د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الجيش والزنادقة والانفصاليون وثلاث مسيرات للمصالحة ولم الشمل
منذ 2011 إلى الآن كنت شاهداً على ثلاث مسيرات للمصالحة ولم الشمل، جميعها حمتها القوات المسلحة من الزنادقة والانفصاليين.
المشهد الأول: في عام 2011 شرعنا في توجيه مسيرات لم الشمل، وحشد الجماهير لتحويل المشهد السياسي إلى مشهد شعبي أصيل يحض على الحوار والصلح، وينبذ القتال والعنف، فالتقت في سرت مسيرة للمِّ الشمل من غرب ليبيا وجنوبها ومن عائلات الشرق النازحة في الغرب -من بينهم زوجتي وأبنائي- واتجهت المسيرة شرقاً تحمل أغصان الزيتون، عند وصولها إلى بن جواد تصدى لها الزنادقة بالرصاص فارتقى منها شهداء وعادت المسيرة دون أن تحقق هدفها في الوصول إلى سلوق والاجتماع عند ضريح عمر المختار لوقف نزيف الدماء وتحقيق المصالحة.
من المفيد أن نورد شهادة محمد القاضي عضو اللجنة المدنية الدولية لتقصي الحقائق في ليبيا من المغرب الشقيق حيث قال: “أؤكد للعالم أن معظم الثوار ليسوا ليبيين، خصوصا تنظيم القاعدة، معظمهم مصريون ولبنانيون وجنسيات أخرى، والدليل على ذلك هو أننا كنا يوم 27/3/2011 متجهين إلى مدينة بنغازي في إطار مسيرة “لم الشمل” بين شرق وغرب ليبيا، وكنا برفقة ممثلي جمعيات غربية وعربية وأكثر من 20 صحافيا، فاعترضت سبيلنا عصابة من 11 فردا ومدججة بالسلاح وتحمل راية الثوار، حيث قاموا بإنزالنا من الحافلات والسيارات وأضرموا النار في إحدى الحافلات التي كانت تقلنا وهددونا بالموت إذا لم نعد من حيث أتينا، وفي نفس الوقت قاموا بمحاولة اختطاف الفتيات اللاتي كن برفقتنا، إحداهن حاولت الاحتجاج فأطلقوا عليها الرصاص وقتلوها فورا. وقتلوا ثلاثة آخرين، قام أحد الليبيين الذي كان برفقتنا بالاتصال خلسة بأفراد الجيش الليبي، حيث حضروا إلى مكان الحادث بعد 20 دقيقة من اعتراض سبيلنا، فقاموا بمهاجمة مجموعة الثوار، فتمكنوا من أسر أربعة أفراد منهم، بينما فر السبعة الآخرون نحو مدينة بنغازي.
اتضح أن الأفراد الذين تم القبض عليهم ليسوا ليبيين، بل واحد مصري وثلاثة لبنانيون، وهذه حقيقة ينبغي على العالم أن يعرفها”.
والمشهد الثاني للم الشمل كان في 16/9/2015، حيث تقاطر أبناء القبائل والمدن الليبية من كل الربوع في اجتماع تاريخي، بجوار ضريح شيخ الشهداء بمدينة سلوق، حاولت الميليشيات فض الاجتماع بقوة السلاح، لكن القوات المسلحة تصدت لهم ووفرت حماية للمجتمعين، ولا يمكن أن ننسى حماس المجتمعين وهتافاتهم الوحدوية أثناء قيام نسور الجو بتحيتهم أثناء الاجتماع، صدرت عن المؤتمر وثائق تاريخية هي: إعلان سلوق، والشرعية الاجتماعية، ورؤية الحل في ليبيا، وتشكيل هيئة قيادية تسمى “المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية”، وبدعوة من الأخ عبدالحميد حماد العبيدي تقرر أن يعقد المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية اجتماعه الأول بمدينة القبة يوم 7/10/2015، لكن الانفصاليين والمغيبين عرقلوا الاجتماع، فحاولنا أن ننتقل لعقده في محل الإقامة بشحات، فتصدى لنا ملَكي انفصالي ومنعنا، فتمت دعوتنا من الأخ إدريس ونيس الدرسي لعقد الاجتماع في بلدة بطة، فعقدناه في جو آمن ومريح، وللتاريخ فإن تهيئة البيئة لعقد ملتقى سلوق يعود إلى القوات المسلحة العربية الليبية أولاً، وإلى أهل سلوق وعلى رأسهم الشهيد ابريك اللواطي والصديق عبدالحميد الكزة، لكن الأول اغتالوه والثاني ذهّبوه. وحصلت مناكفة بخصوص العلَم فقام الجيش بفتح ثغرة أخرى في سور الضريح لدخول المشاركين، وأغمي على أمين شؤون اللجان الشعبية بالشعبية، لأنه صُدم بإصرار الحاضرين على الاجتماع دون رايات سياسية، مؤتمر القبائل والمدن الليبية جهد وطني خالص، وكان امتدادا لمؤتمر 5-5-2011م لكن تمت عرقلته من داخله بمحاولة تجييره لتيار وتأليبه ضد تيار آخر، فتجاوزنا تلك العراقيل بملتقى التنظيمات الاجتماعية والسياسية والمهنية، الذي عقد مؤتمره التحضيري براس لانوف في 4/4/2019 وكان المخطط أن يعقد المؤتمر العام بطرابلس الكبرى، لكن استغلال النفوذ القبلي والجهل والانتهازية أنشأ جسما آخر، ورغم أنه وُلد ميتاً لكنه عرقل السير في المشروع.
المشهد الثالث لمسيرات لم الشمل هو الذي تجسد بعد فيضانات الجبل الأخضر، عبّر الليبيون عن تضامنهم ووحدتهم، فتقاطروا من كل الاتجاهات والانتماءات، يجودون بأرواحهم لإنقاذ أشقائهم وبأموالهم لإعانتهم، برهنوا أن ليبيا واحدة وأن سبب الانقسام والاحتراب هم الزنادقة تجار الدين والعملاء للأجنبي والنهابين الفاسدين.
وكانت القوات المسلحة في الموعد وللمرة الثالثة حيث حمت هذه الحشود المتقاطرة على المنطقة ويسرت لهم مبتغاهم، وأفشلت محاولات التسلل التي قام بها الزنادقة والعملاء الذين حاولوا تجيير المشهد لصالح مشروعهم العدمي العبثي. كما أن الانفصاليين والمغيبين حاولوا الإنقاص من هذا الجهد بالتشكيك في نوايا الليبيين وأشقائهم العرب الذين هبوا لنجدتهم، لكن تلك الأصوات غرقت في هدير أمواج الجماهير.
نتمنى ألا يفتر الحماس حتى يعيد ليبيا لأهلها، وهنا يبرز دور القيادات السياسية الوطنية ومسؤولية القوات المسلحة العربية الليبية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب