دراساتسياسية

صحافة بلا كُتاب: هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على الصحفي العربي؟

إعداد: د. مصطفى شحاته/ مدرس الصحافة والاتصال الرقمي بكلية الإعلام – جامعة المنوفية

مقدمة

أدى ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تحول هيكلي في إنشاء المحتوى عبر مختلف المجالات، بما في ذلك الصحافة. وتتزايد قدرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGemini وCopilot على إنتاج مقالات متماسكة وذات صلة بالموضوع في ثوانٍ معدودة. وفي حين يوفر هذا التقدم التكنولوجي فرصًا كبيرة، إلا أنه يثير في الوقت نفسه مخاوف بشأن الدور المستقبلي للصحفيين، وجودة المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، والآثار الأخلاقية لإنتاج الأخبار الآلي.

تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف كيف يتحدى الذكاء الاصطناعي كُتاب المقالات الصحفية من خلال إجراء تحليل مقارن للمقالات التي ينتجها الصحفيون البشريون، وتلك التي يولدها الذكاء الاصطناعي. من خلال التركيز على مواقع إعلامية رائدة في المنطقة العربية، تقدم هذه الورقة البحثية منظورًا إقليميًا حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة في سياقات ذات فروق لغوية وثقافية وسياسية فريدة.

تهدف الدراسة إلى تحديد الاختلافات في أسلوب الكتابة، والبنية السردية، والدقة الواقعية، والنبرة العاطفية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تقييم ما إذا كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضاهي أو تتفوق على جودة المقالات التي يكتبها الصحفيون، وما الآثار التي قد تترتب على ذلك بالنسبة لمستقبل الصحافة. في نهاية المطاف، ستقدم النتائج رؤى حول كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمل الجهود الصحفية بدلاً من أن يحل محل الكتاب البشريين، مما يسهم في نهج أكثر استنارة وتوازناً لتكامل الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام.

اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. مراكز الفكر الأفريقية: العقل المدبر الغائب في معادلة صنع القرار؟

المنهج

استخدم هذا البحث تحليلاً نصياً مقارناً لدراسة الاختلافات الأسلوبية والهيكلية بين المقالات الصحفية التي كتبها صحفيون عرب، وتلك التي أنشأها الذكاء الاصطناعي. تم اختيار هذا النهج لتقديم فهم كيفي مفصل لقدرات إنتاج النصوص في الذكاء الاصطناعي مقارنة بالجهود البشرية. سمح التصميم المقارن بالتحديد المباشر لأوجه التشابه والاختلاف، مما سهل إجراء تقييم دقيق لإمكانيات الذكاء الاصطناعي وقيوده في السياقات الصحفية.

جمع البيانات: تم اختيار 4 كتاب صحفيين عرب بارزين؛ هم غسان شربل (موقع الشرق الأوسط السعودي)، وجومانة حداد (موقع رصيف اللبناني)، وعبد الله السناوي (موقع الشروق المصري)، وياسمين خلف (موقع البلاد البحريني). ضمت العينة 40 مقالاً صحفيًا بواقع 10 مقالات لكل كاتب صحفي، نُشرت جميعها خلال سنة 2025. غطت المقالات مجموعة من المجالات بما في ذلك السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية.

تم استخدام جميع المقالات المنسوبة للصحفيين الأربعة كمدخلات لـChatGPT، الذي طُلب منه الاطلاع على هذه المقالات وفهم أسلوب الكاتب. ثم طُلب منه ثانية أن يكتب مقالاً آخر على غرار عنوان ومقدمة لمقال آخر كتبه نفس الكاتب. أنشأ كل نموذج من نماذج الذكاء الاصطناعي مقالة مقابلة، تلتزم بنفس الموضوع والطول والمعلومات الأساسية المقدمة في المقالة الأصلية التي أنتجها الكاتب الصحفي.

التحليل: بعد إنتاج مقال من خلال ChatGPT يحاكي مقالاً أصلياً لكل كاتب صحفي، بدأت عملية التحليل النصي بمقارنة المقال الأصلي بالمقال المكتوب بواسطة شات جي بي تي. استند التحليل والمقارنة على سبعة عناصر: التحديد والعمومية، والأسلوب الشخصي، وعمق التحليل، والوقائع والتفاصيل، والشخصيات، والزمان والمكان

النتائج

يهدف هذا التحليل إلى مقارنة المقالات المتنوعة التي تتناول مواضيع مختلفة، مع التركيز على كيفية تناول كل من المؤلف البشري والذكاء الاصطناعي (AI) للجوانب التالية: التحديد والعمومية، والأسلوب الشخصي في الكتابة، والعمق في التحليل، والوقائع، والتفاصيل، والشخصيات، وتحديد الزمان والمكان.

  • التحديد والعمومية

في تحليل التحديد والعمومية، نجد أن النصوص تتراوح بين الدقة في تحديد الأشخاص والكيانات والأحداث، واستخدام عبارات أكثر عمومية. تميل النصوص البشرية في كثير من الأحيان إلى دمج كلا النهجين لتحقيق توازن في السرد. على سبيل المثال، في مقال ياسمين خلف، نجد تحديدًا واضحًا للشخصيات في القصص المروية، مما يضفي عليها طابع الواقعية والخصوصية: “تقول إحداهن: آلمني أن تحظرني ابنة أختي من هاتفها، وأنا من حملتها على كتفي ولعبت معها وقدمت لها كل ما يمكن من رعاية واهتمام!”. في المقابل، يميل الذكاء الاصطناعي في محاكاته لأسلوب ياسمين خلف إلى استخدام العموميات، كما في المقال الذي كتبه محاكاة لمقال ياسمين خلف: “في عالمنا الذي يختصر الأمومة في رابطة الدم فقط، يعيد هذا الطفل تعريف المفهوم بأكثر الطرق نقاءً”. هذا الأسلوب يهدف إلى جعل النص أكثر شمولية، ولكنه قد يفتقر إلى التفاصيل المحددة.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يظهر استخدام كل من التحديد والعمومية. في مقال عبد الله السناوي، نجد تحديدًا لشخصيات سياسية مهمة، ولكنه يقترن بعبارات عامة للتعبير عن وجهات نظر واسعة: “إنه انقلاب صريح على الديمقراطية يصعب تسويغه، أو ادعاء عكسه”. يميل الذكاء الاصطناعي في محاكاته لمقال السناوي إلى استخدام مماثل للجمع بين التحديد والعمومية: “المعارضة التركية من جهتها تقف أمام اختبار تاريخي”. هذا النهج يجعل النص متوازنًا بين تحديد الجهات الفاعلة وتقديم رؤية عامة للأحداث.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يتضح استخدام العموميات في وصف الظلم و”الجشع الإنساني”: “في ظل هذه المعادلة الظالمة، تسأل النسوية السؤال الأهم: من يمتلك السلطة؟”. بينما يميل الذكاء الاصطناعي في محاكاته لجومانة حداد إلى تحديد الكيانات والأفعال بشكل أكثر وضوحًا: “الرئيس التركي لعب بورقة النفوذ الإقليمي لتعزيز مكانته داخليًا، مستخدماً التدخلات العسكرية والدبلوماسية لإظهار تركيا قوة لا يستهان بها”.

في مقال غسان شربل، يبرز استخدام التحديد في الإشارة إلى شخصيات سياسية محورية: “قرار الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيلَ لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الساحل يقطع الطريق على الأطرافِ الساعية لاستغلال ما جرى للإيحاء بوجود حرب مكونات”. وفي المقابل، يميل الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان إلى العمومية: “المعارضة التركية من جهتها تقف أمام اختبار تاريخي”.

تميل جومانة حداد إلى استخدام العموميات في وصف القضايا التي تتناولها. تستخدم عبارات واسعة النطاق مثل “النظام الأبوي” و”مصائبنا كبشر” لتحديد القضايا التي تناقشها. مثال: “قلتُ، أعلاه، إن النظام الأبوي هو، في شكل من الأشكال، مباشرة أو مواربة، المحفّز الرئيسي لمصائبنا كبشر، ولا أخاف من المبالغة.” على الجانب الآخر، يميل الذكاء الاصطناعي في محاكاته لجومانة حداد إلى تقديم تحديدات أكثر وضوحًا للقضايا المطروحة. مثال: “وحين نقول إن الاحتلال ذكوري، فإننا لا نتحدّث فقط عن الجنود المدججين بالسلاح، بل عن ذلك الخطاب الذي يشيطن الفلسطيني ويبرّر الجريمة.” إحدى الملاحظات المهمة هنا أن الذكاء الاصطناعي كان عاجزاً عن كتابة مقال طويل يحاكي مقال جومانة حداد، فجاء مقال المحاكاة قصيراً بشكل واضح.

  • الأسلوب الشخصي في الكتابة

في تحليل الأسلوب الشخصي في الكتابة، نجد تباينًا واضحًا بين النصوص البشرية والنصوص المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي. النصوص البشرية تميل إلى تضمين الأسلوب الشخصي بشكل أكبر، حيث يتم تقديم القصص والتجارب الشخصية، أو التحليل الذاتي للأحداث والمواقف. على سبيل المثال، في مقال ياسمين خلف، يظهر الأسلوب الشخصي بوضوح في تقديم القصص المؤثرة: “تقول إحداهن: آلمني أن تحظرني ابنة أختي من هاتفها، وأنا من حملتها على كتفي ولعبت معها، وقدمت لها كل ما يمكن من رعاية واهتمام!”. هذا الأسلوب يهدف إلى إضفاء طابع إنساني وعاطفي على النص، مما يجعله أكثر تأثيرًا. في المقابل، تميل النصوص المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى الحيادية والموضوعية، مع التركيز على نقل المعلومات بشكل مباشر.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يتضمن النص البشري تحليلاً شخصيًا وتقييمًا للأحداث: “إنه انقلاب صريح على الديمقراطية يصعب تسويغه، أو ادعاء عكسه”. يعكس هذا الأسلوب رأي الكاتب وتقييمه للأحداث، مما يجعله أكثر إقناعًا. بينما يركز النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي على تقديم الحقائق والتطورات السياسية بشكل أكثر حيادية.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يبرز الأسلوب العاطفي والشخصي في التنبؤ والتمني: “لاحظوا أني أقول “متى”، لا “إذا”؛ ذلك لأنني واثقة تماماً من حدوثه. قد يتطلب ذلك عقوداً من الجهود الحثيثة والانتصارات الصغيرة والكبيرة والتراكمات الصبورة والراسخة، لكنّ عالماً بقيادة النساء سوف يتحقّق لا محالة”. في المقابل، يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى التحليل الموضوع، أو لنكون أكثر دقة الاهتمام بضمير نحن على حساب ضمير أنا: “إننا اليوم أمام مشهد تجلّى فيه الجشع في أقسى صوره. جشع الأرض، وجشع السلطة، وجشع الدم. ولا عجب أن تكون هذه الجرائم مجلجلةً بذكورية مطلقة. فالحرب دائماً كانت لعبة ذكورية، والاحتلال كان ابناً بديعاً لهذا العنف الذكوري”.

في مقال غسان شربل، يظهر الأسلوب الشخصي من خلال عبارات مثل “يزورك الخوف”، و”علمتني المهنة أن أخافَ عند المنعطفات”. هذا الأسلوب يهدف إلى إضفاء طابع شخصي على التحليل، مما يجعله أكثر تأثيرًا. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى الحيادية في عرض المعلومات. مثل، “ما يقلق اليوم هو الأصوات التي تروّج لإقصاء الآخر تحت ذريعة الانتصار أو المظلومية.”

  • العمق في التحليل

يغلب على النصوص البشرية تقديم تحليل أكثر تفصيلاً وعمقًا للقضايا المطروحة. في مقال ياسمين خلف، يتم تقديم تحليل عاطفي للعلاقات الأسرية وتأثيرها على الفرد. يتم التركيز على الجوانب النفسية والعاطفية في العلاقات. في المقابل، يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تحليل أبسط وأكثر مباشرة للموقف.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يتضمن النص البشري تحليلاً سياسيًا عميقًا للأزمة وتداعياتها المحتملة: “الأزمة في أولها ويصعب توقع تداعياتها على مستقبل تركيا. إنها مقامرة سياسية بالمعنى الكامل”. يتم التركيز على الأبعاد السياسية والاقتصادية للأزمة، وتأثيرها على المستقبل. بينما يركز النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي على تقديم ملخص للأحداث، وتحليل سطحي للأوضاع السياسية. فالتركيز يكون بإطلاق عبارات عامة في ظاهرها صحيح، ولكن ينقصها التفاصيل: “الرئيس التركي لعب بورقة النفوذ الإقليمي لتعزيز مكانته داخلياً، مستخدماً التدخلات العسكرية والدبلوماسية لإظهار تركيا كقوة لا يستهان بها. لكن تلك المغامرات جاءت بتكلفة باهظة، سواء اقتصادياً أو دبلوماسياً”.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يتضمن النص البشري تحليلاً فلسفيًا واجتماعيًا عميقًا للمفهوم المطروح: “لم تعُد النسوية تهدف فقط إلى إنصاف النساء، وتحريرهنّ من التعسّف والتمييز والتخضيع والتغييب والتقييد، بل هي أصبحت، على مرّ العقود وبازدياد، فلسفة إنسانية شاملة وتقاطعية، ترمي للدفاع عن كل مضطهد ومهمّش”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تحليل أبسط. “إن النسوية هنا ليست تنظيراً أكاديمياً بعيداً عن الواقع. إنها فعل مقاومة”، مكتفياً بربط النسوية بالمقاومة.

في مقال غسان شربل، يظهر العمق في التحليل من خلال استشراف المخاطر والتداعيات المحتملة للأحداث: “أي محاولة خارجية لإعادة عقارب الساعة السورية إلى الوراء تنذر بتصعيد حرب الأدوار على المسرح السوري وحوله”. يتم التركيز على الأبعاد السياسية والإقليمية للأزمة، وتأثيرها على المستقبل. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تحليل أكثر مباشرة، أو إن شئنا الدقة تحليل سطحي: “العدالة في سوريا ليست مسؤولية السوريين وحدهم. للمجتمع الدولي دورٌ جوهري في دعم المسار القضائي وتوثيق الانتهاكات. إنَّ إغلاقَ الأبواب أمام الضحايا ومنعَ أصواتهم من الوصول إلى العالم هو تواطؤٌ مع الجريمة.”

  • الوقائع

في تحليل سرد الوقائع، نجد أن النصوص البشرية تميل إلى الاعتماد على سرد قصص واقعية وتجارب شخصية لتوضيح المفاهيم المطروحة. في مقال ياسمين خلف، يتم تقديم أمثلة محددة من الحياة اليومية: “وعلى النقيض تقول أخرى إن أختها من والدها لا تناديها باسمها رغم أنهما أختان، بل تناديها بـ“ماما” وهي سعيدة بذلك، لأنها وباختصار تكبرها بعشرين عامًا، وهي من تولت رعايتها منذ ولادتها”. في المقابل، يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى سرد الموقف العام دون الخوض في تفاصيل واقعية محددة.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يتضمن النص البشري سردًا لوقائع سياسية محددة: “في توقيته وسياقه وأسبابه المباشرة بدا اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بالطريقة التي جرى بها، انقلاباً، منذراً بتداعياته على مستقبل الديمقراطية التركية وأدوارها في محيطها وعالمها”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى سرد عام للأحداث والتطورات السياسية.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يتضمن النص البشري سردًا لوقائع تاريخية وفلسفية لتوضيح المفاهيم المطروحة. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى سرد عام.

وفي مقال غسان شربل، يتضمن النص البشري سردًا لوقائع سياسية وأحداث جارية: “تكرَّرت في الأسابيع الأخيرة أسئلة مقلقة عن الدروز والأكراد والعلويين”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى سرد عام. على سبيل المثال، ذكر المقال المكتوب بالذكاء الاصطناعي: “عندما تعود سوريا إلى العدالة، ستستعيد صورتها الحقيقية، لا باعتبارها ساحة نزاعٍ دائم، بل بعدّها وطناً لكلِّ من أحبها وأخلص لها. وعندها فقط، سينهزم الخوفُ الذي يزورنا من بيروت حين نتابع ما يجري في دمشق وحلب وحمص”.

  • التفاصيل

تميل النصوص البشرية إلى تقديم تفاصيل أعمق وأكثر تحديدًا حول القضايا المطروحة. في مقال ياسمين خلف، يتم تقديم تفاصيل حول العلاقات الأسرية وتأثيرها على حياة الأفراد. يتم التركيز على الجوانب العاطفية والنفسية في العلاقات. تقول ياسمين خلف: “من قال إن الجحود والنكران والعقوق للوالدين فقط؟ عدم البِر لا يقتصر على الوالدين فقط، بل يشمل كل من احتضن المرء في صغره وقدم له الحب والاهتمام والرعاية إلى أن اشتد عوده، وبلغ ما بلغ من العلم والمناصب”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تقديم معلومات عامة حول المفاهيم المطروحة. على سبيل المثال: “في كل عيد أم، كان يحمل في يده ثلاث بطاقات تهنئة، يكتب فيها بمداده الطفولي كلمات الحب والشكر. عبير لم تشعر يومًا بتهديد من حب طفلها لامرأتين أخريين. على العكس، كانت تراه امتدادًا لحبها، وتقديرًا لعطاءاتهن.”

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يقدم النص البشري تفاصيل حول الأزمة السياسية: “بأثر الصورة السلبية للغاية التي لحقت بأردوغان نفى صلته بالطريقة التي اعتقل بها أكرم أوغلو، كما لو كان زعيمًا للمافيا التركية لا رئيساً لأكبر وأهم بلدية في البلاد”. بينما يركز النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي على التفاصيل المتعلقة بالصراعات السياسية والاقتصادية: “التضخم المتصاعد وتراجع قيمة الليرة التركية أثقلا كاهل المواطنين”.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يقدم النص البشري تفاصيل فلسفية واجتماعية حول المفاهيم المطروحة. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تقديم ملخص. وهو ما بدا جلياً في محدودية عدد الكلمات للمقال المكتوب بالذكاء الاصطناعي.

في مقال غسان شربل، يقدم النص البشري تفاصيل حول الوضع السياسي: “كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجأةً مدويةً باغتت حلفاءَه وخصومه معاً. في الداخل هناك من يرفض أن يصدّقَ أنَّ زمنَ السلطة والتسلط قد فرَّ من يده. وهناك في الخارج من يرفض التصالح مع فكرة أنَّ سوريا اختارت مصيرها وطريقَها ويصرُّ على إمكان استعادتها أو تفجيرها لإغراق سوريا الجديدة بالدم.” بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تقديم ملخص دون تحديد المقصود بوضوح “ما يقلق اليوم هو الأصوات التي تروّج لإقصاء الآخر تحت ذريعة الانتصار، أو المظلومية.”

 

  • الشخصيات

تركز النصوص البشرية على سرد قصص شخصية لأفراد محددين. في مقال ياسمين خلف، يتم تقديم قصص شخصية لأفراد محددين: “عبير هي والدته، لكنها علّمته أن القلب متسع لأكثر من حب، وأن أم محمود، وجدته، وشيخة، وعمته، هن أيضًا أمهات له”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى ذكر شخصيات رئيسية في القصص أو الأحداث.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يذكر النص البشري شخصيات سياسية محددة، يشير عبد الله السناوي، “في توقيته وسياقه وأسبابه المباشرة، بدا اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بالطريقة التي جرت بها انقلاباً منذراً بتداعياته على مستقبل الديمقراطية التركية، وأدوارها في محيطها وعالمها”. في حين يهمل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي الشخصيات، فيما عدا ذكر الشخصيات الرئيسية: “لقد بدا أردوغان، الذي يتقن فنون المناورة السياسية، مدركاً أن بقاءه في السلطة يحتاج إلى تحركات استباقية لإضعاف خصومه المحتملين”.

في مقالات أخرى، مثل مقال جومانة حداد، يركز النص البشري على القضايا الفلسفية والاجتماعية والحكم على حركات اجتماعية مثل النسوية والصهيونية بدلاً من ذكر أشخاص محددين. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى ذكر أفعال وصفات مرتبطة بالشخصيات، مثل “المقاومة”، و”الاحتلال”، “والذكورية”.

في مقال غسان شربل، يذكر النص البشري شخصيات سياسية محددة: “قرار الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيلَ لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الساحل يقطع الطريق على الأطرافِ الساعية لاستغلال ما جرى للإيحاء بوجود حرب مكونات”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى ذكر شخصيات رئيسية.

  • تحديد الزمان والمكان

غالباً ما تحدد النصوص البشرية الزمان والمكان بشكل أكثر دقة. في مقال ياسمين خلف، يتم تحديد الزمان والمكان في سياق القصص المروية. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى استخدام تحديدات زمنية ومكانية أقل دقة.

في المقالات التي تتناول قضايا سياسية، يحدد النص البشري الزمان والمكان بدقة في بعض الأحيان: “في الانتخابات البلدية الأخيرة، مارس (2024)، فارقت نتائجها أي توقعات وتكهنات مسبقة بأن يكتسحها أردوغان، كما العادة حيث لم يخسر أي استحقاق انتخابي منذ صعوده إلى السلطة عام (2003) رئيساً للوزراء، ثم رئيساً للجمهورية بصلاحيات واسعة بعد تعديل الدستور”. بينما يميل النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى استخدام تحديدات زمنية ومكانية أقل دقة.

في مقال غسان شربل، يتم تحديد الزمان والمكان بدقة في بعض الأحيان: “يزورك الخوفُ حين تتابع من بيروتَ ما يجري في سوريا”. في حين ينقص النص المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى استخدام تحديدات زمنية ومكانية أقل دقة: “من بيروت تبدو مشاهد السوريين العائدين إلى بيوتهم في مناطق محررة مشهداً مؤثراً. لكنه مشهدٌ ناقص إن لم يرافقه ضماناتٌ بالعدالة والأمان. لا يكفي أن تعود البيوت بلا ساكنيها، أو أن تفتح الشوارع أبوابها وهي مثقلة بالذكريات الحزينة”.

 

الخاتمة

تُظهر الدراسة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، على الرغم من قدرته المتزايدة على إنتاج نصوص متماسكة وذات صلة، لا يزال يواجه تحديات في محاكاة الجوانب الأكثر دقة في الكتابة الصحفية. يميل الذكاء الاصطناعي إلى العمومية والتحليل المباشر، بينما يتميز الصحفيون البشريون بالقدرة على تقديم تحليل أعمق، وإضفاء الأسلوب الشخصي والعاطفي، وسرد الوقائع والتفاصيل بشكل أكثر ثراءً. هذه الاختلافات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة مفيدة في الصحافة، لكنه لا يستطيع حتى الآن أن يحل محل الصحفيين البشريين بشكل كامل.

تكشف المقارنة بين النصوص التي ينتجها الصحفيون، وتلك التي يولدها الذكاء الاصطناعي، عن فروق جوهرية في كيفية معالجة العناصر الأساسية للكتابة الصحفية. يميل الصحفيون إلى التحديد الدقيق للوقائع والشخصيات والزمان والمكان، كما يركزون على التفاصيل الشخصية والعاطفية، ويقدمون تحليلات عميقة مدعومة بتفاصيل محددة. في المقابل، يظهر الذكاء الاصطناعي قدرة أقل على استيعاب هذه الفروق الدقيقة، وغالبًا ما ينتج نصوصًا أكثر عمومية وسطحية.

في الختام، يشير التحليل إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مكملاً قيماً للجهود الصحفية، خصوصاً في المهام التي تتطلب سرعة وكفاءة في إنتاج النصوص. ومع ذلك، فإن القدرة على تقديم تحليل عميق، وإضفاء الأسلوب الشخصي، وسرد التفاصيل الغنية، وتحديد الزمان والمكان بدقة، وهي عناصر أساسية للكتابة الصحفية الجيدة، لا تزال مجالًا يتفوق فيه الصحفيون البشريون. لذلك، فإن التكامل الأمثل للذكاء الاصطناعي في الصحافة ينبغي أن يركز على تعزيز قدرات الصحفيين بدلاً من استبدالهم.

 

مصادر المقالات

https://www.shorouknews.com/columns/abd-allah-el-sinawy

https://raseef22.net/author/1074919-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AF

https://www.albiladpress.com/columnists/yasmeen

https://aawsat.com/writer/%D8%BA%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D8%A8%D9%84

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى