انعقدت قمة قادة الحوار الأمني الرباعي والمعروفة اختصار باسم الكواد في ويلمنجتون في 21 سبتمبر 2024، واستضافتها الولايات المتحدة. وحضر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز ورئيس الولايات المتحدة جوزيف بايدن، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو. أكدت القمة على التزام الدول الأربعة الاعضاء العميق لتحقيق الازدهار والاستقرار في المستقبل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لجعلها منطقة مفتوحة ومستقرة ومزدهرة. كما اتفق القادة على مجموعة من النتائج العملية الجديدة، وسلطوا الضوء على التقدم المحرز في القطاعات الرئيسية من أجل تعزيز سلاسل توريد الطاقة النظيفة ودعم الأمن البحري في إطار الشراكة التي تم الإعلان عنها منذ عامين وتدريب ممارسي البنية التحتية في المنطقة وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي، وبناء المرونة والاتصال من خلال التعاون في مجال الكابلات البحرية. كما تم الإعلان عن عمليات خفر السواحل المشتركة في عام 2025 والتي ستشمل أفرادًا أستراليين ويابانيين وهنودًا يقضون وقتًا على متن سفينة خفر السواحل الأمريكية. وقال المسؤولون إن الدول تخطط لزيادة التعاون اللوجستي العسكري. ولم يعلقوا على مكان نشاط خفر السواحل.
وفي هذا السياق، قال البيت الأبيض إن قمة الرباعية لم تكن موجهة إلى أي دولة أخرى وأن بكين لا ينبغي أن تجد أي مشكلة في المبادرة،.. وتجدر الإشارة الى ان هذه القمة هي الأخيرة التي يحضرها كل من الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو.
خلفية تاريخية
انطلق الحوار الامني الرباعي ” الكواد” في عام 2007 لأول مرة بين كل من الولايات المتحدة الامريكية واستراليا واليابان والهند، وذلك بمبادرة من رئيس وزراء اليابان حينئذ ” ابي”، ورئيس الوزراء الاسترالي جون هوارد (الذي ساند بوش في حربه على العراق). وتتضمن الحوار الامني ايضا تدريبات عسكرية مشتركة بين الدول الاربع الاعضاء. وكان الهدف الرئيسي هو مواجهة الصين على الصعيد العسكري والاقتصادي وهو ما قوبل بالرفض من جانب الصين جملة وتفصيلا.
ان الحوار الرباعي له أهداف سياسية مختلفة، بدء من وجود “نية صامتة” لمواجهة الصين. ومع ذلك، قد يكون هدفها النهائي هو خلق بيئة إقليمية مبدئية عبر المحيطين الهندي والهادئ، وهي بيئة إقليمية خالية من الإكراه والهجوم. وجاء في بيان قمة الحوار الرباعي 2021، الذي حمل عنوان “روح الرباعية”، أنه يسعى جاهدا من أجل “منطقة حرة ومفتوحة وشاملة وصحية وترتكز على القيم الديمقراطية، ولا تقيدها الإكراه”.
مسيرة الحوار الرباعي
تعرض الحوار الامني للتحدي الاول بعد انشائه في عام 2007، بعد ان أعلن رئيس الوزراء الاسترالي حينئذ “كيفين راد”، انسحابه من الحوار الرباعي (للحفاظ على علاقاته الاقتصادية مع الصين). ثم عادت استراليا الى الحوار الرباعي مرة اخرى عندما ازاحت رئيسة الوزراء الأسترالية “جوليا جيلارد”، كيفين راد من رئاسة الوزراء. واستأنفت التدريبات العسكرية الامريكية الأسترالية واعلان عودة الحياة الى الحوار في 2017. وفي عام 2021 تم اصدار بيان مشترك من الدول الاربع الاعضاء تحت اسم ” روح الاتفاق الرباعي” والذي حمل رؤية مشتركة تجاه منطقة اندو باسفيك لتكون منطقة مفتوحة وحرة ونظام ملاحي مبني على اسس وقواعد في شرق وجنوب بحر الصين بهدف مواجهة الصين.
حظيت إدارة الفضاء الخارجي باهتمام كبير في قمة الرباعي قبل الاخيرة، حيث ذكر البيان المشترك أن التجمع سيستكشف سبل التعاون، فضلا عن تبادل البيانات من أجل مجموعة من الأغراض السلمية، بما في ذلك تتبع الأنماط المناخية المتغيرة، والاستجابة للكوارث الطبيعية والتأهب لها، والاستخدامات المستدامة للمحيطات والموارد البحرية. واتفق الفريق أيضا على أن يعملوا على وضع قواعد ومبادئ توجيهية وقواعد ومبادئ تكفل الاستخدام المستدام للفضاء الخارجي.
من ناحية أخرى، تنطوي التطورات الأفقية للحوار الرباعي على انشاء تعاون أوسع نطاقا مع شركاء خارج إطار الساحة الرباعية. وبناء التحالف مع الدول ذات التفكير المماثل، سواء في جنوب شرق آسيا أو أ في وراسيا الداخلية أو أوروبا أو أفريقيا أو الأمريكيتين، بهدف توسيع قاعدة الدعم. ومع ذلك، يتم السعي إلى التعاون خارج نطاق الرباعي بمهارة نظرا للنزعة الإقليمية المشروطة المتأصلة في مفهوم الهند والمحيط الهادئ. ونعني بالإقليمية المشروطة إن أي محاولة لزيادة تطوير الإطار الرباعي يجب ألا تقوضه او تضعفه. وان تكون رباعية صلبة بسبب هيكلها المكون من أربعة أعضاء.
كوابح الحوار والتغلب عليها
توجد لدى دول الحوار الامني الرباعي اختلافات في إدراك التهديد، والتسامح مع المخاطر، والقدرة العسكرية، والثقافة الاستراتيجية، ومن المرجح أن يتعمق التعاون بين بلدان “رباعية” طالما استمرت الصين في تحدي الجوانب الرئيسية للنظام القائم على القواعد الليبرالية المستندة على الوضع الراهن والتي تعود بالفائدة على الأربعة دول الاعضاء. وعليه، ينبغي للدول الرباعية أن تتعاون لتحسين القدرة المشتركة على التشغيل البيني والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وتقاسم الخدمات اللوجستية لإسقاط الطاقة، وتعزيز الوصول إلى تكنولوجيا الدفاع وتطويرها المشترك. وينبغي لها أيضا أن تتعاون في وضع المعايير، وأن تنشئ خطة تمويل رباعية الأضلاع للبنية التحتية الحيوية بين الهند والمحيط الهادئ كبديل قابل للتطبيق لمبادرة الحزام والطريق الصينية للدول الصغيرة التي يمكن أن تستهدفها الصين لأغراض إسقاط الطاقة.
ادارة المواجهة
تحولت منطقة الاندوباسفيك الى منطقة احتواء ومواجهة وخط دفاع اول من جانب الولايات المتحدة الامريكية تجاه الصين. خاصة وان ادارة المواجهة بين الولايات المتحدة والصين من عام 1989 وحتى الان قد مرت بثلاث اختبارات محورية، اثبتت جميعها فشل الولايات المتحدة في الحد من النمو الصيني. وأكثر من ذلك، انه عندما يتم افتراض سيناريوهات مغايرة لما تم بالفعل لإدارة هذه المواجهة من جانب الولايات المتحدة، فأن نتيجة هذا البحث الافتراضي لن تكن مغايرة لما حدث بالفعل. وان الولايات المتحدة باتت امام نوعا من الحتمية التاريخية ولم يعد بيدها وسيلة للحد من النمو الصيني وربما الهيمنة الصينية خاصة في بحر الصين الجنوبي وامتدادها لمنطقة الاندو باسفيك الا عبر الداخل الامريكي وابتكار وسائل وادوات جديدة للتعامل مع التنين الصيني.
من الوسائل الجديدة التي اهتدت اليها الولايات المتحدة في ادارة مواجهتها مع الصين هي انشاء او اعادة احياء تحالفات like-minded في منطقة الاندو باسفيك. مع التحول الى ادارة التنافس الاستراتيجي على اسس المصالح المشتركة . وفي نفس الوقت عدم تجنب استعراض القوة العسكرية سواء تجاه الصين او تجاه روسيا الاتحادية.
علما بان الداخل الامريكي والداخل الصيني سيكونا محددين كبيرين ورئيسيين في ادارة المواجهة في المستقبل القريب بين البلدين. فعلى سبيل المثال تعد الصين الدولة رقم واحد في الرياضيات و العلوم اما الولايات المتحدة هي الدولة رقم 37 في الرياضيات و 18 في العلوم و هذا يدل علي ان التقدم العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة في تقهقر و هذ يثير قلق كبير بالداخل الامريكي . اضافة الى ان الصين تعطي درجات دكتوراه ضعف الولايات المتحدة خاصة في مجال الفضاء.
شكل المواجهة
انتقلت الولايات المتحدة في ادارة مواجهاتها من شكل الاحتواء الى تبني شكل من اشكال المواجهة، فلجات الى تكوين تحالفات ” غير رسمية أي ليست على غرار الناتو مثلا”، مثل اعادة احياء الكواد، او انشاء الايكوس. وفيما يتعلق بالكواد، وهو محور تحليلنا في هذه الورقة. نود الاشارة الى ما يلي:
ان هناك توجس داخل الكواد، بين اعضائه. وان ما يجمعهم هو ما يمكن ان نطلق عليه “التهديد الاعلى”. فمثلا حالة التوجس بين استراليا واليابان ليست في المستوى الصفري. وذلك بسبب البعد التاريخي بين البلدين وهو ما اتضح في صفقة الغواصات التي عقدتها استراليا مع فرنسا وتم الغائها مع اليابان، وتم الاعتراض عليها نظرا للتوجس الاسترالي من اليابان.
ان الصين تعد الشريك التجاري الاول لأستراليا، وان عدد الطلاب الدوليين المبعوثين من الصين في الجامعات الأسترالية هو الاكبر عددا، وكذلك حجم الاستثمارات الصينية في استراليا. في المقابل، نقلت استراليا تبعيتها الامنية من بريطانيا العظمى الى الولايات المتحدة في بداية خمسينات القرن الماضي بموجب اتفاقية دفاع مشترك وبات للولايات المتحدة ست قواعد عسكرية على الاراضي الأسترالية. وان التوزان والمفاضلة بين العلاقات الاقتصادية مع الصين والامنية مع الولايات المتحدة. يحتاج دائما الى ادارة استراتيجية من جانب استراليا وغالبا ما تتغير من رئيس وزراء وحزب حاكم الى اخر.
- توجد اعمال تكتيكية تتخذها بعض دول الحوار الرباعي مثل الإجراءاتالتي اتخذتها أستراليا والولايات المتحدة واليابان لإعادة توجيه الكابلات البحرية عبر تايوان وبعيدا عن هونج كونج التي تسيطر عليها الصين.
وختاما، بعد توقف دام عشر سنوات، تم إحياء الحوار الرباعي الأمني بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة – في عام 2017 بهدف دعم “منطقة الهند والمحيط الهادئ الحرة والمفتوحة والشاملة للجميع”. وفي حين أن هناك اختلافات هامة بين البلدان الأربعة بشأن تصورات التهديد، والقدرة العسكرية، والأولوية الاستراتيجية، والقدرة على تحمل تكاليف الانتقام المحتمل، والثقافة الاستراتيجية، والضرورات الدستورية، فإن هذه الاختلافات تضع قيودا على التعاون الرباعي، ولكنها لا تحول دون ذلك. والبلدان الأربعة جميعها لديها مصالح مشتركة في الحفاظ على توازن قوى مستقر في منطقة الاندو باسفيك، وحرية البحار، والنظام الاقتصادي المفتوح القائم على القواعد، والحد من استخدام الإكراه من جانب دولة ما لتأكيد المطالب الإقليمية وتعزيز الامن البحري والامن الصحي ، وهو ما اكدت عليه قمة سبتمبر 2024.