الرئيسيةدراساتسياسية

التنافسية الآسيوية في القارة الأفريقية: «اليابان.. كوريا الجنوبية.. الهند»   

إعداد الباحث / محمود سامح همام – باحث سياسي متخصص في الشؤون الإفريقية

تشهد القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام من قبل القوى الآسيوية الكبرى، حيث أصبحت اليابان، كوريا الجنوبية، والهند لاعبين رئيسيين يسعون إلى تعزيز حضورهم الاقتصادي والسياسي في إفريقيا. هذه القوى الآسيوية تعتمد على استراتيجيات متنوعة تتراوح بين الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والتعاون التكنولوجي، والمساعدات التنموية، مما يعكس رغبتها في بناء شراكات مستدامة مع الدول الإفريقية. في ظل التنافس المتزايد بين هذه الدول، يتشكل مشهد جديد للعلاقات بين آسيا وإفريقيا، يعيد رسم ملامح التعاون الدولي ويخلق فرصًا وتحديات للقارة السمراء.

التنافسية الآسيوية القارة الأفريقية

وسنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على أبرز مشاهد التواجد الآسيوي في إفريقيا، بالإضافة إلى تناول العلاقات بين الدول الثلاث ودول القارة الإفريقية من خلال المحاور التالية:

أولًا : تاريخ العلاقات الآسيوية – الإفريقية: جذور وتطور التواجد

ثانيًا : أنماط التواجد الاقتصادي للدول الثلاث في إفريقيا

ثالثًا : الآليات الدبلوماسية في العلاقات بين اليابان، كوريا الجنوبية، والهند وإفريقيا

 

أولًا : تاريخ العلاقات الآسيوية – الإفريقية: جذور وتطور التواجد

تُعتبر العلاقات الآسيوية_الإفريقية جزءًا محوريًا من الديناميكيات الجيوسياسية العالمية، حيث تمتد جذورها إلى مراحل تاريخية مبكرة قبل أن تتطور بشكل ملحوظ في حقبة ما بعد الاستعمار. في هذه الفترة، سعت دول آسيا، مثل اليابان، كوريا الجنوبية، والهند، إلى تعزيز تواجدها في إفريقيا عبر استراتيجيات متعددة الأبعاد شملت التعاون الاقتصادي، السياسي، والتنموي. ومع تزايد أهمية إفريقيا على الساحة الدولية كمصدر للموارد وفرص النمو الاقتصادي، أصبحت العلاقات الآسيوية-الإفريقية تحمل طابعًا استراتيجيًا يعكس مصالح هذه الدول في تحقيق نفوذ أكبر وتعزيز دورها في النظام العالمي. تطور هذه العلاقات هو نتاج لتقاطع المصالح السياسية والاقتصادية في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي.

 

 جذور العلاقات اليابانية – الإفريقية

تعود العلاقات اليابانية – الأفريقية إلى عشرينيات القرن الماضي، ففي عام 1928 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر واليابان، لكن علاقاتها بالقارة الأفريقية عموماً لم تفعّل إلا في نهاية السبعينيات، إذ كانت مقتصرة على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الإفريقية المستقلة حديثاً، مع بداية المدّ التحرّري في أواخر الخمسينيات، وتُعدّ بداية سنوات السبعينيات منعرجاً أكثر حيوية، حيث قامت فيها اليابان بدعم وجودها الدبلوماسيّ والقنصليّ في عدة دول إفريقية، إلى أن تُوجّت بافتتاح أول قنصلية لها عام 1981م في أبعد نقطة من القارة، وهي مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا.. (1)

 

 جذور العلاقات الكورية – الأفريقية

تتمتع كوريا الجنوبية والدول التي تتألف منها أفريقيا بتاريخ من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية مع بعضها البعض منذ تأسيس كوريا الجنوبية، استكمالًا، لم تبدأ التبادلات بين كوريا والدول الإفريقية إلا في منتصف القرن العشرين، وذلك نتيجة للموقع الجغرافي والقيود التكنولوجية في تلك الفترة، بالإضافة إلى فقدان كوريا سيادتها الوطنية خلال الحقبة الاستعمارية اليابانية حتى عام 1945. على هذا الأساس، بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين كوريا وإفريقيا بعد الحرب الكورية في الخمسينيات. خلال الحرب الكورية، التي اندلعت في 25 يونيو 1950، شاركت وحدات من الجيشين الإثيوبي والجنوب إفريقي ضمن قوات الأمم المتحدة، بما في ذلك “ميحال سيفاري”، وحدة الحرس الشخصي للإمبراطور الإثيوبي، التي تم إرسالها لدعم كوريا الجنوبية، رغم أن إثيوبيا كانت من أفقر دول العالم حينها. وقد أسهمت تلك المساعدات الإثيوبية في بناء علاقات ودية وخاصة بين البلدين بعد انتهاء الحرب. نتيجة لذلك، تم تخصيص مكتب الاتحاد الإفريقي في كوريا الجنوبية داخل السفارة الإثيوبية، وقامت الحكومة الكورية الجنوبية بإنشاء حديقة تذكارية تكريمًا للجنود الإثيوبيين الذين شاركوا في الحرب. (2)

 

تاريخ العلاقات الهندية – الأفريقية

ترتبط الهند وأفريقيا بعلاقات متعددة الأبعاد منذ العصور القديمة، إذ يسهل القرب الجغرافي بينهما، عبر المحيط الهندي، حركة الملاحة والتجارة. وقد بدأت هذه العلاقات التجارية عندما كان البحارة الهنود يبحرون من خليج كوتش على الساحل الغربي للهند إلى السواحل الشرقية لأفريقيا في فترات ما قبل الاستعمار، معتمدين على الرياح الموسمية لتوجيه رحلاتهم. وصلت هذه الرحلات إلى مناطق بعيدة مثل زنجبار، التي كانت تعرف سابقًا بساحل زنجي، حيث اشتروا سلعًا مثل البخور، زيت النخيل، المر، الذهب، النحاس، التوابل، العاج، قرون وحيد القرن، وجلود الحيوانات البرية. في المقابل، قام التجار الهنود ببيع منتجات مثل الأقمشة، الأدوات المعدنية، القمح، الأرز، وغيرها لأسواق شرق إفريقيا.

وفي سياق متصل تشير الأدلة التاريخية، مثل سجل رحلات البحر الإريتري، المكتوب في القرن الأول الميلادي، إلى بدايات الإبحار في شرق إفريقيا وساحل البحر الأحمر. يعكس هذا السجل ثقافة البحر والأنشطة البحرية في الهند القديمة، ويقدم صورة واضحة عن التجارة المزدهرة بين الهند ومنطقة غرب المحيط الهندي. تمتد هذه التجارة من القرن الصومالي إلى طريق البحر الأحمر، شاملةً العديد من الدول الساحلية الأفريقية الأخرى. (3)

ثانيًا : أنماط التواجد الاقتصادي للدول الثلاث في إفريقيا

تشهد إفريقيا في السنوات الأخيرة تحولًا اقتصاديًا جذريًا، مما جعلها وجهة جذابة للاستثمار والتعاون الدولي. في هذا السياق، تسعى كل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية إلى تعزيز تواجدها الاقتصادي في القارة، حيث تعتبر هذه الدول من القوى الاقتصادية الرائدة في العالم، وتتجلى أنماط التواجد الاقتصادي لهذه الدول في إفريقيا من خلال استراتيجياتها الموجهة نحو استغلال الفرص المتاحة في العديد من المجالات. يعكس هذا التوجه رغبة هذه الدول في بناء شراكات استراتيجية مع الدول الإفريقية، تعتمد على تبادل المنافع وتعزيز التنمية المستدامة.

كما أن التنافس بين هذه القوى الاقتصادية يشكل جزءًا من سياق أوسع يعكس تغير موازين القوى العالمية، حيث تسعى كل دولة إلى تعزيز نفوذها في إفريقيا من خلال الاستثمارات والمبادرات التنموية في ظل هذه الديناميات.

 

” كوريا الجنوبية وأفريقيا”

في ضوء القمة الكورية الأفريقية التي عقدت يومي 4 و5 يونيو 2024، تعهدت كوريا الجنوبية بدعم التكامل الاقتصادي في أفريقيا ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) للمساعدة في بناء قدرات السلطات الجمركية وإنشاء نظام إدارة المنشأ الشامل (OOMS) كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، وعلى غرار أن كوريا لا تظهر من ضمن الشركاء التجاريين الرئيسيين لأفريقيا. فتتطلع إلى دفع أكبر نحو الجنوب العالمي، حيث تريد صناعتها دعمًا أكبر لسياراتها والمركبات الكهربائية وأشباه الموصلات والتصنيع المرتبط بها والذي تعتبر المعادن الحيوية مهمة له، لذا تهدف كوريا في الأونة الأخيرة بتحريك شراكة جديدة مع أفريقيا، تركز إلى حد كبير على المعادن الحيوية.

وفي سياق  ذلك ، فإن اهتمامهم سوف ينصب على البلدان التي يمكن استيراد المعادن منها. وكانت زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا من بين البلدان التي ركزت عليها سول، ومن المرجح أن تركز المحادثات بينهما على دعم التعاون التنموي الكوري. ونظراً لعدم وجود سياسة أفريقية للمعادن الحرجة، فإن الجهود المبذولة ستتلخص في خلق نموذج للتعاون يجعل كوريا تبدو وكأنها شريك، وعطفًا على ما ذُكر، وفي لقاءات ثنائية. فقد عرضت كوريا مسبقًا على تنزانيا اتفاقية شراكة اقتصادية، وكذلك الحال بالنسبة للمغرب وكينيا. كما حصلت تنزانيا على قرض بقيمة 25 مليار دولار أميركي لمدة خمس سنوات من صندوق التعاون الاقتصادي التنموي الكوري. ووقعت تنزانيا اتفاقيتين تمنحان كوريا الجنوبية حق الوصول إلى ومواردها البحرية ومعادنها مثل النيكل والليثيوم والجرافيت المهمة لتقنيات الطاقة النظيفة. وتم توقيع مذكرة تفاهم لتطوير البنية الأساسية مع رواندا وإثيوبيا. وتم توقيع تسهيل تمويل بقيمة مليار دولار أميركي مع إثيوبيا. ووقعت رواندا على قرض بقيمة 66 مليون دولار أميركي لقطاع الطاقة، وعلى صعيد أخر، تم توقيع أطر تعزيز التجارة والاستثمار واتفاقيات الازدواج الضريبي مع ثماني دول أفريقية، بما في ذلك غانا وملاوي ورواندا وزيمبابوي.   (4)

استكمالًا، وبالحديث عن حجم التبادل التجاري بين كوريا الجنوبية والقارة الإفريقية، وعلى سبيل المثال، ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية إلى جنوب إفريقيا بمعدل سنوي قدره 3.64%، من 1.04 مليار دولار في عام 2017 إلى 1.25 مليار دولار في عام 2022، (5) وفضلًا عن ذلك، زادت صادرات كوريا الجنوبية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى بمعدل سنوي بلغ 113%، من 1.07 مليون دولار في عام 2017 إلى 47.1 مليون دولار في عام 2022. (6)

في الختام، شهدت العقود الثلاثة الماضية زيادة ملحوظة في اهتمام كوريا الجنوبية بالقارة الأفريقية، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري من 900 مليون دولار في عام 1990 إلى أكثر من 20 مليار دولار في العام الماضي. كما نما حجم الاستثمار المباشر بشكل كبير، إذ ارتفع من 60 مليون دولار إلى نحو 10 مليارات دولار خلال نفس الفترة. هذه الأرقام تعكس الأهمية المتزايدة التي توليها سول للقارة الإفريقية ودورها الاستراتيجي في تحقيق أهدافها الاقتصادية. (7)

 ” اليابان وأفريقيا “

أقامت اليابان علاقاتها مع الدول الأفريقية في البداية من منظور اقتصادي بالدرجة الأولى، مع التركيز بشكل خاص على التنمية والمساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فقد تم إجراء تعديلات كبيرة على المبادئ التي تقوم عليها سياسة اليابان الأفريقية اليوم.، بالإضافة إلى الاعتبارات الاقتصادية، تشمل علاقات اليابان مع الدول الأفريقية أبعادا سياسية. وينبع هذا التطور جزئيا من تطلع اليابان إلى أن تصبح عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالتالي، تسعى البلاد إلى إقامة علاقات أوثق مع الدول الأفريقية، مع العلم أنها تمثل أكبر دائرة انتخابية داخل الأمم المتحدة. (8)

بدايةً وفي عام 2022 بلغ إجمالي حجم التجارة للصادرات اليابانية 747 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية بين اليابان وأفريقيا 24 مليار دولار فقط. والشريك التجاري الأهم لليابان في القارة هو جنوب أفريقيا، وقد يكون الهيكل المستقبلي للعديد من العلاقات الثنائية، حيث تستورد اليابان المواد الخام وتصدر السيارات.وعلى صعيد أخر، خلال قمة مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا (تيكاد) التي عقدت في عام 2022، أعلنت إدارة سول عن منح 30 مليار دولار من الأموال العامة والخاصة لأفريقيا على مدى ثلاث سنوات وتدريب أكثر من 300 ألف مواطن أفريقي في العديد من المجالات. كما تخطط إدارة كيشيدا لتعميق التعاون الاستراتيجي مع الدول الأفريقية، في المقام الأول من خلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا. (9)

ومن آليات طوكيو الاقتصادية، الشركات العالمية مثل شركة هواوي، حيث تقوم باعتماد 39 مشروعا لمدينة ذكية في 25 دولة أفريقية على الأقل. وبمجرد أن تقوم دولة أفريقية بتثبيت تقنية مدينة هواوي الذكية، فإنها تضطر إلى الاعتماد على هواوي للصيانة وتحديثات البرامج لفترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الاعتماد على شبكة الشركة إلى تخزين الشركة لكمية هائلة من المعلومات الشخصية. وتتميز طريقة هواوي في التوسع في أفريقيا بـ ” المثلث الحديدي ” حيث تتلقى الشركات في البلدان المضيفة الأفريقية قروضا من بنك التنمية الصيني وتستخدم الأموال لشراء معدات وخدمات هواوي. وهذا يمثل خطرا كبيرا للغاية يتمثل في قيام الحكومة الصينية بجمع واستخدام الأسرار الوطنية والمعلومات الشخصية من البلدان الأفريقية. (10)

مشاركة اليابان في افريقيا: نموذج للتعاون والتنمية - iGlobenews

 ” الهند وأفريقيا ” 

إن العلاقة الخاصة التي تربط أفريقيا بالهند توفر الأساس لشراكة متبادلة المنفعة ومستدامة مبنية على الوكالة الأفريقية وبناء القدرات، إن إعطاء الأولوية لأفريقيا ضمن استثمارات الهند هو أحد الأسباب التي جعلت الهند تُعتبر باستمرار حليفًا موثوقًا به في أفريقيا، وتتمتع الهند بوضع مراقب في السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، ومجموعة تنمية جنوب أفريقيا (سادك)، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). (11)

وعطفًا على ما سبق ، سجلت التجارة بين الهند وأفريقيا نموًا بنسبة 18 في المائة سنويًا منذ عام 2003 ، لتصل إلى 103 مليار دولار في عام 2023. وهذا يجعل الهند ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا بعد الاتحاد الأوروبي والصين، كما تعد الهند ثاني أكبر مقرض في أفريقيا ، حيث تتمتع بشراكات قوية بين القطاعين العام والخاص وضمانات لحماية المقترضين من ضائقة الديون. والواقع أن أغلب المساعدات الهندية يتم توجيهها من خلال بنك التنمية الأفريقي، الذي انضمت إليه نيودلهي في عام 1983. ويبلغ إجمالي استثمارات الهند في أفريقيا 70 مليار دولار، وهو الرقم الذي تهدف الكونفدرالية الهندية القوية إلى زيادته إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2030.

 

وعلاوة على ذلك، تنمو الصادرات الأفريقية إلى الهند بمعدل 32% سنويا، حيث تبلغ الصادرات الهندية إلى أفريقيا 23%. والدول الأفريقية الستة الأولى المصدرة إلى الهند هي نيجيريا وجنوب أفريقيا وأنجولا ومصر والجزائر والمغرب، وتمثل 89% من إجمالي الصادرات الأفريقية من حيث القيمة إلى الهند، ويرجع ذلك أساسا إلى صادرات النفط والغاز والخامات والذهب. وتتنوع التجارة بشكل كبير بين البلدان الأفريقية على مستوى المنتجات، ويبدو أن جميع الصادرات من الهند تحتوي على درجة ما من المدخلات التكنولوجية.

وعلى صعيد أخر، استفادت الدول الأفريقية أيضًا من مخطط التعريفة الجمركية التفضيلية المعفاة من الرسوم الجمركية الهندية (DFTP-LDC  ) لأقل البلدان نمواً، وتم تنفيذ هذا المخطط في عام 2008 على مدى فترة خمسة أعوام. وبموجب المخطط، قبل مراجعته في أغسطس2024 ، كان من الممكن لأقل البلدان نمواً الحصول على وصول معفى من الرسوم الجمركية على 85% من خطوط التعريفة الجمركية الهندية؛ وتم تمديد هذه النسبة إلى 98% بعد المراجعة.(12)

ثالثًا : الآليات الدبلوماسية في العلاقات بين اليابان، كوريا الجنوبية، والهند وإفريقيا

تشكل الآليات الدبلوماسية ركيزة أساسية في صياغة العلاقات بين اليابان، كوريا الجنوبية، والهند مع إفريقيا، وذلك في ظل تزايد الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للقارة السمراء. وتعتمد هذه الدول الآسيوية الثلاث على أدوات دبلوماسية متنوعة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وذلك عبر توسيع مجالات التعاون الاقتصادي، الاستثمار، والتبادل الثقافي مع الدول الإفريقية. تأتي هذه الجهود في سياق تنافس عالمي متزايد على الموارد الطبيعية والأسواق الناشئة في إفريقيا، حيث تسعى اليابان وكوريا الجنوبية إلى تعزيز مكانتهما كقوتين اقتصاديتين تقدميتين، بينما تحرص الهند على توظيف تاريخها العريق وعلاقاتها التاريخية لتعزيز دورها في هذه الشراكة. تعتمد هذه الدول على استراتيجيات دبلوماسية متعددة الأطراف وثنائية لتعزيز علاقاتها مع إفريقيا، مثل القمم المشتركة، البرامج التنموية، والمبادرات التجارية، التي تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة في مجالات التنمية المستدامة، الأمن، والابتكار التكنولوجي.

الهند

كانت الهند يقظة بشأن نفوذ الصين المتزايد في أفريقيا. افتتحت الهند برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي ، الذي درب العديد من الطلاب الأفارقة في مجموعة من الدورات الفنية والعلمية في عام 1964، بعد وقت قصير من حرب الحدود الكارثية مع الصين.  استجابة لمبادرة الحزام والطريق الصينية  التي أطلقتها في عام 2013، والتي تهدف إلى تطوير شبكات الاتصال التي تركز على بكين، قدمت الهند مشروع موسام لإحياء قنوات الاتصال البحري الهندية القديمة عبر غرب المحيط الهندي. بالإضافة إلى ذلك، تبنت استراتيجية “الأمن”  لتطوير شراكات استراتيجية مع الدول الجزرية مثل موريشيوس وسيشل. كما إن عضوية الهند في مجموعة الرباعية التي تم تشكيلها مؤخرًا (مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة) هي خطوة استراتيجية أخرى لمواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وعلى غرار ذلك كانت الهند حريصة على تعزيز العلاقات مع أفريقيا. ويتسم هذا التعاون بالزيارات رفيعة المستوى، والحضور الدبلوماسي المتزايد، ودمج الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين. ومن المؤكد أن أهمية القارة سوف تزداد. ويتعين على الهند أن تواصل تعميق التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تعزز من المصالح بأفريقيا، وباختصار، تود الهند تأكيد نفسها كشريك تنموي أفضل لأفريقيا من الصين بسبب مؤسساتها الديمقراطية ونموذجها الاقتصادي ” إجماع مومباي “. ويتسم هذا النموذج بالحكم اللامركزي، والتركيز على ريادة الأعمال الخاصة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، منخفضة التكلفة. (13)

واستكمالًا على ما ذُكر، وبتسليط الضوء على الآليات الدبلوماسية للهند في القارة السمراء، أطلق اتحاد الصناعة الهندي بالشراكة مع وزارة الشؤون الخارجية ووزارة التجارة والصناعة، حكومة الهند، مؤتمر أفريقيا حول الشراكة بين الهند وأفريقيا في عام 2005. ومنذ البداية، برز المؤتمر كواحد من أكبر التجمعات لكبار الوزراء وصناع السياسات وقادة الأعمال من أفريقيا والهند، من مختلف القطاعات. وعلى مر السنين، شهد المؤتمر مشاركة أكثر من 10000 مندوب أفريقي وأكثر من 8500 مندوب هندي. كما استضاف المؤتمر أكثر من 500 وزير كبير، بما في ذلك رؤساء دول من أفريقيا.

وتهدف النسخ من هذا الملتقى إلى أن تكون بمثابة أداة لنمو أفريقيا ودور الشراكة بين الهند وأفريقيا في تكامل سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. بالإضافة إلى المناقشات الثنائية والثلاثية والإقليمية، سيركز الملتقى على بعض المجالات الرئيسية للشراكة والفرص الناشئة في الزراعة وتجهيز الأغذية والدفاع والشراكة الرقمية والشراكة المالية والرعاية الصحية والأدوية والبنية الأساسية والطاقة والنظام البيئي للجودة وتنمية قدرات المهارات وغيره.(14)

كوريا الجنوبية

في عام 2022، اعترفت كوريا الجنوبية بإفريقيا كشريك استراتيجي في استراتيجيتها الاستثمارية، مما مهد الطريق لتعزيز التعاون بين الجانبين. وفي يونيو 2024، استضافت سيول أول قمة كورية-إفريقية، حيث اجتمعت 48 دولة إفريقية من أصل 54 في العاصمة الكورية لمناقشة قضايا متنوعة، من التعاون الاقتصادي والتنمية إلى الأمن والتكنولوجيا. وقد تمخضت هذه القمة عن إعلان مشترك، أكد فيه الجانبان التزامهما بتعزيز التجارة والاستثمار. ومن المتوقع أن تشهد المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من كوريا الجنوبية لإفريقيا زيادة كبيرة، حيث سترتفع من 628 مليون دولار كندي في عام 2023 إلى 13.6 مليار دولار كندي بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، خصصت كوريا الجنوبية 19.1 مليار دولار كندي لتمويل الصادرات للشركات الكورية العاملة في إفريقيا. تسلط هذه التطورات الضوء على الأهمية المتزايدة التي توليها كوريا الجنوبية لعلاقتها مع إفريقيا، حيث ترى في القارة سوقًا واعدًا وشريكًا أساسيًا في رؤيتها لتصبح “دولة محورية عالمية”. ولا تقتصر مصالح كوريا الجنوبية في إفريقيا على الفرص الاقتصادية وأمن الموارد فحسب، بل تشمل أيضًا بناء تحالفات دبلوماسية، وتعزيز الشراكات التكنولوجية، والالتزام بالاستقرار البحري والتنمية المستدامة.   (15)

 

وتهدف الآلية الدبلوماسية التي تقودها سيول إلى تعزيز التعاون بين كوريا الجنوبية وإفريقيا من خلال جمع رؤساء الدول الإفريقية والمنظمات الدولية مع الشخصيات الرئيسية من الحكومة الكورية، بما في ذلك الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول. تسعى القمة في انعقادها الأول إلى مناقشة حلول تعاونية لتعزيز القوة الجماعية والتضامن من أجل التنمية المستدامة، مع التركيز على مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، الأمن الغذائي، استقرار سلاسل التوريد، والأمن الصحي. تم تصميم القمة لتكون منصة شاملة للحوار والمشاركة، وستشمل ليس فقط جلسة قمة لرؤساء الدول والمنظمات الدولية، بل أيضًا سلسلة من جلسات المؤتمر التي تغطي مجموعة واسعة من الموضوعات مثل الأعمال، الزراعة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الغابات والتصحر، اللقاحات، الأمن الصحي، السياحة، الطاقة، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك.(16)

اليابان

تشكل الآليات الدبلوماسية ركيزة محورية في العلاقات بين اليابان وإفريقيا، حيث تسعى اليابان إلى تعزيز حضورها الاستراتيجي في القارة الإفريقية من خلال شراكات متعددة الأبعاد. تعتمد اليابان في علاقاتها مع الدول الإفريقية على التعاون الاقتصادي، المساعدات التنموية، والاستثمار في البنية التحتية، مع التركيز على تعزيز التنمية المستدامة وبناء القدرات. وقد لعبت مبادرات مثل مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (TICAD) دورًا أساسيًا في هذا السياق، حيث تعمل اليابان على دعم القارة في مواجهة التحديات العالمية كالأمن الغذائي، التغير المناخي، والصحة العامة، إلى جانب تعزيز التجارة والاستثمار. تهدف هذه الجهود إلى بناء شراكات طويلة الأمد تقوم على المصالح المتبادلة، وتسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية في إفريقيا، مما يعزز مكانة اليابان كلاعب دولي مؤثر في المنطقة.

ويُعتبر مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (تيكاد) آلية دبلوماسية نشأت منذ أواخر القرن العشرين في عام 1993،  حيث يهدف إلى تعزيز العلاقات اليابانية الإفريقية من خلال مجموعة من الأهداف الاستراتيجية. يسعى المؤتمر إلى تنشيط التعاون بين اليابان والدول الإفريقية، ويعزز التبادلات التجارية والعسكرية، مما يسهم في بناء شراكات قوية ومستدامة. عبر تيسير الحوار والتعاون في مجالات متعددة مثل التنمية الاقتصادية، الاستثمارات، والأمن، يسعى تيكاد إلى دعم التنمية المستدامة في إفريقيا وتحقيق المصالح المتبادلة بين اليابان والدول الإفريقية.

وفي الاجتماع الوزاري لمؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية في أفريقيا (تيكاد) 2024 الذي عقد في الفترة من 24 إلى 25 أغسطس 2024 في طوكيو باليابان. حضر الاجتماع الوزراء ووفد اليابان ودول أعضاء الاتحاد الافريقي ، إلى جانب ممثلي المنظمين المشاركين لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا، وهم الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن المنظمات الدولية والإقليمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من اليابان وأفريقيا، مما يبرز لنا مدى الاهتمام المؤسسي الإقليمي والدولي للوجود الياباني في القارة السمراء. (17)

ختامًا، تُعَد التنافسية الآسيوية في القارة الإفريقية، من خلال جهود اليابان وكوريا الجنوبية والهند، خطوة استراتيجية نحو بناء مستقبل مشترك يتمحور حول التنمية المستدامة والازدهار المتبادل. تعكس هذه الديناميات التزام هذه الدول بتعزيز شراكاتها مع الدول الإفريقية، مُستفيدةً من الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها القارة، مع استمرار هذه الدول في توسيع وجودها في إفريقيا، يصبح من الضروري أن تركز على تحقيق التكامل بين استراتيجياتها، مع مراعاة الاحتياجات الفريدة لكل دولة إفريقية. كما يجب أن تُؤكد هذه الدول على أهمية الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل والشفافية، لضمان تحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على جميع الأطراف.

وإن رؤية المستقبل تتطلب من القوى الآسيوية التفاعل بشكل أكبر مع القارة الإفريقية، من خلال تعزيز التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا، الابتكار، والتنمية البشرية. من خلال بناء شراكات استراتيجية قوية، يمكن لليابان وكوريا الجنوبية والهند أن تسهم في صياغة واقع جديد في إفريقيا، مما يعزز من استقرار المنطقة ويسهم في تحقيق السلام والتنمية للجميع. إن نجاح هذه الطموحات يعتمد على القدرة على الابتكار والتكيف مع التحديات العالمية، لضمان تحقيق التنمية الشاملة التي تفتح آفاقًا جديدة من الفرص لكل من القارتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قائمة المراجع

  1. ttps://www.sis.gov.eg/Story/240443/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%D9%83%D8%A7%D8%AF?lang=ar#:~:text=%D8
  2. https://www.researchgate.net/publication/338322433_South_Korea’s_Engagement_with_Africa_A_History_of_the_Relationship_in_Multiple_Aspects_A_History_of_the_Relationship_in_Multiple_Aspects
  3. https://www.scirp.org/journal/paperinformation?paperid=132647
  4. https://www.orfonline.org/expert-speak/south-korea-shifts-focus-to-africa
  5. https://oec.world/en/profile/bilateral-country/kor/partner/zaf
  6. https://oec.world/en/profile/bilateral-country/kor/partner/caf
  7. https://www.asiapacific.ca/publication/why-africa-matters-south-koreas-indo-pacific-strategy
  8. https://www.csis.org/analysis/japans-strategic-interests-global-south-africa
  9. https://www.policycenter.ma/publications/japan-strengthen-ties-africa
  10. https://www.policycenter.ma/publications/japan-strengthen-ties-africa
  11. https://africacenter.org/spotlight/africa-india-cooperation-benchmark-partnership/
  12. https://www.brookings.edu/articles/india-africa-trade-and-investmenta-backdrop/
  13. https://www.gatewayhouse.in/key-developments-indias-approach-africa/
  14. https://www.internationalaffairs.org.au/australianoutlook/indias-africa-policy-and-the-drivers-of-modern-diplomacy/
  15. https://www.afdb.org/en/news-and-events/events/2024-korea-africa-summit-71032
  16. https://www.asiapacific.ca/publication/why-africa-matters-south-koreas-indo-pacific-strategy
  17. https://au.int/en/pressreleases/20240828/ticad-ministerial-meeting-joint-communique

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى