنشر في السبعينيات ، فاخترقوا جدار اللامبالاة الرسمية والتمزق القومي بتجربة فريدة لا تعتمد على صياغة أيديولوجية مسبقة ، ولا ترتكز على تنظير نقدي لاحق ، بل ترتجل خطواتها في كثير من الجرأة والجسارة ، محققة درجة عالية من الإنجاز المتميز في جماليات القصية العربية بطريقة عفوية أصيلة.
لقد بزغت التجربة – إذن – من رماد الانكسار بعد هزيمة يونيو 1967 ، وبعد تحول الحياة الاجتماعية إلى عصر الانفتاح بعد حرب أكتوبر 1973 فعلى حد تعبير د . على البطل ” فلقد فتح هذا الجيل عينيه على أصداء ضجة المشروع القومي العظيم في خمسينيات وستينيات القرن العشرين وعلى واقع الضجة النقيض / نكسة 1967 ، وبعد حرب 1973 ، عرفت مشاعرهم أكبر خيبة أمل بعد طول انتظار ، لقد توقعوا استئناف المشروع القومي والوطني ، ولكن ما حدث هو العكس تماما.
ويرى الناقد د. محمد عبدالمطلب ” أن عام 1967 كان الضربة الشمولية التي اكتسحت جموع القوى الاجتماعية والوطنية ، لكنها – في الوقت نفسه – وجهت كل عنفها إلى السلطة وهددتها في كل مشروعها ، ومن ثم كان الترنح على حافة الدمار الذي انتهى في عام 1970 وكانت الفترة التالية فترة الانغماس في الواقع الثقافي الجديد الذي اشتد عوده بعد سنة 1973 ، وكان نتاج ذلك هذا الخطاب الشعري الذي يمثل مزيجاً من الخيبة والأمل معاً ، والعجز والصمود معاً ، ولم يعد الجيل السبعيني قادراً على تحمل هذا الواقع المرهق – من وجهة نظره .
بعد ان تناولنا موضوع المجايلة في الثقافة المصرية يمكنك قراءة ايضا
د. مصطفى الزائدي يكتب.. إلى الأمام.. «في الانتخابات والاستقرار»
محمد فتحي الشريف يكتب.. «التخلص من الإخوان = حل أزمة ليبيا»
ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك