إعداد: د. مصطفى عيد إبراهيم (خبير العلاقات الدولية ومستشار سياسي واقتصادي)
تشير استراتيجية اسرائيل 2028 الى ان تحقيق اهداف الاستراتيجية قد يساعد اسرائيل على ادارة علاقات صراع الاستحقاق الاقليمي وخاصة مع وايران. وان الحرب وان كانت ليست خيارا اسرائيليا – وفق الاستراتيجية- ضمن بدائل الخيارات، ولكنه خيار تسبقه قاعدة اعتمدتها الاستراتيجية وتتصل بمفهوم “الدفاع الديناميكي” وهي قاعدة ” امتياز الردع” . حيث ان الفلسفة السياسية لاسرائيل تكمن في انه ينبغي على اسرائيل ان تحافظ على الفجوة النوعية التي تفصلها عن جيرانها. لذلك فان اسرائيل تعمل بكل قواها المباشرة وغير المباشرة على الحيلولة دون وصول ايران الى امتلاك السلاح النووي وفرضه كأمر واقع في المنطقة. ووفق استطلاع راي للقناة ١٤ العبرية فان ٥٤٪ من الإسرائيليين يؤيدون استهداف المنشات النووية الإيرانية، و٢٥٪ يؤيدون استهداف المقربيت من المرشد الإيراني، و١٣٪ يؤيدون استهداف منشات النفط والغاز الإيرانية. وتضمن الولايات المتّحدة الامريكية منذ ستينيات القرن الماضي الحفاظ على “التفوّق العسكري النوعي” لإسرائيل في الشرق الأوسط. وتمّ تعزيز هذه السياسة قبل نحو أكثر من أربع اعوام بقانون ينصّ على أن تضمن الإدارة الأمريكية عند بيعها أي سلاح لدولة أخرى في المنطقة احتفاظ إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها إذا وقع هذا السلاح في الأيدي الخطأ. وهو الامر الذي تبعه توقيع كل من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ونظيره الأمريكي مارك إسبر على إعلان مشترك تتعهد فيه واشنطن بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط في اكتوبر من العام الماضي. ومن هذا المنطلق يمكن الجزم بان اسرائيل وحلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة لن يسمحا لايران بامتلاك السلاح النووي ولكن تظل الخيارات المتاحة امامهم هي المحدد الرئيسي لمنع إيران من الوصول الى السلاح النووي من عدمه؟
ان الاستراتيجية الاسرائيلية في هذا الملف النووي تنبني بشكل رئيسي على الغموض الاستراتيجي وهو ما يؤدي الى فكرة الاستنباط وليس التأكيد بان اسرائيل تمتلك السلاح النووي رغم تسليم العالم باثره بذلك الامتلاك. الا انه لاتوجد حكومة اسرائيلية اعلنت هذا صراحة. وعليه فإنها تعمل بكل ما تستطيعه لتكريس هذا المبدأ “الغموض”. ويشار الى ان المشروع النووي الاسرائيلي قد بدأ في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين. وفي ذات الوقت كانت اسرائيل تعمل على تبني سياسة تجفيف المنابع حتى تحول دون وصول اي قوة في المنطقة لامتلاك السلاح النووي. وعليه قامت بتصفية بعض العقول المصرية النابه في المجال النووي مثل الدكتور يحي المشد ثم ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981، والضغوط المباشرة وغير المباشرة على ليبيا، ثم ضرب المفاعل النووي السوري سنة 2007. لذلك فان خروج ايران عن هذه هذه الفلسلفة الاسرائيلية يعني هزيمة لها بشكل كبير وهو ما يعني احتمالية القضاء على مبدأ التفوق النوعي لاسرائيل بالمنطقة حتى ولو كان بضمان امريكي. اما ايران، فيذكر انه في عام 1957، قد تم توقيع اتفاق بين كل من الولايات المتحدة الامريكية وايران بشان تقنين ارستخدامات السلمية للذرة تحت شعار الذرة من اجل السلام ولقد قامت الولايات المتحدة بمد ايران بمفاعلات واسلحة لتخصيب وقود اليورانيوم. وفي عام 1992 كانت بداية فرض العقوبات على ايران وتمرير قانون عدم انتشار اسلحة التدمير الشامل بعد ذلك. اما عن الفلسلفة الايرانية في امتلاك السلاح النووي فنجد ايضا انها غير واضحة رغم سعيها المباشر والواضح لامتلاكها. فايران تقول بغير ما تفعل. فعلى صعيد القول، تتفوه بان السلاح النووي غير اخلاقي ومخالف لمبادئ الشريعة الاسلامية وان هناك فتوى من الخميني بذلك . اما على الارض، فهي تبذل كل الجهد من اجل امتلاك السلاح النووي وايضا تاهيل كوادر بشرية للعمل في هذا المجال.
واذا ما تم توسيع الرؤية الاستراتجية نجد ان الجسد الايراني المتمثل في الجغرافيا، والروح المتمثلة في المذهب الشيعي، كلاهما يفسر لنا فلسفة السعي الايراني لامتلاك السلاح النووي الذي ينعكس ايضا في رغبتها في احداث فجوة نوعية في محيط تجد فيه تحديات كبيرة على مستوى الروح والجسد.
ولذلك نجد ان خطوط التماس ما بين اسرائيل من ناحية، وايران من ناحية اخرى لها نقاط كثيرة مثل حزب الله وسوريا والعراق واليمن . ولكن من اهم هذه النقاط هو السلاح النووي وعدم انخراط اسرائيل بشكل مباشر في اتفاق 2015 ، وايضا في الاتفاقيات الجارية الان . وحيث ان اسرائيل لا يمكنها ان تترك تقرير مصير امنها في ايدي الاخرين بحكم الجسد والروح ايضا الذين يتشابها مع النموذج الايراني بالمنطقة ( مع وجود اختلافات اخرى جوهرية بينهما) لذلك فان اسرائيل تتضع مجموعة من الاستراتيجيات التي تحمل معها خيارات وسيناريوهات مختلفة لادارة ملف السلاح النووي الإيراني مثل استراتيجية الارباك والاستهداف والاستنزاف ، وتتميز اسرائيل في هذا الاستراتيجية على نحو كبير ومارستها بالفعل من خلال اجهزتها الامنية المختلفة والتي باتت تمتلك ميزة نسبية كبرى في تنفيذها وهو ما جعلها منذ سبعينيات القرن الماضي تستهدف وتقتضي على عناصر نشطة في المنظمات الفلسطينية المختلفة وايضا استهداف العقول النابغة العربية في المجال النووي امثال سميرة موسى ويحي المشد. وفيما يتعلق بايران فانها تقوم بذلك وفق ادوات العصر الحالي من خلال استهداف القدرات النووية الايرانية من خلال الهجوم السيبراني واستهداف البنية التحتية عبر استهداف الكوادر البشرية واخرها العالم النووي محسن زاده وقيام الاجهزة الاسرائيلية بعمليات تسريب والكشف عن الأسرار النووية الايرانية لزيادة الضغوط الدولية على ايران والتركيز والتسليط الإعلامي على مخاطر البرنامج على الإقليم والأمن والسلم العالمي، وهو ما يؤدي الى حالة كبيرة من عدم الثقة الدولية في إيران فضلا عن دعم القوى المعارضة الإيرانية على أمل تغيير النظام السياسي في إيران والعمل على استمرار سياسة العقوبات المفروضة على ايران لعدم تمكينها من الحصول على فوائض مالية كبيرة. وعلى الرغم من تنوع الادوات التي تمارسها اسرائيل لمنع إيران من الوصول الى الامتلاك الكامل للسلاح النووي لاغراض غير سلمية. فان هذه الادوات رغم قيام اسرائيل بها بالفعل. الا انها، عملت من خلال سياسة ” الاعاقة وليس المنع” . حيث ان ايران لم تقف امام تلك الادوات مكتوفة الايدي. بل مارست سياسات رد الفعل واحيانا الهجوم وهو ما مكنها من استمرار نهجها حتى الان وعدم الوصول لنفس مرحلة مصر او العراق او ليبيا او سوريا في المنطقة.
وهناك أيضا استراتيجية تبني استراتيجية التعبئة غير المباشرة، وان هذه الخيار لا يعني استغناء اسرائيل عن ممارسة استراتيجية الارباك والاستنزاف. بل ان الاستراتيجية الاولى هي من تجعل ايران في حالة من عدم التوزان والتي تجعلها هدف ليس مستعصيا حين يتم العمل من خلال استراتيجية التعبئة غير المباشرة من خلال خلق تحالفات مع الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول لمواجهة التهديد الايراني بالمنطقة ودمج التهديد النووي الايراني وتصاعده بسلوكيات النموذج الايراني غير المسؤول وهو ما ينطوي عليه تهديد للمجاري والمضايق المالية الدولية وتهديد للتجارة الدولية وسلاسل الامداد وتهديد الامن المائي والامن الغذائي وامن الطاقة الاقليمي والعالمي. وانه على العالم ان يتحمل مسؤوليته تجاه هذه التهديد الايراني ويحد منه وعدم تمكينه من احداث تفوق نوعي عبر امتلاكه للسلاح النووي.
وحقيقة الامر ان ايران في اطار ردها على استراتيجية التعبئة والمواجهة غير المباشرة، باتت لديها من الادوات التي تمكنها من التعامل مع هذه الاستراتجية وذلك من خلال امتلاكها ايضا لادوات تعبئة ومواجهة غير مباشرة مثل الميليشيات والخلايا العنقودية التي تستهدف مصالح مختلفة للطرف المنافس او الطرف العدو والعمل من خلال استراتيجية الغموض والتحايل والمراوغة . فضلا عن استفادة ايران من حالة الانقسام التنافسي الكبير في مجلس الامن وضمان اصوات روسيا الاتحادية والصين ان لم يكن من اجلها ، فمن اجل التنافس مع الولايات المتحدة الامريكية.
ثم أخيرا استراتيجية التعامل المباشر، وهو ما يعني ان هناك حالة قصور وربما فشل في ادارة الاستراتيجيين السابقتين المشار اليهما اعلاه. وان ايران ساعية لا محالة في امتلاك السلاح النووي والقضاء على التفوق النوعي لاسرائيل بالمنطقة عمليا وهو ما تعده اسرائيل تهديد لامنها القومي . وعليه تتخذ اسرائيل قرار ها بالمواجهة المباشرة لتدمير المفاعلات النووية الايرانية بهجمات عسكرية مباشرة. وحقيقة الامر ان هذا الامر ليس بسهولة على هذا النحو خاصة وان ايران لديها اكثر من مفاعل نووي ( اللامركزية النووية) وليس على غرار النماذج السابقة التي استهدفتها اسرائيل من قبل. كما ان إيران رغم حالة العقوبات الاقتصادية، الا انها تمتلك من ادوات الرد التي يمكن ان تشيع حالة كبيرة من الفوضى بالمنطقة. وقد تكون الاثار السلبية على الخليج كبيرة في حال اندلاع مثل هذه المواجهة العسكرية بين كل من اسرائيل وإيران.
ان مجمل الاستراتيجيات الاسرائيلية لمواجهة إيران تنبني على فرضية رئيسية وهي استمرار حالة العداء بين الجانبين على ما هو عليه الان واحتمالية تصاعده وهو ما قد يؤدي الى سيناريو الحرب الشاملة والتي ستكون عواقبها وخيمة على الإقليم والعالم. وحيث ان عالم السياسة لا يعرف الدوام او الحالة الثابتة، وكذلك التاريخ. فان الفرضية الغائبة، لابد وان تحضر في إطار رؤيتنا المستقبلية كأحد السناريوهات المطروحة وهو حدوث حالة من المفاوضات السياسية. وان هذا بالتاكيد يرتبط بنوعية النظام الحاكم في ايران وايضا في ديناميكيات الروح ( المذهب) والجسد ( الجغرافيا) ودورهما في توجهات السياسة الخارجية لايران.
اما اسرائيل فان استراتيجية المواجهة العسكرية المباشرة، وان كان خيار صعبا، ولا نريد ان ننعته بالمستحيل، فهي مغامرة كبيرة لإسرائيل. ولكنه يظل سيناريو مطروح مع تصاعد وتيرة الاحداث دون ضبط ايقاعها والتحكم في قواعد الاشتباك. وانه مع هذا التصعيد وزيادة حدة التوتر في الجبهة الشمالية وتفعيل وحدة الساحات، وهروب رئيس الوزراء الإسرائيلي للأمام من خلال توسيع رقعة الحرب الجغرافية ومحاولة جر إيران لهذه الحرب وإعلان الولايات المتحدة الامريكية على لسان كمالا هاريس ان إيران العدو الأول لأمريكا وإعلان بايدن بالموافقة على نشر منظومة ثاد على الأراضي الإسرائيلية لتعزيز منظومة الدفاع ضد صواريخ حزب الله وأنصار الله واحتمالية قيام إيران بالرد لثالث مرة بعد الهجوم الإسرائيلي المحتمل للرد على صواريخ إيران.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب