رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. لا رجوع.. فالثورة هي صنع المستحيل

الثورة هي صنع المستحيل، وبالتالي الثورة يمارسها القلة، أبطال التاريخ هم القلة الذين يصنعون الثورات، الثورة قيادة ومشروع، من أدبياتنا أن الثورة مثل حرف القاف تقع في القرن مرة واحدة، أما الانقلاب مثل القاف في الدقيقة تقع مرتين. إن ما قامت به القوات المسلحة العربية الليبية في القرن الماضي وفي هذا القرن ثورتان بالمعنى الحقيقي للثورات.

اقرأ أيضا: ليبيا في أسبوع.. مؤسسة الاستثمار تقاضي شقيق ملك بلجيكا وقبائل جنوبية تعلن وقف إنتاج 3 حقول نفطية

عام 2014 استجاب المشير خليفة لطلبات الجماهير الشعبية الزاحفة على بيته مطالبة له بإنقاذها من الإرهاب وفك رقابها من سيوف الجلادين، قاد ثورة على التنظيمات الإرهابية بدأها بإمكانيات بسيطة وذاتية وبمتطوعين قلة في مواجهة تنظيمات تحتل ليبيا بآلاف الإرهابيين من كل أنحاء العالم المدججين بأقوى الأسلحة، بدأها ببنغازي التي كانت محاصرة بالإرهابيين من كل الجهات، باستثناء الثغرة الوحيدة التي فتحها أبطال برسس، لدرجة أن من يريد السفر إلى اجدابيا غرب بنغازي يتجه شرقا إلى المرج ثم جنوبا عبر الصحراء، ذلك الوضع وتلك المعاناة عاشها معظم الأحياء اليوم.

كانت نتيجة هذه الثورة إلى الآن المحافظة على وحدة التراب الليبي وتطهير ثلثي ليبيا من الإرهاب، وتأمين الحدود من الإرهاب الوافد والجريمة المنظمة، واستعادة بناء جيش قوي وعصري، هذه الإنجازات لا تصنعها إلا ثورة، وتلك التضحيات لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل أو مغيب أو عميل.

ولكونها ثورة وطنية لم يهنأ لقيادتها بال قبل تطهير كامل تراب الوطن وافتكاكه من قبضة التنظيمات الإرهابية والعملاء ومافيات النهب والفساد، أعطت فرصا للحلول السياسية السلمية، وعند فشل الحل السلمي جرت محاولات لإنقاذ الوطن بالقوة، لكن استعانة المستفيد من الانفلات بالأجنبي عرقلت مسيرة تحرير الوطن.

القوات المسلحة أداة لحماية إرادة الجماهير، أحد أدوار القيادة هو تحريض الجماهير للقيام بواجبها، فكانت اللقاءات الجماهيرية المتعددة في كل المناطق المحررة، والتي كان موضوعها الرئيسي دعوة القوة الوطنية لتنظيم صفوفها، واتخاذ زمام المبادرة مع طمأنتها أن قواتها المسلحة ستكون بجانبها لحماية إرادتها، آخر تلك المهرجانات كان اللقاء الجماهيري في بنغازي يوم 24/12/2022 والذي منح فيه القائد العام مهلة سنة لإنهاء معاناة الليبيين، مر من المهلة إلى الآن 198 يوما أي تجاوزنا نصفها، والواضح أنه لا فائدة، استمرت الحوارات الماراثونية وخرائط الإلهاء لإطالة أمد الأزمة، في مقابل تربص العدو التاريخي وخططه لصناعة واقع يخدم مصالحه، وجر ليبيا إلى ساحة للصراع بين الغرب بقيادة الإنجليز والشرق بقيادة روسيا.

هذا الوضع حتم الإعلان في المعايدة عن رسم خطوات عملية ووضع آجال محددة وخاصة في بندين أولهما إقامة العدالة واجتثاث الفساد وثانيهما الاستجابة لإرادة الليبيين في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وقبل ذلك خروج المرتزقة وغل يد السفراء الأجانب من التدخل السلبي في الشأن الليبي واصفا إياهم “بأنهم من صنعوا الأزمة وزرعوا الفتنة وعمقوا الخلافات بين الليبيين”..
موضوع العدالة في توزيع دخل النفط يتماشى مع قرار مجلس النواب ومع الإجراءات القضائية التي شرعت فيها الحكومة بتعيين حارس قضائي على دخل النفط، وكأنه يدار الآن من قبل قُصر غير راشدين، يتزعم هؤلاء عميل الإنجليز المحافظ الصوري للمصرف المركزي، يبذرونه على المرتزقة وتنهبه المافيات، بينما بقية الليبيين يعيشون حياة ضنكا، وبالإضافة إلى حالة الرعب والسلب والخطف والتهريب التي يعيشها الجزء الخارج عن سيطرة القوات المسلحة من غرب الوطن. ذلك الإعلان سرع محاولة الالتفاف الاستباقية التي تمت بتشكيل لجنة ال18 بالقرار 18.

تتسم الثورات بالتصميم على تنفيذ مهاهما فشعارها (لا رجوع)، ولهذا على القوى الوطنية أن تنظم صفوفها للقيام بفعل ثوري غير تقليدي، لأن التجربة المريرة برهنت أن الأساليب العادية لا تفضي لحل مع المتحكمين في المشهد، وأن الثورة هي الحل، رغم أنها كالعملية الجراحية قد تصاحبها دماء، لكنها ضرورية للشفاء.

على القوى الوطنية أن تمتن الحاضنة الاجتماعية للقوات المسلحة وتحميها من أعدائها الظاهرين والمختفين، وتضمن حسن تطبيق القوانين السارية في صون وتنمية المال العام، وغل يد الفاسدين والمنتفعين والمحابين من أي طرف كان.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى