رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. من أجل الذين هم أغلى من أن يزج بهم بين عشرية بايدن وعقيدة بوتين

ليبيا تعطي للمتحكم فيها ميزة التغلغل في أفريقيا، والمنطقة العربية. حيث مخزونات المواد الخام، وأسواق الاستهلاك. بعد 2011 أصبحت هي المنطقة الرخوة، لكونها دولة فاشلة، وتفتقد قيادة وطنية.

صنفت أمريكا ليبيا من ضمن الدول الهشة السبع، ونشرت خطة عشرية سمتها:
“استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار على ليبيا” بأربعة أهداف لتوجيه السياسة الدبلوماسية والإنمائية والأمنية (3Ds) هي:
تعزيز انتقالها إلى نظام سياسي موحد ومنتخب ديمقراطيا ومستقر.
دمج الجنوب المهمش، مما يؤدي إلى تأمين الحدود الجنوبية.
إحراز تقدم نحو جهاز عسكري وأمني موحد.
تعزيز البيئة الاقتصادية للنمو المستدام والعادل، والحد من الفساد.

مدعية أن ذلك يمهد للمصالحة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، وللتسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع أكثر من 35 منظمة مدنية من عملائها لو اعتمدت أمريكا هذه الرؤية فور تدمير النظام لكانت تحسب لها، أما اليوم فهي لتحويل ليبيا الى أوكرانيا أفريقيا، لأن وجود الروس فيها يشكل تهديداً لها، ولإمدادات النفط والغاز، في المقابل، وافق بوتين على العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية، مفادها أن أمريكا العدو الأول ومصدر التهديد الوجودي لروسيا، وروسيا سترد بقوة، بما فيها عقيدة ضربات نووية استباقية. وأعلنت بالتعاون مع حليفتيها الهند والصين، تدشين نظام عالمي وهيكلة الاقتصاد الدولي والتحرر من الدولار في التجارة الدولية، وأعلنت أنها -بخلاف الدول الغربية- لا تخبر شركاءها كيف يُفترض أن يعيشوا. ولا تهمش الفقراء والضعفاء بشروط المساعدات على دولهم، وتتضامن مع الدول الأفريقية في سعيها للقضاء على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت بسبب السياسات الاستعمارية، وتعهدت بضمان سيادة واستقلال الدول الأفريقية، على أساس المبدأ الذي صاغه الاتحاد الأفريقي (المشاكل الأفريقية – الحلول أفريقية)، ازداد صراع النفوذ في أفريقيا، وخاصة بعد أن أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للقارة، ومستثمرا في البنية التحتية والتعدين، أمريكا تستضيف القمة الأمريكية الأفريقية من أجل وعود لأفريقيا بتعزيز الاستثمارات والمساعدات والشراكة، وموسكو تتهم واشنطن علنا بمحاولة نسف القمة الروسية الأفريقية المقبلة.

ولحصار الصين تمت دعوة وزراء خارجية دول المحيطين الهندي والهادئ (اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا) إلى قمة “الناتو” القادم، الضغوطات التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية نتيجة الحرب الأوكرانية، والعقوبات المفروضة على روسيا. والشح في إمدادات الطاقة، دفعت الشعوب الأوروبية للانتفاض، اقتناعا بأنها حرب أمريكا ضد روسيا، وأن واشنطن تريد تدمير الاقتصاد الأوروبي. فبدلا من أن تتحول أوكرانيا لنسخة من المستنقع الأفغاني لتدمير الاتحاد الروسي دب الشقاق بين الغرب، لتعارض علاقة أوروبا مع واشنطن ومصالحها مع الصين، أصبح الانفتاح على الصين وآسيا عموما، هو أوكسجين الاتحاد الأوروبي للخروج من الهيمنة الأمريكية، فرأينا هرولة المسؤولين الأوروبيين نحو الصين للتحضير لقمّة الصين الاتحاد الأوروبي التي ستقام في بكين، والمستجد الأهم لنا هو الابتعاد بين أمريكا ودولة الصهاينة نتيجة أربعة أسباب:
استراتيجية: أمريكا لم تعد مهتمة بالشرق الأوسط، بل بالصين وروسيا وإيران.

أيدولوجية: الآن 69 % من الجمهور الأمريكي و90 % من الناخبين الديموقراطيين يدعمون الدبلوماسية بدل القوة العسكرية، وبعد ثلاثين عاما من التفاوض مع الفلسطينيين المقاومة الفلسطينية ازدادت قوة وانتشاراً بما فيها داخل الخط الأخضر.
ديمغرافية: فقد انتهت مقولة الضحية الصغيرة، المحاطة بأعداء. هي الآن قوة معتدية، أظهر استطلاع معهد “غالوب” (ولأول مرة في التاريخ) أن الديمقراطيين يميلون إلى جانب الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين.

دينية: حيث تهمشت العقيدة الإنجيلية التي تؤمن بمعركة هيمرجدون، فبدأت الهجرة العكسية، وماتت أكذوبة أرض الميعاد، وطفت لعنة العقد الثامن لتدمير الدولة الثالثة، بعد أن أفسدوا في الأرض مرتين انتهيا في عقدهما الثامن.

بدأت صياغة جديدة للأمن العربي تغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية، بدأت بعودة سوريا، ووقف الاقتتال العربي، وتعزيز المصالحة السعودية الإيرانية، بفعل الثورة الثقافية والتحرر من هيمنة الأمريكان ودولارها، تصريح الرئيس السيسي بقوله “الدولار سيصبح من التاريخ” ذلك كان إيماءة لدخول مصر والسعودية لمجموعة البريكس وعملتها الموحدة الجديدة.
يجدر بجميع الأطراف الليبية التعقل وإبعاد ليبيا عن دائرة الصراع الدولي، مما يستلزم تنازل الجميع من أجل بقاء ليبيا والالتفاف حول القوات المسلحة لتطهير ليبيا.
بارقة الأمل هو رفض عقلاء مصراتة لإغراءات المال الأمريكي لمهاجمة الجفرة والجنوب.. ومنع استخدام الشباب الليبي كحمير ديناميت لطرد الروس من أفريقيا، مثلما استخدموهم في أفغانستان. فبالتزامن مع طرد الروس فليطرد كل الأجانب من ليبيا ابتداء من مرتزقة (بلاك ووتر) والسوريين، والقواعد الأمريكية والتركية والإنجليزية والإيطالية، وحسن اختيار الحلفاء الاستراتيجيين، والانخراط في قطب بقيادة عربية ينتهج الحياد الإيجابي.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى