د. محمد جبريل العرفي يكتب.. توطين اللاجئين.. أحد الأهداف المجهولة في قسم فبراير الغموس
أقر كثير من زعماء الغرب أنهم هم من قاموا بفبراير، وأن الليبيين كانوا مجرد مخبري إحداثيات، إلا إن كثيرا من الليبيين تنصلوا من مشاركتهم في أحداث فبراير، للغرب أهداف كثيرة من غزو ليبيا؛ فعلاوة على التخلص من نظام تحرري معادٍ للهيمنة الغربية، وتقليص أخطار الإرهاب، ونهب مدخرات ليبيا، فمواجهة الهجرة التي هي أحد الأهداف الرئيسية لمؤامرة فبراير.
ولهذا كان من أهم أهداف الغرب من فبراير، توطين اللاجئين في ليبيا، وخاصة أن ليبيا دولة شاسعة وقليلة السكان وغنية بالثروات، وهي إحدى بوابات الاتحاد الأوروبي على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، وتنشط فيها مافيات تهريب البشر من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فكانت الضغوط شديدة لإجبار ليبيا على التوقيع على اتفاقية 1951 الدولية للاجئين، المعدلة ببروتوكول 1967 التي تحدّد مسؤوليات الدول تجاه اللاجئين؛ منها عدم فرض عقوبات على اللاجئين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية، وألا تطردهم أو تعيدهم قسراً، وضمان حرية ممارسة شعائرهم الدينية وتوفير التربية الدينية لأبنائهم، وصرف بطاقات هوية وجوازات سفر، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم والسكن، وتكفل لهم الحق في الضمان الاجتماعي والتقاعد وتوزيع السلع والتعويض عن الوفاة، وتمنحهم حق حرية التملك والعمل والتنقل واختيار مكان الإقامة، وتكوين الجمعيات والنقابات… الخطورة تكمن في المادة (34) التي تقضي باستيعابهم ومنحهم الجنسية.
كما أن من يشرف على تنفيذ الاتفاقية هي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الجهاز الدولي المسؤول عن تنفيذ الاتفاقية.
لكن الضغوط فشلت في استدراج ليبيا للتوقيع على الاتفاقية – التي إلى الآن لم تدخلها من الدول العربية إلا مصر واليمن – لكونهما دولا طاردة.
اتجه الأوروبيون إلى توظيف منظمات المجتمع المدني للتسلل إلى ليبيا لتوطين المهاجرين، منها منتدى ليبيا للمنظمات الدولية غير الحكومية (LIF) هو شبكة أنشئت عام 2016 تتكون من 23 منظمة غير حكومية دولية منها (اكتيد، يو اس ايد، والمجلس الدانماركي للاجئين، والمجلس النرويجي للاجئين، وغيرها من المنظمات المشبوهة)، وتتخذ من تونس مقرا لها في مبنى سفير ضفاف البحيرة، وفي طرابلس القرية السياحية، وفي بنغازي شارع دبي، ولكون إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تأثرا بالهجرة كانت سباقة في تجنيد منظمات المجتمع المدني لهذا الغرض. ومنها منظمة (آراباتشي) الإيطالية سيئة السمعة التي استدرجت قلة من أهل فزان لغرض توطين اللاجئين، وقدمت إغراءات كمضخات المياه ومولدات الكهرباء وسيارات الإسعاف.
إن ما حصل في الجنوب لم يكن جديدا، فقد سبقته جهود منذ أكثر من عشر سنوات، أذكر أنه أثناء حكومة علي زيدان تقدمت منظمة إيطالية مهتمة بالهجرة لاستصدار ترخيص للعمل في ليبيا، وحيث إن القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، يحتم الحصول على إذن أمني، فقد ماطل نائب رئيس الحكومة للشؤون الأمنية متعمداً البت في الطلب، مما دفع علي الصلابي وعلي الدبيبة للتدخل لتسريع الموافقة، ولهذا توجس المسؤول خيفة ولم يصدر الإذن، فتمت دعوته لاجتماع على رأس وفد من الداخلية رسمي في إيطاليا، ترأس الوفد الإيطالي المفاوض مسؤول أمني في الحكومة الإيطالية، ففوجئ رئيس الوفد الليبي بأن أول ملف على طاولة البحث هو ملف تلك الجمعية، حيث قال رئيس الوفد الإيطالي” الحكومة الإيطالية سبق وأن اتفقت مع ليبيا على تحمل نفقات المهاجرين بقيمة 5 مليارات يورو، ولكن صرفها مربوط بإصدار تصرح لهذه الجمعية بالعمل في ليبيا، عندها استشاط رئيس الوفد الليبي غضباً وألقى في الاجتماع خطبة عصماء وأنهى الاجتماع وقفل عائدا إلى ليبيا. كانت المفاجأة أن اتصل به مكتبه وهو في أجواء البحر المتوسط، وأخبره بأن علي زيدان أصدر قرارا بإعفائه من وظيفة نائب رئيس الحكومة للشؤون الأمنية.
توطين المهاجرين أحد أهداف فبراير، مما سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي وزرع دولة زنجية في الجنوب الليبي تمتد إلى سرت، تفصل شرق الوطن العربي عن مغربه، هذا علاوة على الأمراض الاجتماعية المصاحبة كالسخرة، والاستغلال الجنسي والزواج القسري والتجارة بالبشر، والرق، والتسول القسري، وبيع الأطفال، وتجارة الأعضاء والمخدرات والخطف والحرابة والقتل، ولنا في أحداث الزاوية الآن عبرة، وتمهيدا لذلك تم الشروع في تصنيف ليبيا دولة آمنة يمكن ترحيل اللاجئين إليها، كما يناقش البرلمان الأوروبي كسر بصمة (دبلن) ليصبح بالإمكان ترحيل اللاجئين إلى بلد ثالث غير أوروبي مثل ليبيا.
هذا الخطر المحدق لن تواجهه حكومة منبطحة للأجانب، ومتحالفة مع الميليشيات، ومفرطة في السيادة.