رأي

محمد الأمين أبوزيد يكتب.. العقل المأزوم والمتصلب بين استدامة الحرب والحل السياسى

المتتبع الحصيف لمسيرة الحرب فى السودان يستطيع بسهولة أن يؤشر عقل الأزمة والعقل المتصلب الذى يقود هذه الحرب على كل المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ان مصطلح العقل المأزوم يشير إلى مجموعة من التصورات والأنماط الفكرية التى تظهر فى أوقات الأزمات هذا العقل غالبا مايتسم بالتركيز على الحلول السريعة والانية ويتجاهل الحلول المستدامة عند التعامل مع القضايا والمشكلات.مما يؤدى إلى إتخاذ قرارات غير مدروسة ناتجة عن الضغط الكبير والابتزاز.

اقرأ أيضا: محمد الأمين أبوزيد يكتب.. قمة ترامب  بوتين.. ترتيب أولويات أم سايكس بيكو جديدة؟

قد يظهرهذا العقل فى ردود الفعل المبالغ فيها أو القرارات القسرية دون التفكير فى العواقب المستقبلية.
عقل الأزمةمصطلح يشير إلى الطريقة التى يفكر بها الأفراد والجماعات اثناء الازمات والحروب ويتميز بعدة سمات اهمهاالتركيز على الحلول الفورية بالاستجابة العاطفية العالية واتخاذ للقرارات تحت الضغط والتكيف والمرونة بما يقتضى تعديل الخطط وفقا لتغير الظروف وأخيرا التواصل المكثف حيث يصبح تدفق المعلومات أمر بالغ الأهمية.
ان التوصيف المشار إليه هو الذى يسم العقلية التى تدير الحرب فى السودان والمنظومات التى تقف خلفها والجماهير المحشودة بالشعارات المضللة التى تخفى خلفها الأهداف الحقيقية للحرب وخطابها السياسى والتعبوى الإعلامى.
*تحليل عقل الأزمة الحربى*
إن التفكير الداعى للحرب يمكن تحليله من عدة مؤشرات نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية.
اولا:فى بعض الحالات يظهر التفكير الداعى للحرب بسبب ايدلوجيات متطرفة اومعتقدات تشجع عل العنف او فرض السيطرة وهذا المؤشر يظهر وبوضوح فى سلوك الجماعات الداعمة لاستمرار الحرب فى السودان.
ثانيا:بعض الأنظمة تتبنى التفكير العدوانى نتيجة لتهديدات متصورة أو حقيقية من قبل قوى أخرى وقد يبرر التفكير بالحرب على أنه وسيلة للدفاع عن النفس او لحماية مصالح إستراتيجية.
ثالثا:تعزيز السلطة وفرض السيطرة والاعتقاد بأن الحرب هى الوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
رابعا:وسائل الاعلام قد تلعب دورا كبيرا فى تحفيز التفكير الداعى للحرب من خلال نشر التحريض والتشويه المتعمد للحقائق والتزييف وتصعيد التوترات.
رابعا:التنافس على الموارد والامتيازات والتحكم بالاقتصاد يدفع الى تبنى التفكير العسكرى والنظر للحرب لتحقيق مكاسب إقتصادية لطرفيها المباشرين أو حلفائهم ومسانديهم المحليين والدوليين.
خامسا:الرغبة فى استعراض القوة وفرض الهيمنة على الآخرين
وممارسة الوصاية يجعل بعض القادة اسيرين لنزعات النرجسية واعتقادهم بامتلاك الحق فى املاء رغباتهم وممارسة الوصاية على الشعب.
سادسا:التورط فى جرائم الفساد والجرائم ضد الإنسانية والتخوف من المحاسبة يدفع القادة العسكريون الى التفكير الداعى للحرب.
سابعا:العزف على وتر إستهداف الهوية الوطنية وتضخيم فكرة نظرية المؤامرة على حساب العامل الداخلى يجعل الكثيرين ينقادون دون وعى وبحمية وطنية لمساندة خيار الحرب بالرغم من أن مقدمات هذا الطرح تتناقض مع الممارسة الفعلية.
ثامنا:غياب المؤسسات يضيق دائرة اتخاذ القرار ويكرس عقلية التقديس والإرهاب.
هذه المؤشرات تنطبق على طرفى الحرب بنسب متفاوتة لكنها أكثر انطباقا على الطرف الداعم لاستمرار الحرب.
*كيف يدير العقل المأزوم والمتصلب الازمة وما المخرج*؟
العقل المأزوم فى سياق إدارة حرب مثل الحرب فى السودان تتسم بتعقيدات تاريخية وجغرافية وعرقية وتشابك مصالح،هذه التوترات تجعل من الصعب اتخاذ قرارات رشيدة ومستدامة،العقل المأزوم قد يتعامل مع الازمة من خلال:
-التهور والعاطفة والتفكير تحت الضغط والتوتر يمكن أن يؤدى الى اتخاذ قرارات غير مدروسة سواء من حيث التصعيد العسكرى او الفشل فى التوصل الى حلول سلمية.
-التخوف من فقدان السلطة حيث أن القادة الذين يشعرون بتهديد مصيرهم السياسى قد يتحولون إلى أسلوب دفاعى عن السلطة مما يجعلهم يفضلون الحلول العسكرية او التصعيد
على حساب الحلول السياسية.
-التضارب بين الاهداف المنشودة والموارد المتاحة مما بدفع بعض الأطراف إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة بهدف تحقيق أهداف لا يمكن تحقيقها بالشكل الفعلى.
-العقل المأزوم فى سياقات الحروب غالبا مايركز على مصالح فئات محددة او زعامات معينة،مما يؤدى إلى إغفال مصلحة المجتمع.
فى النهاية العقل المأزوم يعيق القدرة على التوصل الى حلول سلمية مستدامة ويزيد من تعقيد الصراع.
الحرب تؤدى إلى تفاقم المشكلات الامنية والسياسية وتعمق الانقسامات وتزيد معاناة الشعب التى تتطلب حلول سلمية ومستدامة من خلال الحوار والمفاوضات بين الأطراف المختلفة بدلا من الحرب التى غالبا ماتكون سببا فى مزيد من العنف والتدمير.وقد تنشأ مشاكل جديدة تعيد نفس الصراع فى فسيفساء حروب تلد حروب متناسلة ومتنوعة فى الشكل والمضمون.
من الأفضل للسودانيين ان يسعوا لتحقيق الاستقرار من خلال الحلول السياسية التى تضمن حقوق الجميع وتؤسس لقيام دولة على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والسلام والوحدة والمواطنة المتساوية هذا هو المخرج الذى تحيط به تعقيدات غاية الصعوبة بضوء التطورات السياسية والعسكرية لكنه ليس مستحيلا اذا توافرت الإرادة الوطنية المستقلة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى