الليبيون يموتون مرتين
انتهى عام 2021 دون أن يرى الليبيون حكومة جديدة منتخبة، كما كما كانوا يطمحون، ودون أن تغادر النخبة التي أدخلت البلاد في نفق الحرب قبل 10 سنوات، ولم تخرج منه حتى الآن، بعدما رُهن قرار بلد عربي ذو سيادة للأجانب، ليبقى الجرح الليبي غائر دون دواء ناجع حتى الآن.
جماعات العنف المسلح المرتبطة بالخارج والتي تسيطر على مقدرات البلاد ومؤسساتها في المنطقة الغربية، كانت سببا رئيسيا لقتل الليبين مرتين، مرة لما عمقت الانقسام السياسي، ووقفت في وجه أي محاولة للتهدئة، وفرض حلول سياسية قد تنهي الحرب وتوطد استقرار دائم، لكن كيف يمكن ذلك وفيه تهديد لهذه المجموعات التي تتغذى على الفوضى وترى من صالحها بقاء الوضع على ما هو عليه، ومرة أخرى حينما روجت لخطاب الكراهية ووفرت غطاء لجماعات العنف المسلح.
على مدار قرابة 10 أشهر هي عمر آخر مرحلة انتقالية شهدتها البلاد لم تدخر النخبة الليبية جهدا في إجهاض العملية السياسية، عبر خطاب سياسي حاد يروج للكراهية، تشرف عليها أجهزة استخباراتية تعادي العرب عموما وليس الليبيين وحدهم، بغرض إسقاط البلاد في فخ التقسيم، وتعزيز الجهوية والمناطقية، دون أدني مسؤولية، وبتخلى واضح عن مصائر ملايين الليبيين الذين تحولت حياتهم إلى جحيم في ظل تصدر جماعات العنف المسلح للمشهد، وتدهور مؤسسات البلاد، وتحول ليبيا إلى دولة فاشلة لم يتبقى فيها سوى ركن الاعتراف الدولي، لو سقط عنها لما بقيت هناك دولة بهذا الاسم، بعدما فقدت الشروط الثلاث الأخرى الواجبة لوجود دولة، فالإقليم مبعثر ومفتوح أمام المرتزقة من الجنوب والشمال، والحكومة لا تملك أي سلطة أمام الميليشيات، والشعب مصيره في يد مجموعة فاسدة تتصدر الحكم، وترفض الالتزام بتعهداتها بعدما فشلت في إدارة المرحلة الانتقالية.
“أن تكون ليبيًا يعني أنك عشت الموت مرتين، مرة يوم شيعت جنازة قريبك أو صديقك أو أخوك أو ابنك، الذي مات في الحرب، ومرة عندما سرقت أموالك عيانا وبدلا من إنفاقها عليك أنفقت على حرب أنت من تموت فيها.
جماعة الإخوان وحلفائها بالداخل الليبي لم يتوقفوا عن محاولات إجهاض أي محاولة للحل السياسي، أفشلوا مساعي الأطراف الدولية في ملتقى الحوار، وفي اجتماعات بوزنيقة، وفي اجتماعات الغردقة، وفي غدامس، وفي سرت، وفي برلين 2 وفي باريس، وسيفشلون أي محاولات للتهدئة في ليبيا لأن أي استقرار حقيقي في البلاد يعني خروجهم من المشهد.
لكن الغريب في هذه الحرب الدامية والمدمرة التي عاشها الشعب الليبي عشر سنوات كاملة، هي أن الليبيين دفعوا ثمنها مرتين الأولى في مصيبة الموت التي دخلت كل بيت ليبي، وفي التهجير الذي طال مئات الآلاف وحملات الاعتقال التي تنفذها الميليشيات يوميا وفي عمليات الخطف والتدمير التي تشرف عليها الميليشيات المسلحة.
أما المرة الثانية في تكلفة الحرب التي قدرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها، بحوالي 783 مليار دينار ليبي.
هذا الرقم الضخم الذي يحسب تكلفة الحرب الليبية اندلاعها في عام 2011 حتى 2021، دون احتساب الفساد الذي تكرس في 2021 أو المبالغ التي أنفقت على العصابات التي تحمي لصوص المال العام المتمركزة في طرابلس ومصراتة، يعني أن ميزانية ليبيا لقرابة 10 سنوات قد أنفقت فقط على قتل الليبيين في صراع دام لم يرد الليبيون يوما أن يدخلوه لكن فرض عليهم مرة عن طريق الاستقطاب السياسي، والدور القذر الذي لعبته النخبة المتطرفة ممثلة في جماعات الظلام وتنظيم الإخوان وأخرى بالأطراف الدولية التي حولت البلاد لأرض خصبة لإدارة حروب بالوكالة وتحولت الرقعة الليبية لساحة مفتوحة للحروب القذرة وتصفية الحسابات الدولية.
ليس هذا فحسب بل إن الرقم معرض للزيادة، خصوصا وأن الصراع أدى إلى انكماشٍ حاد في الاقتصاد الليبي، فانخفض الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعت معدلات الاستثمار. كما تقلَّص الاستهلاك بسبب عودة العمال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية وتراجع دخل المواطنين الليبيين. وتباطأت التجارة الخارجية نتيجة انخفاض كبير في صادرات بعض المنتجات الرئيسية كالنفط، ولكن الأثر كان أشد على الواردات لتقلُّص قطاعي التشييد والبناء.
ويشير التقرير الصادر عن المنظمة الأممية إلى أن هناك عوامل أدت إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية، مثل تدمير الأصول الرأسمالية في قطاعات كالقطاع النفطي والبناء والزراعة والتصنيع، وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتحويل الموارد عن الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية إلى الانفاق العسكري.
ويوضح التقرير أيضًا أن آثار الصراع في ليبيا تعدت اقتصاد البلاد لتطال اقتصادات البلدان المجاورة مثل الجزائر وتونس ومصر والسودان، التي تربطها بليبيا علاقات اقتصادية واسعة على مستويات التجارة والاستثمار والعمالة.
التقرير ذاته يحذر من أنه في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا فإن ليبيا ستخسر بحلول عام 2025 ما يساوي 462 مليار دولار أمريكي زيادة على الخسائر السابقة.
“أن تكون ليبيًا يعني أنك عشت الموت مرتين، مرة يوم شيعت جنازة قريبك أو صديقك أو أخوك أو ابنك، الذي مات في الحرب، ومرة عندما سرقت أموالك عيانا وبدلا من إنفاقها عليك أنفقت على حرب أنت من تموت فيها.
بعد 10 سنوات من التحركات الشعبية، مشاهد الدمار هي سيدة الموقف، ثقوب الرصاص لا تزال على الجدار، وشوراع المدن لم تخفي آثار الحرب، أو ربما لم تشبع بعد هذه الأرض من دماء أبنائها، الذين تحولوا لجناة وضحايا في نفس الوقت، ويبقي الأمل معلق بحبال الرجاء بأن تأتي رياح عام 2022 بالخير لأبناء ليبيا.
بعد ان تناولنا موضوع الليبيون يموتون مرتين يمكنك قراءة ايضا
السعودية في أسبوع.. أردوغان يزور المملكة في هذا الموعد.. وبيروت تتنصل من تطاول حسن نصر الله
أحمد شيخو يكتب.. تجديد الخطاب الديني ودمقرطة الإسلام
يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك