رأي

رامي زهدي يكتب.. «التمثيل النيابي بين شرط المؤهل ورغبة الشعب: قراءة دستورية ومقارنة دولية»

تجدد الجدل مؤخرًا داخل الساحة السياسية المصرية حول المؤهل الدراسي المطلوب للترشح لعضوية مجلس النواب، إذ طالبت بعض الأصوات بتعديل النص الدستوري الذي يكتفي حاليًا بالحصول على شهادة الإعدادية كحد أدنى، ليُشترط بدلًا من ذلك الحصول على شهادة الثانوية العامة أو حتى مؤهل جامعي. وبينما يرى البعض أن هذا التوجه يهدف إلى “رفع كفاءة” الممثلين الشعبيين، فإن آخرين يحذرون من خطر مصادرة الحق الدستوري للمواطن في الترشح والتمثيل، إذا ما رُبطت هذه الأهلية بشهادة أكاديمية فقط، دون مراعاة الواقع الاجتماعي والقبلي والثقافي الذي قد يفرز شخصيات قادرة على القيادة دون مؤهل رسمي.

وفي ظل هذا السجال، تبرز الحاجة لقراءة تحليلية متأنية، تستعرض موقف الدستور المصري الحالي، وتقارنه بتجارب دستورية أخرى، وتطرح نماذج لبرلمانيين ناجحين لم تكن الشهادة الأكاديمية شرطًا في صعودهم، مع طرح تساؤل جوهري: هل التمثيل النيابي وظيفة معرفية أم تمثيلية؟ وهل شرط الشهادة ضمانة للكفاءة أم تمييز غير مبرر؟
“الدستوري المصري”
ينص الدستور المصري في مادته رقم 141 على أن من شروط الترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون المرشح مصريًا، متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلًا على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية،وبالتالي، فإن المؤهل الأدنى المطلوب هو شهادة الإعدادية (التعليم الأساسي)، دون اشتراط شهادة الثانوية أو التعليم الجامعي.
ويُعد هذا النص امتدادًا لرؤية تشريعية تهدف لإتاحة الفرصة أمام كافة فئات الشعب، خاصة في المناطق الريفية والبدوية أو المهمشة، للترشح والمشاركة السياسية دون حواجز تعليمية قد تفتقر إليها البيئة الاجتماعية المحيطة.
“مقارنات دولية، كيف تنظر دساتير العالم لشروط التعليم للنواب؟”
تُظهر المراجعة المقارنة للدساتير حول العالم تباينًا واضحًا في هذا الجانب، ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا يشترط الدستور الأمريكي أي مؤهل دراسي للترشح لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ، بل يركز على السن، والجنسية، وفترة الإقامة.، أما في المملكة المتحدة: لا يُشترط أي مؤهل علمي للترشح لمجلس العموم البريطاني.
في الهند وكأكبر ديمقراطية في العالم، لا تشترط الهند حدًا أدنى من التعليم للترشح للبرلمان.
في أوروبا، فرنسا وألمانيا: تضع شروطًا تتعلق بالعمر والجنسية، وليس بالمؤهل.
في تونس والمغرب: لا تشترطان مؤهلًا دراسيًا معينًا في دساتيرهما للترشح للبرلمان.
هذه النماذج تؤكد أن الاتجاه العام في الدول الديمقراطية هو ترك الحكم للصندوق الانتخابي، لا للشهادة الدراسية، انطلاقًا من مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات، ويحق له اختيار ممثليه أيًا كان مستواهم التعليمي.
“نواب بلا شهادات عليا او درجات رفيعة”
في الواقع، ليس المؤهل الدراسي ضمانًا وحيدًا للنجاح النيابي. ففي تاريخ البرلمانات العالمية والعربية والمصرية، أمثلة حية لنواب برزوا بقوة دون شهادات أكاديمية:
ليندون جونسون، الرئيس الأمريكي الأسبق، لم يكمل دراسته الجامعية، ومع ذلك قاد الولايات المتحدة وترك إرثًا سياسيًا مؤثرًا.
إبراهيم شكري، أحد أبرز رموز المعارضة في مصر، والذي لعب دورًا محوريًا في البرلمان رغم بساطة خلفيته التعليمية مقارنة بالنخب الأكاديمية.
في أكثر من دورة برلمانية مصرية، برزت أسماء مثل الشيخ محمد حسانين وعبد الرحيم الغول، ممن اعتمدوا على ثقلهم الشعبي وفهمهم المحلي أكثر من مؤهلاتهم الرسمية.
هؤلاء وغيرهم أثبتوا أن ما يُفتقد في الشهادة، قد يُعوض بالتجربة، والاتصال المباشر بالناس، والقدرة على التعبير عن همومهم.
“التمثيل النيابي بين الحق الدستوري والاعتبارات النخبوية”
أن يُشترط المؤهل الدراسي للترشح النيابي، يعني في أحد أوجهه نوعًا من الإقصاء الطبقي، الذي يميز بين المواطن المتعلم والآخر البسيط. فرغم أهمية التعليم، فإن فرضه كشرط قد يحرم مناطق كاملة من تمثيلها الطبيعي، خاصة في البيئات القبلية أو الفقيرة.
كما أن بعض من يحملون الشهادات لا يمتلكون الحس السياسي، أو مهارات التواصل، أو الفهم الحقيقي لطبيعة العمل النيابي، مما يجعل الشهادة وحدها غير كافية كمعيار للأهلية.
“نحو مفهوم جديد لكفاءة النائب”
بدلًا من وضع شرط جامد قد يُقصي مرشحين مؤهلين شعبيًا، يمكن التفكير في حلول وسط تحقق التوازن، مثل إخضاع النواب المنتخبين لدورات تدريبية إلزامية في التشريع، والإدارة العامة، والسياسة المحلية.، وإنشاء أكاديمية برلمانية وطنية، تقدم برنامج تأهيلي لكل من يُنتخب، دون النظر إلى مؤهله، لضمان الكفاءة دون تمييز، وكذلك العمل علي اعتماد أدوات التقييم الذاتي من قبل الأحزاب والناخبين في اختيار المرشحين، وتشجيع رفع الوعي المجتمعي بالمعايير الحقيقية للتمثيل الفعّال.
أخيراََ، الحق في الترشح هو حق دستوري، لا يجب تقييده إلا بضوابط منطقية. وفيما لا شك فيه أن التعليم عنصر مهم، فإن ربطه بالتمثيل النيابي كشرط حصري قد يُفقد البرلمان تنوعه الطبيعي، ويكرس النخبوية في مؤسسة يفترض أن تُعبر عن عموم الناس. إن التجارب الدولية، والدستور المصري الحالي، والخبرة الواقعية، تؤكد أن العبرة ليست بالشهادة فقط، بل بالقدرة على الفهم، والتمثيل، والتأثير.
في النهاية، يبقى الشعب هو المقياس الحقيقي للكفاءة، وهو الأجدر بتحديد من يُمثله، أكان أكاديميًا أو زعيمًا شعبيًا، ما دام يمتلك القدرة على حمل هموم الناس إلى قبة البرلمان.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

All

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى