محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-16)
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث
مخلص الحلقة السادسة عشرة
إن الانصراف عن (القرآن الكريم) لصالح الروايات يعد السبب الرئيس في الفرقة والانقسام الحادث، هذا الكلام طرحه وعالجه الأستاذ علي الشرفاء الحمادي في كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، مضيفا إن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من ذلك منذُ أكثرَ من أربعةَ عَشَر قرنًا، وجاء ذلك واضحا في قول الله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قوْمِي اتَّخَذُوا هذَا القرآن مَهْجُورًا)، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم استحدثت روايات وأساطيرُ وحكايات لا تتوافقُ مع كتاب الله، ونسبت زورًا إلى بعض الصحابة وأخلّت بمفاهيم ومقاصد الإسلام.
التفاصيل
في حلقة اليوم من القراءة التحليلية في أفكار الأستاذ علي الشرفاء الحمادي التنويرية سنتناول قضية غاية في الأهمية، وتسببت في الأوضاع المأسوية التي عاشها المسلمون منذ وفاة الرسول حتى اليوم، وهي قضية (هجر المسلمون للقرآن) والتي طرحها وعالجها الكاتب ضمن عدد من القضايا في كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي).
القرآن دستور المسلمين
القرآن الكريم هو دستور المسلمين والذي يجب علينا جميعا أن نضعه في المقدمة، وننحِّي كل النصوص التي تخالفه، مهما سوق لها كاتبوها، فما يخالف القرآن الكريم لابد أن يتم هجره بشكل مطلق دون مبرر، على المسلمين أن يعودوا إلى كتاب الله الذي هجر وترك لصالح الروايات والأساطير.
هجر القرآن
ويتناول الأستاذ علي الشرفاء الحمادي قضية هجر القرآن فيقول، إن مظاهرَ هجرِ القرآن الكريمِ، والانصراف بالروايات عن الآيات هو ما حذّرنا منه سُبحانَهُ وتَعَالى منذُ أكثرَ من أربعةَ عَشَر قرنًا من الزمان على لسان رسوله الكريم حين قال الله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قوْمِي اتَّخَذُوا هذَا القرآن مَهْجُورًا) صدق الله العظيم.
روايات وأكاذيب تنسب للصحابة
ويضيف الكاتب شارحا ذلك بقوله: بعدما استحدثت رواياتٌ وأساطيرُ إسرائيلية وحكايات لا تتوافقُ مع القرآن الكريم نَسَبوهَا إلى بعض صحابته عليه الصلاة والسلام وهي مشكوك في صحتها من الناقل لها ومن المنقول عنه ومن المنسوبة إليه زورًا وظُلمًا.
اختلال المفاهيم
الأستاذ علي الشرفاء يوضح لنا ما تسببت فيه الروايات قائلا: لقد اختلت المفاهيم وأضرتْ بمقاصدِ آيات القرآن الكريم واختلط المعقول باللامعقول والحق بالباطل وأوجدت حالةً من الجدل الفكري تداخلت مع الفلسفات اليونانيّة وأساطيرها فكانت سببا لما نحن فيه من فرقة وتشرذم.
روايات تتناقض مع الآيات
ويكمل الكاتب كلامه مؤكدا على علم الله عز وجل الأزلي قائلا: لقدْ عَلِمَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى بعِلمهِ الأزليِّ، أنَّ عبادَهُ مِن المسلمينَ سَوف يهجُرونَ القرآن، وسيؤدّي ابتعادُهُم عَن كتابِ اللهِ إلى تفرّقهم وتشرذمِهم، بل حُدوثِ التَّصادمِ بَينَ الفِرَقِ المختلفةِ، تلكَ التي اتّبعت كُلُّ فِرقةٍ مِنهم مَذهبًا أو عقيدةً صاغها مفهُومٌ بشري في روايات منسوبة للصحابة تتناقض مع الآيات تم نَقَلُها ممن تمت تسميتهم بعلماء الإسلام وشيوخه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بقرنين من الزّمان.
التشريع حق إلهي
ويوضح الكاتب جزئية مهمة حول حق التشريع فيقول: إنّ الله لم يمنحْ أيًّا مِنْ رسُلُهِ في مُختلفِ العصورِ حقَّ التشريعِ، ولئنْ حدَثَ ذلكَ فَسيُحدِثُ تصادما بيـن تشريعِ الخالق رَبِ السماواتِ والأرض العليمِ الخبيرِ وَبينَ أقوال الرُّسلِ والأنبياءِ الَّذِينَ هُم بعضٌ مَن خَلقِهِ حملوا أمانة الدعوة لدين الله لتبليغها للناس فقط.
الأنبياء يبلغون والله وحدة يملك التشريع
فالأنبياء لا يملكونَ حقَّ التشريعِ أو الإضافة إلى الرسالة إنما أمرَهُم سُبحانَهُ بِحَمل رِسالتهِ للناسِ ليبينوا لهم حكمة مراد الله من آياته كَمَا هي دونَ إضافةٍ أو حذفٍ أو تعديلٍ، ويشرحون لهم تكليف العبادات وشعائرها وطرق تأديتها ويعلمونهم مبادئ الأخلاق وقيم الإسلام النبيلة ويحذّرونهم من المحرّمات وما يترتّب على فعلها من أضرار للإنسان وما قد يلحقه عقابا من الله يوم الحساب.
إلى هنا يكمل الكاتب الحديث حول قضية هجر القرآن وما تسبب فيه فيقول إن هجر القرآن تسبب في إغفال عدد من الأمور التي جاءت في كتاب الله لخير البشرية ومنها:
أولا: الوحدة والتكاتف وترك الفرقة
يبدأ الكاتب المحور الأول من محاور تعاليم (القرآن الكريم) قائلا: قوة الإسلام والمسلمين في الاعتصام بحبل الله والقرآن الكريم وتوحيد الخطاب لنخرج من دائرة الفرقة والشتات والله تعالى يقول ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران 103)
أبواب الفتنة
ويشرح الكاتب مقاصد ومفاهيم الآية الكريمة السابقة ويقول: حبلُ اللهِ هو القرآن، والالتفافُ حولهَ يحقّقُ الوحدةَ والتآزرَ حتّى تَتعطل أسبابُ الفُرقَةِ وتُسدَّ أبواب الفتنة من أعداء الله والإنسانية.
صراع عقائدي
ويضيف قائلا: لقد حذّر اللهُ سبحانه المسلمين من تصديق الروايات وما تهدف إليه من صرف المسلمين عن القرآن الكريم وإشغالهم في صراع عقائدي يؤسس لمناهج متعددة يترتب عليها ظهور مراجع دينية متناقضة تفرِّق المسلمين إلى فرق وطوائف تستثير كل فرقة الاعتزاز بمرجعيتها، والاستعلاء على غيرها من الفرق، فهم القائمون على عقيدة الحق وهم حماة رسالة الإسلام فأصبح كل فريق له مرجعيته، وكل فريق يدافع عن منهجه، حيث تتحول المناهج المختلفة إلى سجال ثم إلى قتال وذلك ما حدث في الماضي وما يحدث في عصَرنا الحاضر.
روايات تستعلي على آيات الله
ويختتم الكاتب شرحه الوافي حول مقاصد الآية ويقول: لقد خاطب الله رسوله عليه الصلاة والسلام بأن الآيات التي أنزلها الله عليه هي الحق وهي كلمات الله للناس فكيف ينصرف الناس عنها إلى روايات تستعلي على آيات الله.
ثانيا: الأمر بعدم اتباع أي أحاديث سوى القرآن
يؤكد الكاتب في طرحه ومعالجته لهجر القرآن، أن الله عز وجل أمرنا أن لا نؤمن ولا نصدق إلا بكتاب الله عز وجل وما جاء فيه، وهذا يؤكد على أن الروايات التي تخالف القرآن يجب عدم التعاطي معها، بل وإسدال ستارة سوداء عليها، وخاصة المخالف منها والذي تناوله كتاب المسلمون في أكثر من موضع، ويستشهد الكاتب بقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ آيات اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾.
إضفاءُ هالة من القدسيّةِ على الروايات
ويوضح الكاتب مقاصد الآية الكريمة قائلا: إنّهُ تحد وتساؤل استنكاري من الله يحذر المسلمين بِعَدم اتباع أيةِ رواياتٍ أو أحاديثَ أو مفاهيمَ بشريّةٍ تُخالِفُ كلامَ اللهِ، بعدما تمَّ إضفاءُ هالة من القدسيّةِ على تلكَ الرواياتِ وناقليها بالرغمِ ممّا فيها مِن تَنَاقُضٍ صَادِمٍ مع آياتِ اللهِ، فالله يريدُ لعبادِهِ التمسّك بِما جاءَ في كتابِهِ العزيز ليِحَميَهم منَ الوقوعِ في الصراعِ والتقاتلِ يريدُ لهمْ الخير والسعادةَ في الدنيَا والآخرةِ.
إله واحد وكتاب واحد وإمام واحد
ويضيف الكاتب قائلا: أن تكونَ لهمْ مرجعيةٌ واحدةٌ هي القرآن الكريمُ، الخطابُ الإلهي، وأن يتبعوا إمامًا واحدًا، محمدا رسول الله الذي بعثه الله وحده رحمة للعالمين ليدعوهم لما يصلحهم ويهديهم إلى طريق الخير والسلام، فخالف المسلمون أوامر ربهم وانصرفوا بالروايات عن الآيات، بدليل ما تؤكده الآية التالية أن الرسول يشتكي أمته بابتعادهم عن القرآن الكريم ولم يتبعوا آياته فقالَ سُبحانَهُ وتَعَالى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قوْمِي اتَّخَذُوا هذَا القرآن مَهْجُورًا﴾ صدق الله العظيم.
ثالثا: خطورة الابتعاد عن القرآن
يقول الكاتب: ماذا ستكون حجة القوم الذين يتولون الدعوة والإرشاد واختزلوا تفسير القرآن ومنعوا الناس من التدبر في آيات الله أمام الخالق سبحانه يوم الحساب بأنهم هَجَروا القرآن، منبهًا بالرغم من تحذير الله لهم منذ أربعة عشر قرنًا من خطورةِ الابتعادِ عنِ القرآن والتقيّدِ بأوامرِ اللهِ وتشريعاتهِ في ما نِصَّ عليهِ القرآن الكريم دستورًا منَ اللهِ ليضيءَ لهم طريقَ الحياةِ، ويعينَهم على تحقيقِ السَّعادة في الدنيا، ويؤمّنَ لهمْ حَياةً طيبةً في الآخرةِ، ويسكنَهم جناتِ النعيم.
يتبعون أقوال الشيطان وأوليائه
ويضيف: إذا كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يشتكي أُمتهُ للهِ سُبحانَهُ، بأنّهم هجروا القرآن تحذيرًا للمسلمينَ مما سيؤدي بهم إلى الانصراف عن القرآن الكريم ونتائجه الكارثية عليهم فكأنّ الآية تُنْبِئ الرسول بأنَّ قومه سيفعلونَ ذلك وسيهجرون القرآن ويتبعون أقوال الشيطان وأوليائه فالله يأمرهم بالتمسك بكتابه وعَدَم تصديقِ الروايات أو اتّباعِ الإشاعات أو الإسرائيليات التي تَدّعي على لسان رسول اللهِ افتراءً وكذبًا، تتعارض مع القرآن بغيةَ تحقيقِ مصالحَ دنيويةٍ لتثير الفتن بين المسلمين وتهدم مرجعّيةَ القرآن منِ قِبَلِ أعداءِ اللهِ وأعداءِ المسلمين وتحقق مصالح المغرضين الذين لا يريدون خيرًا للمسلمين.
رابعا: حرية الاعتقاد
يقول الكاتب إن الله قد وضَعَ تشريعًا لخلقهِ مبنّيًا على حُرية الاعتقادِ والعدالةِ بأعظمِ صفاتِها، حَيثَ يقولُ سُبحانَهُ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شاءَ فلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ صدق الله العظيم.
حريةِ الاعتقادِ والاختيارِ
ويشرح الأستاذ علي الشرفاء مفهوم الآية ويقول: إنها آيةٌ فيها من البيانِ والوضوحِ مؤكدة حريةِ الاعتقادِ واَلاختيارِ لكل إنسان، وعندما يُخاطبُ الله نبيّهُ يبين له أنَّ الإيمان لا يتم بالإكراه والله سبحانه لديه القدرة أن يجعل الناس جميعًا مؤمنين، ولكن اقتضت حكمته بمنحه الإنسان حرية الاختيار التي على أساسها سيتم محاسبة الناس على إيمانهم وأعمالهم كما قال سبحانه: ﴿وَلَو شاء َرَبُّكَ لَآمَن مَن فِي الأرض كُلُّهُم جَميعًا أفَأنت َتُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ﴾ صدق الله العظيم.
الله لم يعطِ حقّهُ لغيره في محاسبةِ عبادهِ
ويكمل الكاتب: تتكرّرُ ذاتُ المفاهيم وتلك المقاصد في أكثر من مرةٍ، بغضِّ النظرِ عَن طبيعةِ ومعرفةِ التبعاتِ الناشئةِ عن هذه الحريةِ، لكنّ اللهَ سُبحانَه وتَعَالى لم يعطِ حقّهُ لغيره في محاسبةِ عبادهِ، بل أبقى له هذا الحقَّ حَصْرًا، حيثُ قالَ تَعَالى مُخاطبًا نبّيَهُ صلّى اللهُ عليه وسلم بقوله: ﴿وَإِما نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ وَعَلَينَا الحِسابُ﴾ صدق الله العظيم.
ويتكرّر التوجيهُ والتوضيحُ، بشأن صلاحياتِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلَم فقال تَعَالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن ْأَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾ صدق الله العظيم.
خامسا: من اهتدى فلنفسه
وقَالَ تَعَالى ﴿إِنَّا أنزَلْنَا عَلَيَكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ ومَن ضَلّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ صدق الله العظيم.
حسابهم عند اللهِ جميعًا
يوضح الكاتب مفهوم الآية السابقة ويقول: إنّ الأحكامَ الإلهية واضحةٌ جليةُ حدَّد فيها المولى عَزّ وجلَّ مسؤوليةَ الأنبياءِ ومسؤوليةَ خلقِهِ منْ خلالِ استقبالِ الرسالةِ، وتبليغِ الأنبياء للناسِ بأنّ لهمْ الحقَ في اختيارِ الدينِ الَّذِي يريدونَ بمنتهى الحُرية، وأنَّ حسابَهم عند اللهِ جميعًا، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ويقول الله أيضا ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ صدق الله العظيم.
الأنبياء مكلفون بالتبليغ
هنا يؤكد الأستاذ علي الشرفاء أنَّ الخالقَ جلَّ وعلا لم يمنحْ أيَّ نبـّيٍ أو رسول الحقَّ في أن يشاركَه في التشريعِ لخلقهِ ومحاسبةِ عبادِهِ على اختياراتِهم الدينيّة، فاحتفظَ بحقِ التشريعِ والِحسابِ لهُ وحده، وكلّفَ الأنبياءَ والرسلَ بالتبليغِ والشرحِ والتوضيحِ لمرادِ اللهِ في كلِّ آيةٍ من كتابهِ الكريم، ومن هنا نَرى في هذا العصر صورةً واضحةً للفُرقةِ بيـنَ الـمسلمينَ بالرغم من تحذيره سُبحانَهُ بعدَم التفَرُّق، وعدم هَجْر القرآن، بل بالاعتصامِ به لِيَحْمِينَا من شرورِ أنفسنا ويجمعَنا على كلمةٍ واحدةٍ لبناءِ مجتمعِ العدلِ والمحبةِ والسلامِ والرحمةِ للبشرية.
الصراط المستقيم
ويؤكدُ اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى على التمسكِ بالقرآن الكريم وليس بغيره؛ لتستقيمَ حياةُ الناسِ والاعتصام بما أنزله اللهُ على رسولهِ في كتابهِ الكريمِ تنفيذًا لقولِهِ سُبحانَهُ ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
سادسا: القرآن ذِكر للرسول وقومه وسَوْفَ يسألون عنه
قال الله تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ﴾ صدق الله العظيم.
هبوطِ المستوى الإيمانيّ والأخلاقيِ والثقافيِ والأدبيِ
هنا يؤكد الكاتب على أنَّ مظاهرَ هجرِ القرآن الكريمِ كثيرةٌ، وما حذّرنا منه سُبحانَهُ وتَعَالى منذُ أكثرَ من أربعةَ عَشَر قرنًا يبدو جليا للعيانِ بأنّ المسلمينَ لم يتمسكوا بالقرآن ويلتزموا بالمنهج الإلهي، مما أدّى إلى هبوطِ المستوى الإيمانيّ والأخلاقيِ والثقافيِ والأدبيِ، وصارَ الناسُ لا يتدبرون في معاني القرآن الكريمِ ولا مقاصِدَه! ولا يؤدون فريضة التفكر في آياته، ولا يتخذون من آيات الله ميزانًا على الروايات لاكتشاف الحقِّ من الباطل، وقد تحدى الله سبحانه أهل الروايات بقوله (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، ويوضح الكاتب أن أولئك المجرمين لن يستطيعوا إطفاء نور الله بالروايات والإسرائيليات بأقوالهم المسمومة وستعلو كلمة الله في الأرض مهما افترى الحاقدون على الله ورسوله بالكذب والبهتان.
خلطٌ والتباسٌ كبيرٌ
ويختتم الكاتب حديثه عن هجر القرآن قائلا: لقد ترتب على ذلك خلطٌ والتباسٌ كبيرٌ عند الناس بين مراد الله في الآيات، وبين الأهداف الخبيثة في الروايات، وتسبب ذلك الأمر أنْ فَقَدت العقولُ بُوَصلَتَها وتجمَّدَ التفكيرُ لديها، فلم تعدْ قادرة على فَهم رسالة الإسلام ومقاصدِ آيات الله لخلقه، ليؤسّسوا عليها تشريعاتٍ وقوانينَ تُنظّم العلاقاتِ الإنسانيةَ فيما بينَهم على أساسٍ من الرحمةِ والعدلِ والمساواةِ والسلامِ.
عودوا إلى كتاب الله
في النهاية أقول إن الكاتب والمفكر العربي الكبير الأستاذ علي الشرفاء الحمادي استطاع أن يضع يده على أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الفرقة والاختلاف بين المسلمين منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو الانصراف عن القرآن وهجره لصالح الروايات والأكاذيب التي دست على الدين لتحقيق مآرب لمن كتبها ودسها وروج لها حتى أنها أصبحت في مواجهة مع القرآن، ويدعو الكاتب في طرحه إلى العودة لـ(القرآن الكريم) وترك وهجر تلك الأكاذيب التي روج لها بقوة لتنال من الدين الإسلامي وتخلق مشهدا فوضويا نعيشه من بعد وفاة الرسول إلى يومنا هذا.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب