الكعكة الليبية بين أنياب واشنطن وموسكو تقدير موقف للباحث أحمد عرابي
قال الكاتب والباحث السياسي أحمد عرابي إن الوضع في ليبيا سياسياً بدون التوصل إلى اتفاق أصبح بعيداً عن التحقيق بسبب الاتفاقات الاقتصادية التي تم إبرامها بين جميع الأطراف الرئيسية الفاعلة بالمشهد على الأرض حيث يعتمد هذا بشكل أساسي على القطاع النفطي وهو المورد الأساسي إقتصاديا في البلاد، فكل القوى الاقتصادية في ليبيا تنتهج عملها بشكل واضح على عد تسوية الأمور السياسية وإن المشاركة الدولية في المرحلة المقبلة في ليبيا يجب أن تبدأ من القضاء على جميع الأنشطة الغير قانونية ومكافحة الفساد بداية من أهم قطاعين وهما النفط والغاز .
وأوضح عرابي إن إستقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا “عبدالله باتيلي ” بعد فشل مهمته الأساسية في ليبيا وهي الوصل إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي طالما تم تأجيلها قد اثرت بشكل واسع على المسار السياسي حيث لم تكن المحادثات الدولية لم تكن منذ البداية جادة حيث إن الأطراف السياسية في ليبيا عملت معا، بشكل متوازي ولا سيما في السنة والنصف الأخيرة وسعت لتقسيم مؤسسات الدولة وموازناتها فيما بينها بحسب المصالح الشخصية ، وهذا يترسخ جلياً في غياب أي حوافز حقيقية لدى النخبة السياسية سواء في غرب البلاد أو شرقها لكي تسعى لحل الأزمة وتغيير الوضع القائم حالياً.
المبعوث الأممي “عبد الله باتيلي” قد لمس عدم جدية وجدوى السياسيين للوصول إلى الانتخابات لتغير الوضع القائم منذ اثنى عشر سنة من بعد ثورة السابع عشر من فبراير2011، وافتقارهم لمساعدة الأمم المتحدة لتغير الوضع الراهن سياسياً واقتصادياً وفق المحاصصة والمحسوبية التي يسعون إليها في ليبيا ، حيث يعاني الشعب الليبي من أزمة اقتصادية مستمرة على الرغم من إن الدولة تعتبر من أقوى الاحتياطات النفطية في قارة إفريقيا تزامناً مع ارتفاع سعر النفط عالمياً ، والاهتمام الأمريكي والأوروبي بهواجسهم الخاصة بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية جعلهم يجدون أنه من المناسب التعامل مع وضع شبه فوضوي، غير مهتمين بمن يحكم ليبيا طالما جرى احتواء الجماعات الإرهابية ، ما أنتج فراغا سياسيا طويلاً فالصراع الأمريكي الروسي في ليبيا بدأت تتجلي ملامحه بوصول عدد كبير من قوات الفاغنر الروسية حديثاً إلى جنوب ليبيا إضافة إلى المتواجدين منذ فترة بها وبعضهم سيتوجه إلى الجنوب تحديداً غلى النيجر بعد نشر مجموعة منهم في الهلال النفطي وخليج سرت، هذا ويأتي مخطط موسكو لإنشاء قاعدة بحرية في مدينة طبرق في شرق البلاد حيث وصلت عدد من السفن العسكرية الروسية إلى ميناءها البحري على متنها المعدات والعاتد العسكري ، حيث ستعمل هذه القاعدة العسكرية على تعزيز ودعم التواجد الروسي في شمال إفريقيا بإمداتها اللوجيستية.
عرابي ذكر إن موسكو قد تقوم بإستغلال الفساد المستشري في قطاع النفط والغاز في ليبيا لدعم تواجدها في شمال إفريقيا وغربها بما يعزز من قدرة روسيا نفسها على السيطرة على عوائد النفط والموادر المالية للبلاد حيث كانت روسيا في الفترة السابقة قد طبعت عملات نقدية بالدينار بكميات كبيرة غزت السوق الليبي فيما تورطت قوات الفاغنر الروسية في تهريب نسبة كبيرة من الوقود والنفط من ليبيا إلى خارج البلاد عبر وسطاء دوليين ، وأوضحت البيانات الرسمية للمؤسسة الوطنية للنفط للعام الماضي أنها انفقت قرابة سبعة عشر مليار دولار على والواردات من الوقود مقاارنة بـ5 مليارات دولار فقط من العام 2021 ، وفي وسط أزمة عدم توفر البنزين والوقود في الأسواق المحلية والازدحام الذي تشهده محطات الوقود من وقت لآخر يؤكد عدم توفر هذه الوارادات ويؤكد تهريب نسبة كبيرة من الوقود إلى خارج البلاد بكميات أكثر من سابقتها، وعلى الرغم من الميزانية التي تتحصل عليها المؤسسة الوطنية للنفط والتي تعدت إثنى عشر مليار دولار في العامين الماضيين إلا أنها عاجزة على القيام بزيادة إنتاجها المحلي من النفط.
الكاتب والباحث السياسي حذر من وقوع بعض شركات النفط العالمية المتواجدة في ليبيا في الفساد النفطي مشيراً إلى تعليق صفقة بين شركات اجنبية فرنسية وإيطالية و المؤسسة الوطنية للنفط بقرار من النائب العام في العام الماضي 2023 بسبب عدم شفافية المناقصات المطروحة وقتها وهو ما يثير تساؤلات حول الفساد في قطاع النفط، ولهذا فأن تعطيل الفساد المتوغل في ذلك القطاع يجب أن يكون في خضم التعامل الدولي الجديد في ليبيا، حيث يمكن للإدارة الأميركية أن تأخذ زمام المبادرة بتبني منظور مالي حديث ، وتعزيز أفق التدقيق الاقتصادي المكثف، والعقوبات المستهدفة، وتحسين التنسيق بين القوى الغربية، للوصول لكسر الجمود السياسي الذي تحبذه الطبقة السياسة الحالية في ليبيا حيث أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع فرض تسوية سياسية في ليبيا ، لإنها لا تستطيع العمل على تجفيف شبكة تمويل الفساد بين المستفيدين منها، وهذا من شأنه أن ينشط إمكانية التحول الديمقراطي السياسي والوصول إلى الانتخابات في ليبيا. كما أنه سيقوم بإعاقة موسكو عسكرياً من فرصة الاستفادة من الفوضى في القطاع النفطي في البلاد لتعزيز تواجدها الحالي مما قد يؤدي إلى تقارب وجهات النظر لحل الأزمة الليبية الحالية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب