في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، تبقى قضية الدعم الحكومي محورًا أساسيا في النقاشات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وتحسين حياة المواطنين، خصوصًا الفئات الأكثر احتياجًا.
ومع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة معدلات الفقر، تبرز ضرورة إعادة تقييم طرق تقديم الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه بكفاءة وفاعلية. النقاش الدائر بين أنصار الدعم العيني، الذي يعتمد على توفير السلع المدعمة مثل الخبز والزيت والسكر بأسعار مخفضة، وبين دعاة التحول إلى الدعم النقدي، الذي يمنح الأسر الحرية في اختيار كيفية إنفاق المبالغ النقدية التي تتلقاها، يعكس جدلًا معقدًا حول النظام الأمثل لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
الدعم العيني يُعد جزءًا من سياسات الحكومة المصرية لعقود، حيث يسهم في تثبيت الأسعار وتوفير السلع الأساسية للمواطنين بشكل يضمن لهم مستوى معيشة لائق. إلا أن هذا النظام ليس خاليًا من العيوب، فالمشاكل المتعلقة بالفساد، والتهريب إلى السوق السوداء، وتكاليف التشغيل العالية تجعل من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لتحسين كفاءته، فكثيرًا ما تُهدر موارد الدولة بسبب الفاقد الناتج عن هذه التحديات، مما يحد من التأثير الإيجابي للدعم على الفئات المستحقة.
على الجانب الآخر، يوفر الدعم النقدي بديلًا مرنًا وأكثر شفافية. بدلًا من توزيع السلع، تُحوَّل مبالغ نقدية مباشرة إلى المواطنين، مما يسمح لهم باستخدام تلك الأموال حسب احتياجاتهم الشخصية. يتميز هذا النظام بأنه يقلل من التكاليف الإدارية واللوجيستية المرتبطة بتوزيع السلع، ويقلل أيضًا من فرص الفساد والتلاعب. إلا أن البعض يرى أن الدعم النقدي قد يواجه تحديات تتعلق بسوء استخدام الأموال المقدمة، خصوصًا في غياب رقابة فعالة أو ضعف الوعي الاقتصادي لبعض الأسر المستفيدة.
التجارب الدولية تقدم دروسًا قيمة يمكن لمصر الاستفادة منها. على سبيل المثال، استطاعت البرازيل من خلال برنامج “Bolsa Família” أن تحقق نتائج إيجابية في مجالات التعليم والرعاية الصحية، مقابل تقديم مساعدات نقدية مشروطة، مما ساعد في رفع مستوى معيشة الفقراء وتحقيق تنمية شاملة.
كما أن تجربة الهند في التحول إلى الدعم النقدي، خصوصًا فيما يتعلق بدعم الوقود والغاز، أسهمت في تقليل الفاقد المالي والحد من الفساد.
هذه النماذج تقدم أدلة على أن الدعم النقدي، إذا تم تصميمه وتنفيذه بشكل صحيح، يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
السؤال المطروح الآن: ما النظام الأمثل لمصر؟
في ظل الواقع الحالي، قد يكون من المناسب اتباع نهج تدريجي للتحول إلى الدعم النقدي. يمكن البدء بتجربة تطبيق هذا النظام في بعض المحافظات كمرحلة تجريبية لتقييم تأثيره على الأسر المستفيدة، وعلى السوق بشكل عام. إلى جانب ذلك، من الضروري تعزيز نظام الرقابة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، مع رفع مستوى التوعية حول أهمية الاستخدام الأمثل للأموال المقدمة.
في النهاية، سواء كان الدعم عينيًا أو نقديًا، فإن الهدف النهائي يظل واحدًا: تحسين جودة الحياة للمواطنين الأكثر احتياجًا، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تتطلع إليها مصر.
التجارب الدولية أثبتت أن النجاح يكمن في التفاصيل الدقيقة للتنفيذ، وليس في اختيار نوع الدعم فقط. ومن ثم، فإن تصميم نظام دعم يناسب الظروف المصرية ويدعم التنمية المستدامة سيكون خطوة مهمة نحو مستقبل أفضل.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب