محمد فتحي الشريف يكتب.. التفاهة والتافهون
الكاتب رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث.. خاص منصة العرب الرقمية
التفاهة والتافهون
في الحياة دروس وعبر، وفي المواقف تظهر معادن الناس، قد تعطيك الحياة درسا قاسيا لا تستطيع أن تتجاوزه في فترة قصيرة، ولكن حتما سوف تتجاوز الموقف مهما كانت عظمته وقسوته، فلن تستمر حياتك في سعادة وسرور، ولن تبقى طول العمر في حزن وتعاسة، بين هذا وذاك يعيش الناس.
ومع ذلك تبقى عظة وعبرة الدروس والمحن حاضرة بين الناس لنتعلم منها كيف ننجو من التآمر والمتآمرين، فإذا تعرضت لمحنة معينة بسبب بعض الأشخاص حتما ستتعلم من تلك المحنة كيفية اختيار من تتعامل معه مستقبلا بعد أن تطوي صفحة هؤلاء الناس وتتجاوزها ولا تنظر إلى صفحتهم ومواقفها القذرة إلا بقدر العبرة والعظة التي يجب ألا تغيب عنك.
هذا المقدمة تمهيد للحديث عن موضوع تافه أشغل الرأي العام في مصر، وتبارى المحللون والسياسيون وعلماء النفس والاجتماع لإلقاء الضوء عليه، وهو موضوع فيديو معلمة المنصورة التي رقصت في رحلة ترفيهية للقاهرة مع زملائها بالمدرسة.
اعتقد أن هذا الأمر أخذ أكثر من حجمه عندما تم تداوله بهذا الشكل، وهو دليل على أن السفهاء والتافهين يصنعون الرأي العام، وبعيدا عن تحليل رقص المعلمة والنيل منها تارة وتأييدها تارة أخرى حتى وصل الأمر إلى إفساد حياتها الزوجية والأسرية، فالأمر كان عبارة عن رحلة ترفيهية تبارى فيها الجميع إلى الخروج من حالة الكبت والضغوط الحياتية والتعبير عن السعادة، وبعد تداول المشهد على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) تحول إلى قضية رأي عام، نالت فيها المعلمة درسا قاسيا، على الرغم من عدم وجود قانون يجرم الرقص في الوقت الذي يوجد فيه قانون يجرم التعدي على الحياة الشخصية ونشر خصوصيات الناس، ولن يعالج تشويه سمعة المعلمة والنيل منها توقيف وسجن من أجرم في حقها، فلقد أصيبت المعلمة وأهلها بضرر بالغ لن يعالج على المدى القريب، ولكن حتما سوف ننشغل بتفاهات أخرى تنسينا ما حدث للمعلمة، ويأتي تريند تافه جديد وقضية أخرى تشغلنا جميعا عن رقص المعلمة مثل أغنية شيماء البطة أو المعزة التي كانت حديث القنوات والإعلام التافه.
لدينا مثل شعبي بالعامية المصرية ينطبق على المعالجات الإعلامية لبعض القضايا وهو يقول (إذا أردت أن تتعلم الهيافة.. تعالى في الفارغة وصدَّر)، ومعنى هذا المثل أنك عندما تضع من التفاهات موضوعا مهما وتصر عليه فأنت هايف، ومعنى هايف في العامية المصرية تافه دون مضمون.
نخرج من قضية رقص المعلمة التي صنع منها الإعلام مادة ومحتوى تم تداوله بشكل كبير إلى موضوعات أخرى مثل موضوع غرق سيارة نقل تقل 24 صبيا وفتاة يعملون في بعض مزارع الدواجن في إحدى محافظات الوجه البحري والتي كان من المفترض أن تنقل السيارة هؤلاء الصبية إلى جهة وعبور نهر النيل من خلال عبَّارة نقل يطلق عليها المصريون لفظ (صندل) وأثناء دخول السيارة إلى الصندل لعبور النهر فقد السائق السيطرة عليها وانزلقت في النيل واستشهد عدد من هؤلاء الأطفال، وعالجت القيادة السياسية الأمر بشكل عاجل وتم البدء في إنشاء كوبري على تلك المنطقة.
وفي النهاية أقول إن سوء استخدام التكنولوجيا في الوطن العربي أصبح أمرا مخيفا يهدم الأسرة ويقتل الأنفس، وهذا ما حدث مع فتاة الغربية التي ابتزها ثلاثة شباب دون أخلاق وتربية وصنعوا لها صورة خليعة مزيفة، وكانت النتيجة انتحار الفتاة بعد فشلها في إثبات براءتها أمام أسرتها، وتركت رسالة حزينة للغاية، هذا هو جزء ضئيل مما يحدث في وطننا العربي جراء التخلي عن الأخلاق والقيم وفقد القدوة وصناعة التافهات دون النظر إلى تقديم محتوي إيجابي يخدم الأوطان ويرسخ القيم والأخلاق والتسامح والسلام والستر الذي هو لب الدين الإسلامي الحقيقي الذي تخلينا عن مبادئه.. أفيقوا يرحمكم الله.
بعد ان تناولنا موضوع حكومة الوحدة الوطنية الليبية يمكنك قراءة ايضا
محمد أرسلان علي يكتب.. العرب والكرد.. الحوار طريق المستقبل المشترك
دار المفكر العربي تشارك في معرض القاهرة بدورته الـ53
يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك