«التحديات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في القارة الإفريقية»
المقال الثالث 3/3:
رامي_زهدي
تُعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر (SMEs) العمود الفقري للاقتصادات الإفريقية، حيث تمثل غالبية النشاط الاقتصادي وتوفر فرص عمل لملايين المواطنين. ومع ذلك، تواجه هذه الشركات العديد من التحديات التي تعيق نموها واستمراريتها، وتتراوح هذه التحديات بين عوامل سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وأمنية. تلقي هذه الورقة الضوء على أبرز العقبات التي تعترض طريق الشركات الصغيرة في إفريقيا، مع التركيز على تأثير الصراعات والحروب والإرهاب، وعدم الاستقرار السياسي، والتمييز العرقي والاقتصادي، وغياب العدالة والشفافية.
1. التحديات السياسية
أ. عدم الاستقرار السياسي
الأثر:
يؤدي الانقلابات السياسية وعدم الاستقرار الحكومي إلى تدهور بيئة الأعمال، مما يضعف الثقة في الاستثمار.
أمثلة: الدول التي شهدت تغييرات متكررة في الحكومات مثل السودان، بوركينا فاسو، ومالي.
التأثير على الشركات الصغيرة:
صعوبة الحصول على تصاريح العمل نتيجة تغيير اللوائح.
فقدان الأسواق بسبب تعطل الأنظمة الإدارية والتنظيمية.
ب. ضعف الشفافية ومكافحة الفساد
الأثر:
الفساد الإداري والمالي يشكل عقبة أمام نمو الشركات الصغيرة، حيث تُطلب منها رشاوى للحصول على الخدمات أو التراخيص.
تقرير البنك الدولي يشير إلى أن الفساد في إفريقيا يكلف الاقتصادات المحلية حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.
التأثير على الشركات الصغيرة:
زيادة تكاليف التشغيل.
تعقيد العمليات الإدارية، مما يؤدي إلى إبطاء التوسع.
ج. ضعف سيادة القانون
الأثر:
عدم وجود آليات قانونية فعالة لحماية الشركات الصغيرة من الانتهاكات، مثل العقود غير الملتزمة أو المنافسة غير العادلة.
2. التحديات الاقتصادية
أ. نقص التمويل وصعوبة الحصول على رأس المال
الأثر:
80% من الشركات الصغيرة تواجه صعوبات في الوصول إلى التمويل اللازم بسبب غياب مؤسسات مالية متخصصة أو شروط قروض صارمة.
الفوائد العالية والقروض قصيرة الأجل تؤدي إلى عبء مالي كبير.
الإحصائيات:
تقرير صادر عن البنك الإفريقي للتنمية يشير إلى أن فجوة التمويل للشركات الصغيرة في إفريقيا تتجاوز 330 مليار دولار.
ب. ضعف البنية التحتية
الأثر:
نقص الكهرباء، الطرق، وخدمات النقل يزيد من تكلفة العمليات ويحد من القدرة التنافسية.
في بعض الدول، تصل تكلفة النقل إلى 30% من إجمالي تكلفة المنتج.
ج. القيود التجارية
الأثر:
اللوائح الجمركية المعقدة والرسوم المرتفعة تعوق التجارة عبر الحدود.
ضعف تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA) يحد من فرص الوصول إلى أسواق جديدة.
3. التحديات الاجتماعية
أ. التمييز العرقي والاقتصادي
الأثر:
الإقصاء العرقي أو الاقتصادي يؤدي إلى تهميش بعض المجموعات، مما يحد من قدرتها على تأسيس شركات أو الوصول إلى التمويل.
أمثلة: التمييز ضد الأقليات العرقية في بعض الدول مثل جنوب السودان وإثيوبيا.
ب. نقص التعليم والتدريب
الأثر:
60% من سكان إفريقيا يفتقرون إلى التعليم الأساسي الذي يؤهلهم لإدارة الشركات الصغيرة بفعالية.
غياب برامج التدريب الموجهة لريادة الأعمال يؤدي إلى ضعف الكفاءات الإدارية.
ج. الفقر وعدم المساواة
الأثر:
محدودية الدخل لدى العملاء تحد من الطلب على المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركات الصغيرة.
ارتفاع نسب الفقر (أكثر من 40% في إفريقيا جنوب الصحراء) يضعف القدرة الشرائية للمجتمع.
4. التحديات الأمنية
أ. الصراعات والحروب
الأثر:
تدمير البنية التحتية وهروب السكان يؤديان إلى تعطيل الأسواق المحلية.
أمثلة: الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والحرب الأهلية في إثيوبيا.
التأثير على الشركات الصغيرة:
تراجع النشاط الاقتصادي.
فقدان العمالة المدربة بسبب النزوح والهجرة.
ب. الإرهاب والجماعات المسلحة
الأثر:
انعدام الأمن يجعل بعض المناطق غير صالحة للاستثمار أو تشغيل الشركات.
الجماعات المسلحة تستهدف الشركات لابتزازها مالياً.
الإحصائيات:
تقرير عام 2023 يشير إلى أن الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي وحدها تسبب بخسائر اقتصادية تجاوزت 50 مليار دولار خلال العقد الماضي.
ج. التهديدات البيئية
الأثر:
الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات تؤثر بشكل مباشر على الشركات العاملة في الزراعة والصناعات ذات الصلة.
5. التحديات الثقافية والمجتمعية
أ. الموروثات الثقافية السلبية
الأثر:
بعض الثقافات المحلية تعيق تمكين النساء في ريادة الأعمال.
عدم قبول الابتكارات الجديدة يؤدي إلى مقاومة التحول الرقمي أو الاعتماد على التكنولوجيا.
ب. غياب شبكات الدعم المجتمعي
الأثر:
غياب تعاون المجتمعات المحلية لدعم المشاريع الصغيرة يضعف استدامتها.
التوصيات للتغلب على التحديات
1. تعزيز الاستقرار السياسي
بناء مؤسسات حكومية قوية ومستدامة.
تفعيل سيادة القانون ومكافحة الفساد بشفافية.
2. تحسين التمويل والبنية التحتية
إنشاء صناديق تمويل خاصة للشركات الصغيرة بفوائد ميسرة.
تطوير شبكات الطرق والنقل لتسهيل الوصول إلى الأسواق.
3. دعم التعليم والتدريب
تنفيذ برامج تدريبية موجهة لريادة الأعمال والإدارة.
التركيز على تعزيز تعليم المرأة والشباب.
4. تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب
توفير حوافز استثمارية للمناطق المتأثرة بالصراعات.
تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة الإرهاب.
5. تمكين الفئات المهمشة
ضمان تكافؤ الفرص للجميع بغض النظر عن العرق أو الدين.
تطوير سياسات لدعم المجموعات الأقل تمثيلاً في الاقتصاد.
أخيرا، تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا. إلا أن مواجهة التحديات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والأمنية التي تعيق نموها يتطلب تعاونًا مستدامًا بين الحكومات، القطاع الخاص، والمؤسسات الدولية. من خلال تنفيذ سياسات داعمة وشاملة، يمكن تمكين هذا القطاع ليصبح قوة دافعة لتحقيق التنمية والاستقرار في القارة الإفريقية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
