أعلن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن عدد سكان القارّة الإفريقية بلغ مليار و460 مليون نسمة سنة 2023، أي ما يمثل 18.1% من سكان العالم الذى يبلغ (8.045) مليار نسمة فى نفس العام. كما أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم (9.709) مليار نسمة بحلول عام 2050 بزيادة سكانية قدرها 1.664 مليار نسمة مقارنة بعام 2023، مع الملاحظة أن الزيادة السكانية في إفريقيا ستمثل القسط الأكبر من الزيادة العالمية بين 2023 و2050، إذ من المتوقع أن تمثل إفريقيا ربع سكان العالم (25،6℅) في منتصف القرن الحالي.
وهو ما تشير إليه الدراسات الاستشرافية بكونه ثروة بشرية لا تُقدّر بثمن، خاصة وأنه يوجد بإفريقيا أصغر عدد من السكان في العالم، حيث أن أكثر من 60℅ من سكانها تقلّ أعمارهم عن 25 عامًا.
ويمثل هؤلاء الشباب فرصًا وتحدّيات للقارة، حيث يتطلب استثمارًا كبيرًا في التعليم والرعاية الصحية والتشغيل للتأكد من أن هذه الديموغرافية الكبيرة يمكن أن تُسهم بشكل مفيد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإفريقيا والنهوض بالقارّة والخروج بها نهائيا من وضعها المُزرى الراهن الذي لا يستفيد من إمكانياتها الضخمة بل يتركها فريسة لاستغلال الدول الكبرى وشركات النهب العالمية التي تعمل على تأبيد حالة التخلف والتبعية لأقطار إفريقيا.
- ثروات طبيعية طائلة عرضة للنّهب الامبريالي
والى جانب هذه الثروة البشرية، ورغم النهب الذي تعرّضت وتتعرّض له القارّة منذ بدايات العصر الاستعماري، مازالت إفريقيا تتوفّر على كمّ من الثروات الطبيعية تُسيل لعاب الجميع، وهي محلّ رصد وإحصاء من كبري المؤسسات ومراكز الدراسات في مختلف عواصم الدول الكبرى. فهذه وكالة التنمية الدولية الفرنسية تنشر تقريرها السنوي الخاص بالقارة تحت عنوان “الاقتصاد الإفريقي 2024” والذي يستعرض، من بين ما يستعرض، ما تزخر به إفريقيا من ثروات طائلة، خاصة أمام التهديد الذي أصبح يطال المنافع والمصالح الضخمة التي تحققها الشركات الفرنسية جرّاء نهب الموارد الطبيعية لبلدان وسط وغرب إفريقيا التي كانت مستعمرات فرنسية مباشرة، ولا تزال خاضعة للنفوذ الفرنسي، بفعل منافسة دول أخرى لها نخصّ بالذكر منها روسيا والصين، ودول عديدة أخرى. والقارة الإفريقية التي تبلغ مساحتها ثلاثين مليون كيلومتر مربّع، تعتبر أكثر القارات ثراء من حيث المواد الأولية والموارد الطبيعية. لذلك يعتمد اقتصادها على الأنشطة الاستخراجية لموارد الطاقة والمعادن والزراعة والقليل من السياحة في إطار التقسيم العالمي للعمل القائم على علاقات لا متكافئة بين الدول الامبريالية والدول التابعة. ويذكر التقرير الذي أشرنا إليه أعلاه أن إفريقيا تمتلك نحو ثُلُث احتياطيات العالم من أهم المعادن، ونحو 30% من الاحتياطي العالمي من اليورانيوم و25 %من إنتاج الذهب و50% من احتياطي الذّهب في العالم و 12% من احتياطي النفط العالمي و 10% من إجمالي احتياط الغاز العالمي، فضلا عن نسبة كبيرة من احتياطات العالم من الماس والكروم والبلاتين واليورانيوم، وهي ثروات تستغلّها الشركات العابرة للقارات والدّول الأجنبية، باستثمارات ضئيلة.
- أفريقياعالم قائم بذاته يحتاج لكسر قيوده وتحرير مستقبله
فدائما ما كانت الموارد الطبيعية التي تمتلكها القارة الأفريقية سببًا جوهريا في نكبتها، بدءًا من الحقبة الاستعمارية التي شهدت استنزافا مباشرا الموارد القارة، وصولا إلى الألفية الثالثة التي أصبح فيها الاستنزاف مقنن دوليًا، فحصول معظم الدول الأفريقية على استقلالها في خمسينيات القرن الماضي لم يكن بمثابة نهاية للدور الخارجي المتحكم في شؤونها، ولكن ظل هذا التحكم قائماً عبر ممارسات الشركات متعددة الجنسيات التي لم يعد تأثيرها مقتصرا على الجانب الاقتصادي فحسب؛ لكنه انعكس بشكل واضح على الجانب السياسي بدول القارة، فأصبحت تمثل احتكارات استعمارية أو ما أصبح البعض يسميه استعمار العصر». وما زالت القارة الأفريقية تمثل بيئة مناسبة لتهافت الفاعلين من الدول وغير الدول بما تملكه من ثروات البلاتين والذهب والماس واليورانيوم، والنفط. ورغم أن هذه الموارد من شأنها أن تشكل دافعا ومحفزا نحو الانتقال لوضع أكثر تفاؤلا بين البلدان المتقدمة، إلا أنها في المقابل استغلت في تغذية الصراع وتنامي الانقسامات بين القبائل الأفريقية المختلفة. وهكذا امتلأت أفريقيا بالاحتكارات من الشركات، باستعمار العصر
- التنافس الدولي علي القارة الأفريقية كانت القارة الأفريقية – ومازالت –
محلا للمنافسة بين القوى الدولية الكبرى لعهود طويلة، وخضعت لسياسات عدة في ضوء هذه المنافسة؛ فقد أطلق عليها أثناء تجارة العبيد اسم «مثلث الأطلنطي للتجارة»، ثم في أواخر القرن التاسع عشر تدافعت القوى الأوروبية للسيطرة على القارة الأفريقية فيما أطلق عليه: «التكالب الاستعماري على أفريقيا» والذي كرسه مؤتمر برلين 1884. وفي أواخر خمسينيات وستينيات القرن العشرين بدأت الدول الأفريقية تحصل على استقلالها تباعا.
ورغم تراجع أهمية ومكانة القوى الأوروبية التقليدية التي كانت تسيطر على أفريقيا إلا أن التنافس الدولي في القارة استمر مع تغير الفاعلين الرئيسيين.
ففي ظل نظام القطبية الثنائية الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية حلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق محل القوى الأوروبية التقليدية مع اعتراف الولايات المتحدة بمصالح تلك القوى التقليدية في القارة الأفريقية؛ فقد انتقل الصراع بين القطبين في مرحلة الحرب الباردة إلى الساحة الأفريقية أخذت القارة الأفريقية تكتسب بعدا استراتيجيا متزايدا في السنوات القليلة الماضية على الرغم من التهميش والإبعاد الذي عانت منه في العقود السابقة ولاسيما بعد رحيل الاستعمار الأوروبي في منتصف وأواخر القرن الماضي.
وكان انتهاء الحرب الباردة دافعا لتغير صور ومظاهر الاهتمام بالقارة مع دخول عناصر جديدة اهتمت بالتواجد الاقتصادي في القارة الصين واليابان، وغيرهما من الدول المتوسطة مثل إيران).
وقد فرضت الأهمية التي تتمتع بها القارة إضافة إلى المعطيات الدولية على عدد من القوى العالمية ولاسيما الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الدخول في حلبة تنافس لحجز موطئ قدم لها بما يحقق مصالحها ويفتح لها آفاقا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
وفي هذا الإطار، فقد كان من اللافت جدا أن تشهد القارة زيارة رؤساء هذه الدول الثلاث لعدد من الدول فيها خلال أربعة أشهر فقط من العام المنصرم
يشكل ملف السلاح عنصر ربط نزاع بين روسيا وأمريكا في أفريقيا على اعتبار أن القارة الأفريقية لوحدها تضم أكثر من 40 % من النزاعات المسلحة العالمية التي تحصل سنويا، تتوزع على أكثر من 20 دولة في القارة. وتشير التقديرات إلى أن كلفة النزاعات المسلحة على التنمية الأفريقية بلغت من العام 1999 وحتى 2003 حوالي 250 مليار دولار، وأن النزاعات المسلحة قلصت من حجم الاقتصاد الأفريقي بنسبة 15 % وكبدته خسائر سنوية تقدر بـ 18 مليار دولار أما أكثر المناطق الخاضعة لأعلى درجة منافسة فهي القرن فهي القرن الأفريقي
- من وسائل تنافس الدول الكبري علي أفريقيا
1_ التحالفات والاتفاقيات بين الدول المتنافسة
2_التحالفات الاستراتيجية بين الدول المتنافسة وتلك المتنافس عليها
3_السباق نحو التسلح
4_المؤتتمرات والقمم
5_التعاون لمحاربة التيارات والحركات التي تسمي بالإسلامية
6_زيارات رؤساء الدول المتنافسة
لم تقتصر المنافسة علي الدول الكبري فقط كأمريكا والصين ولكن دخلت الدول متوسطة الشأن أيضا المنافسة كإيران وغيرها من الدول .
- فيمايلي سنتحدث بشئ من التفصيل عن أهم هذه الزيارات.
أولا : الزيارات الأمريكية
خلال القرن الواحد والعشرين، قام العديد من رؤساء الولايات المتحدة بزيارات رسمية إلى الدول الأفريقية بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية وزيادة نفوذ أمريكا داخل القارة . وابرز هذه الزيارات
1 _ جورج بوش الابن
قام الرئيس جورج بوش بزيارتين رئيسيتين إلى أفريقيا خلال فترة رئاسته. في عام 2003، زار خمس دول أفريقية: السنغال، جنوب أفريقيا، بوتسوانا، أوغندا، ونيجيريا، حيث ركزت الزيارات على تعزيز الشراكات الصحية والاقتصادية، بما في ذلك إطلاق برنامج الرئيس الطارئ للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) الذي كان له أثر كبير في مكافحة الإيدز في أفريقيا عاد بوش إلى أفريقيا مرة أخرى في عام 2008، وزار ليبيريا وغانا وتنزانيا ورواندا ركزت تلك الجولة على تعزيز التعاون في مجالات الصحة والتنمية الاقتصادية
2 _ باراك اوباما
الرئيس أوباما، أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي، قام بثلاث زيارات رئيسية إلى أفريقيا. في عام 2009، زار غانا في أول جولة أفريقية له، حيث ألقى خطابًا تاريخيًا في البرلمان الغاني عن الديمقراطية والتنمية في عام 2013، قام بجولة أوسع شملت السنغال، جنوب أفريقيا، وتنزانيا. كانت تلك الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية ودعم التنمية المستدامة.في عام 2015، عاد أوباما إلى أفريقيا وزار كينيا، مسقط رأس والده، وكذلك إثيوبيا، حيث أصبح أول رئيس أمريكي يزور الاتحاد الأفريقي
3_ دونالد ترامب
لم يقم الرئيس دونالد ترامب بزيارة رسمية إلى أفريقيا خلال فترة رئاسته، لكن إدارته ركزت على العلاقات الاقتصادية، وخاصة من خلال مبادرة “ازدهار أفريقيا” لتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية ورغبة أمريكا في زيادة نفوذها داخل القارة الأفريقية
4 _ جو بايدن
على الرغم من عدم زيارة الرئيس بايدن لأفريقيا حتى الآن خلال فترة رئاسته الأولى، فقد أرسل عدة مسؤولين رفيعي المستوى إلى القارة، بما في ذلك نائبة الرئيس كامالا هاريس والسيدة الأولى جيل بايدن في عام 2023. ومع ذلك، من المتوقع أن يقوم بزيارته الأولى إلى أفريقيا في أكتوبر 2024، حيث سيزور أنغولا لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني
تُظهر هذه الزيارات رغبة أمريكا زيادة نفوذها في القارة الأفريقية من خلال العلاقات السياسية والاقتصادية وتعد كل هذه الزيارات نوع من أنواع الاستعمار في القرن الواحد والعشرين .
ثانيا : الزيارات الروسية
خلال القرن الواحد والعشرين، قام رؤساء روسيا بعدة زيارات مهمة إلى أفريقيا، في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين روسيا والدول الأفريقية. وفيما يلي أبرز تلك الزيارات :
1 _ فلاديمير بوتين
كانت أول زيارة للرئيس بوتين إلى أفريقيا خلال فترة رئاسته في عام 2006، حيث زار جنوب أفريقيا. تمحورت الزيارة حول تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وناقش بوتين القضايا المتعلقة بالطاقة والتعاون في المجالات العسكرية والدبلوماسية
في أكتوبر 2019، استضاف بوتين القمة الروسية الأفريقية الأولى في مدينة سوتشي الروسية. حضر هذه القمة عدد كبير من القادة الأفارقة، وكان الهدف منها تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري. تعد هذه القمة علامة فارقة في تطور العلاقات الروسية مع القارة الأفريقية، وركزت على توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا في مواجهة التنافس مع القوى الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة
في 2023 زار الرئيس بوتين بعض الدول الأفريقية بشكل افتراضي خلال القمة الروسية الأفريقية الثانية التي عُقدت أيضًا في سانت بطرسبرغ. تمحورت المناقشات حول الأمن الغذائي، التعاون العسكري، والدبلوماسية، خاصة في ظل الصراع الأوكراني
2 _ دميتري ميدفيدي
في عام 2009، زار الرئيس الروسي حينها دميتري ميدفيديف عدة دول أفريقية، منها مصر ونيجيريا وأنغولا وناميبيا. كانت هذه الجولة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون في مجالات الطاقة، حيث ركزت المحادثات على التعاون في مجال النفط والغاز بين روسيا وهذه الدول
تهدف زيارات الرؤساء الروس إلى أفريقيا إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية، خاصة في مجالات الطاقة والمعادن، وكذلك توسيع النفوذ العسكري والدبلوماسي في القارة، في إطار منافسة القوى العالمية الأخرى مثل الصين وأمريكا
ثالثا : الزيارات الصينية
زيارات رؤساء الصين إلى أفريقيا في القرن الواحد والعشرين تعكس استراتيجية الصين لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع القارة. تطورت هذه العلاقات في سياق مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز التجارة بين الصين والدول النامية، بما في ذلك الدول الأفريقية. فيما يلي بعض المحطات المهمة لرؤساء الصين في أفريقيا
1 _ هو جينتاو (2003-2013):
خلال فترة ولايته، قام هو جينتاو بالعديد من الزيارات إلى أفريقيا لتعزيز العلاقات الثنائية زار القارة في عام 2004 و2006، مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي وتقديم المساعدات التنموية في عام 2006، شهدت العلاقات طفرة مع إطلاق منتدى التعاون الصيني الأفريقي وهو حدث بارز جمع قادة من 48 دولة أفريقية لتعزيز الشراكات الاقتصادية
_2شي جين بينغ (2013-حتى الآن)
منذ توليه السلطة في عام 2013، زار شي جين بينغ أفريقيا عدة مرات. زار القارة في 2013 و2015 و2018
في عام 2018، زار العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك السنغال ورواندا وجنوب أفريقيا، حيث حضر قمة بريكس وألقى خطابات تتعلق بتوسيع المبادلات التجارية والتعاون الاستثماري
في عام 2015 و2021، خلال قمم منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) أعلنت الصين عن استثمارات ضخمة وقروض ميسرة لتمويل مشاريع البنية التحتية في أفريقيا
- أهم القضايا التي تركز عليها الصين في أفريقيا
التجارة والاستثمار: الصين هي الشريك التجاري الأكبر للقارة الأفريقية، حيث تستورد الصين المواد الخام والموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن، وتصدر السلع المصنعة
البنية التحتية: من خلال مشاريع مثل مبادرة “الحزام والطريق”، تمول الصين العديد من مشاريع البنية التحتية، مثل بناء السكك الحديدية والمطارات والموانئ في أفريقيا
التنمية الاقتصادية: تقدم الصين مساعدات مالية وتقنية لعدد من الدول الأفريقية لدعم التنمية في مجالات الزراعة والتعليم والصحة
الدبلوماسية والسياسة: تعمل الصين على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول الأفريقية كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها العالمي
هذه الزيارات تسلط الضوء على الطموح الصيني لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع أفريقيا
التنافس الدولي
حاولت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تثبيت أقدامها في أفريقيا من خلال كسب التحالفات وإنشاء القواعد العسكرية مثلا أفريكوم كالية المحاربة الإرهاب في أفريقيا 2007، ومعها اشتدت المنافسة الغربية على أفريقيا بين القوى التقليدية (فرنا – إنجلترا – بلجيكا – البرتغال – إيطاليا) والولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب فقط في تأمين تدفق النفط إليها والبحث عنه، بل استقرار أسعاره وتأمين طرق وصوله وحمايته من الأخطار ومنع وصول القوى المنافسة إليه، لتتفرد بذلك التصور عن القوى الأخرى المتنافسة حول النفط الأفريقي
- القواعد العسكرية في أفريقيا.
سيشهد العالم فيما يبدو تنافسا حاميا في انتشار القواعد العسكرية خلال السنوات الخمس القادمة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وسيكون الزي العسكري الصيني والروسي مألوفا في عدة دول، مع تخطيط بكين وموسكو لإنشاء قواعد بحرية في عدة قارات، وفق تحذير أميركي.
- القاعدةالأمريكية أفريكوم Africom
تشكل القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إحدى القيادات العسكرية الأساسية لوزارة الدفاع (البنتاغون)، والمسؤولة عن العلاقات العسكرية والعمليات في 53 دولة أفريقية. تأسست هذه القيادة على خلفية تزايد الاهتمام الأميركي بأفريقيا بعد هجمات 11 سبتمبر وفي ضوء التوسع الصيني. وشهدت تطورا ملحوظا مع إنشاء مرافق دعم عبر القارة، تمهيدا لتعزيز السيطرة والنفوذ الأميركي في هذه الرقعة الإستراتيجية من العالم من الأحداث الحاسمة التي بلورت الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا كانت الهجمات في السابع من أغسطس 1998، حيث وقعت انفجارات متزامنة في السفارات الأميركية في نيروبي، وكينيا، ودار السلام، وتنزانيا، أسفرت عن مقتل 224 شخصا، بينهم أميركيون، وإصابة أكثر من 4500 آخرين، تبناها تنظيم القاعدة. بسبب عدم وجود قاعدة عسكرية أميركية دائمة في أفريقيا آنذاك، اضطر ما يزيد على 900 عميل من مكتب التحقيقات الفيدرالي للسفر إلى المنطقة للمساعدة، مما عزز دعوات تحسين الاستجابة الأميركية للتهديدات في أفريقيا وفي يناير 2000، كتب ضابط عسكري أميركي يُدعى ريتشارد جي كاتوار تقريرا بعنوان “لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إعادة النظر في خطة القيادة الموحدة”، مقترِحا إنشاء قيادة أفريقية مستقلة عن القيادة الأوروبية المركزية بعد مراجعة الوضع الأمني العالمي ومقترحات تقرير كاتوار، بدأ البنتاغون بتبني فكرة تأسيس قيادة أمنية موحدة في أفريقيا، ممهدا الطريق لإنشاء “أفريكوم” التي تم إعلان جاهزيتها الكاملة في أكتوبر 2008
- القاعدةالعسكرية الروسية في أفريقيا
في عام 2017 بدأت روسيا مفاوضات مع السودان للحصول على قاعدة عسكرية في بورتسودان، ولكن الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في 2019 أحبطت المخططات الروسية، لكن موسكو لم تتخلى عن خططها في الحصول على قاعدة عسكرية تثبت بها وجودها في القارة السمراء ومازالت المشاورات مستمرة بين الخرطوم وموسكو لانشاء قاعدة عسكرية روسية في ولاية البحر الاحمر وتعمل روسيا علي تثبيت أقدامها داخل القارة الافريقية من خلال هذه القواعد العسكرية ، وتحقق الحلم المؤجل من 2017 في 2024 بحصولها على قاعدة في إفريقيا الوسطى هذه الخطوة تساعد موسكو على مد نفوذها في القارة من جانب، ومن جانب آخر تعمل على حماية الاستثمارات التي تعمل على ضخها في بعض دول القارة التي شهدت تراجع للنفوذ الفرنسي فيها، وتحاول روسيا أن تضع أقدامها مكان الفرنسيين وتعد جمهورية أفريقيا الوسطي مؤيد متحمس لروسيا الاتحادية.
- القاعدة العسكرية الصينية في أفريقيا
يمكن القول إن السياسة الصينية انتقلت في السنوات الأخيرة خصوصا في عهد الرئيس شي جين بينغ من السياسة المتحفظة إلى سياسة أكثر مبادرة تهتم بتطوير العلاقات الخارجية ومحاولة تحقيق الأهداف الإستراتيجية للجمهورية، بعيدا عن التحالفات العسكرية والاقتصادية وسياسات المحاورتعتمد السياسة الخارجية الصينية المعلنة مبدأ المنفعة المتبادلة تحت عنوان الكل رابح وترتكز على مبادرة الحزام والطريق التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ عام 2013 مستلهمة طريق الحرير التاريخي، وترسم تحركاتها ضمن الخطط الهادفة لإنجاح هذه المبادرة
زاد اهتمام الصين بالقارة الأفريقية في السنوات الأخيرة، باعتبارها منطقة إستراتيجية لأمن بكين الاقتصادي والبحري، إذ تمر غالبية التجارة المنقولة بحرا بين الصين وأوروبا عبر مضيق باب المندب، وهو ما يعرّض تجارة الصين من الطاقة والسلع لخطر الانقطاع أو القرصنة والتوترات الإقليمية وشجع ذلك فكرة التوسع العسكري خارج النطاق الإقليمي للصين وزيادة اهتمامها بدول القارة السمراء خاصة تلك الواقعة على البحر الأحمر، فعملت على تطوير علاقاتها مع تلك الدول، وأنشأت أول قاعدة عسكرية صينية خارجية في جيبوتي، المعروفة أيضًا باسم قاعدة الدعم اللوجستي، هي أول قاعدة عسكرية صينية خارج حدود الصين. افتُتحت في عام 2017، وتهدف إلى دعم العمليات العسكرية الصينية في المنطقة، بما في ذلك مكافحة القرصنة وحماية المصالح الصينية في أفريقيا والشرق الأوسط. تعد القاعدة جزءًا من استراتيجية الصين الأوسع لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في العالم.
- جيبوتي والقواعد العسكرية
تكتظ جيبوتي مع ضآلة مساحتها بحشد من الوجود العسكري الأجنبي، يتمثل بـ6 قواعد عسكرية أجنبية، تعود إلى كل من فرنسا والولايات المتحدة واليابان والصين وإسبانيا وإيطاليا. وتسعى هذه الدول من خلال قواعدها العسكرية إلى حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري، إلى جانب الأهداف المعلنة كالتصدي لظاهرة القرصنة ومكافحة الإرهاب وتأمين الطريق التجاري البحري المار بالبحر الأحمروتضم جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا، والقاعدة العسكرية الوحيدة للصين خارج حدودها، وأول قاعدة عسكرية خارجية لليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وأهم وحدة عسكرية فرنسية في أفريقيا.كما تستضيف قوات تابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (NATO)، وقوات عسكرية دولية مشتركة تعمل في إطار جهود مكافحة القرصنة، وتسعى دول عديدة، منها: روسيا والهند والإمارات والسعودية لتأسيس قواعد عسكرية لها في البلاد وقد ظهر الوجود العسكري الأجنبي في جيبوتي منذ تأسيس المحمية الفرنسية في ثمانينيات القرن الـ19 وتمكنت فرنسا من الاحتفاظ بقاعدة عسكرية لها عقب استقلال البلاد عام 1977، وظلت تلك القاعدة هي الوحيدة حتى مطلع القرن الـ21، حين بدأ الحضور العسكري الأجنبي يغزو البلاد بشكل ملحوظ، وقبل مضي العقد الثاني من القرن الـ21، أصبح احتضان قواعد عسكرية أجنبية ظاهرة جليّة في جيبوتي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب