رأي

ولاء جمال تكتب.. مستقبل الدبلوماسية في ظل تنامي دور الفاعلين من غير الدول 

يلعب الفاعلون من غير الدول دورًا مهمًا في العالم وخصوصًا في المنطقة العربية، لاسيما بعد أن أصبحت الدولة ليست هي الفاعل الوحيد المؤثر في العلاقات الدولية. فتولدت أنماط جديدة لفاعلين جدد مؤثرين على المنطقة وتنامت أدوارهم كما أصبحوا يمثلون تهديدًا للأمن والاستقرار على الصعيدين الداخلي والخارجي، وثمة عدة أسئلة عن سبب تنامي دور تلك الفواعل وزيادة حدة تأثيرها. فقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا ضد الإرهاب، وهي حرب ممتدة إلى الآن، وعلى الرغم من ذلك، حافظت تلك الجماعات على استمرارها، ليس هذا فحسب بل تمكنت طالبان، التي كانت أحد هذه الفواعل في يوم من الأيام، من السيطرة على السلطة في أفغانستان بعد انهيار الجيش الأفغاني والانسحاب الكارثي للولايات المتحدة من أفغانستان، مما أضر بسمعتها وساهم في تنامي قوة الجماعة وتحقيق أهدافها. 

وخلال الفترة من 2013 إلى 2017، سيطر داعش على مساحات كبيرة من أراضي كل من سوريا والعراق، ولم تتم هزيمتهم إلا من خلال حملة عسكرية واسعة بمشاركة أطراف دولية عديدة. كذلك، في عام 2014، سيطر الحوثي (جماعة أنصار الله) على العاصمة صنعاء، ومنذ مارس 2015 تخوض الميليشيا الحوثية حربًا ضد الجيش اليمني المدعوم من جانب تحالف دعم الشرعية في اليمن. 

أولًا: ماهية الفاعلين غير الدوليين 

بدايةً، نشير إلى أن المقصود بالفاعل (Acteur) هو كل سلطة أو جهاز أو جماعة أو حتى شخص قادر على أن يلعب دورًا على المسرح الدولي، وقد يتطلب لعب هذا الدور اتخاذ قرار ما أو الإتيان بفعل. وهو ما يؤكد أن الفواعل الذين تدور بينهم العلاقات الدولية متنوعون بقدر ما هم متعددون. تمارس هذه الجماعات أنشطتها بعيدًا عن سيطرة الدولة، مثل: المنظمات الإرهابية، والتنظيمات الجهادية المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة، والميليشيات المسلحة، وغيرها. 

ثانيًا: أبرز الفاعلين المسلحين في العالم العربي 

يعج الوطن العربي بالكثير من تلك الجماعات، وخاصة بعد ثورات الربيع العربي وازدياد أنشطتهم، وتنوع خريطة الفاعلين. تصنف هذه الجماعات إلى عدة أنماط، منها الهجينة متعددة الهويات والأدوار، حيث يستند التنظيم فيها إلى أكثر من هوية ويقوم بعدة أدوار في الوقت نفسه، كحزب الله في لبنان، الذي يمتلك قدرات عسكرية كبيرة وجهازًا تنفيذيًا وإداريًا ضخمًا، وله مؤسسات إعلامية، وينتهج سياسة خارجية قد تتعارض مع السياسة الرسمية للدولة. ورغم تصنيف الحزب لنفسه كحركة مقاومة، فإن دولًا عربية وغربية تصنفه كمنظمة إرهابية. كذلك، نجد التنظيمات الجهادية، سواء المحلية أو العابرة لحدود الدول مثل داعش والقاعدة. 

ثالثًا: أسباب تصاعد دور الفاعلين غير الدوليين 

ثمة عدة أسباب أدت لتنامي دور الفاعلين من غير الدول داخل الوطن العربي، منها: 

تصدع الدولة الوطنية في بعض البلدان العربية واستمرار حالة الهشاشة بها، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، حيث تفككت السلطة المركزية وانهارت أجهزة الدول ومؤسساتها، مما خلف حالة من الفراغ السياسي والأمني سمحت لتلك المنظمات بالظهور. 

استعانة بعض الدول بالجماعات المسلحة في حروبها. فمثلًا، استعانت حكومة المالكي في العراق ببعض الكتائب المسلحة الموالية لإيران بعد سقوط الموصل في يد تنظيم داعش عام 2014، ومنها تشكل الحشد الشعبي. وفي ليبيا، استعانت حكومة السراج بعدد من الميليشيات المسلحة في حروبها ضد الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر. وفي اليمن، نجد جماعة الحوثي. 

دعم أطراف خارجية للجماعات المسلحة لأهداف توسعية، كما فعلت إيران التي تقدم الدعم المادي والعسكري للكثير من أذرعها في بعض البلدان العربية كالعراق واليمن. 

مستقبل الدبلوماسية الراهنة 

الملاحظ اليوم أن التصور التقليدي الذي يتألف فيه النظام العالمي من مجموعة من الدول ذات السيادة لم يعد يصمد أمام اقتحام المجتمعات للعبة العالمية، فتغير الانتماءات وتجزئة السياسة الخارجية يؤديان إلى تفكيك الأطر القومية. امتد ذلك ليشمل مجالات كالهجرة والدين وشبكات المافيا والجريمة المنظمة ورأس المال والاستثمارات الخاصة. 

اليوم، ومع استبعاد المفهوم التقليدي للدبلوماسية، يُطرح تساؤل: كيف تُعالج قضايا العالم؟ فقد برز كذلك فاعلون دوليون جدد بفعل تحول الدبلوماسية نحو المجالين الاقتصادي والتجاري، مثل البنوك المركزية ووزارات المالية والتجارة التي كانت في السابق تعمل في ظل وزارات الخارجية. يضاف إليهم الفاعلون الخواص، مثل الشركات متعددة الجنسيات، والمتدخلون في الأسواق المالية التي أصبح دورها يتصاعد شيئًا فشيئًا على حساب الهيئات الحكومية. 

ختامًا 

إن الحديث عن حل الميليشيات والتنظيمات المسلحة ونزع أسلحتها وإعادة دمج بعض عناصرها في القوات النظامية في دول مثل سوريا وليبيا واليمن يصبح بلا معنى في ظل عدم وجود تسوية سياسية مقبولة تمثل أرضية ملائمة لذلك. نحتاج إلى سلطة قوية تحظى بدعم محلي ودولي، بحيث تكون قادرة على تنفيذ استحقاقات ومتطلبات مرحلة ما بعد الصراع، مثل إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية على أسس وطنية احترافية، ونزع سلاح الميليشيات، وتنفيذ خطط لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، وتحقيق العدالة الانتقالية، وتأكيد الطابع المدني للدولة من خلال تطبيق أسس المواطنة وسيادة القانون. 

وإلا، فما هو مستقبل هذا الجنين المشوه وهو يولد خارج الرحم الدبلوماسي الطبيعي؟ هل سيُفْرَش له السجاد الأحمر لاحقًا؟ 

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى