أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري
إعداد الباحثة: روان شعبان الحلوجي
المقدمة
على الرغم من تحقيق الاقتصاد المصري لمستويات مرتفعة من النمو، خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه واجه عددا من التحديات، التي قد تحول دون تحقيق الأهداف التنموية التي وضعتها الدولة المصرية، كما أنه قد يعود بالسلب على بعض الفئات داخل المجتمع المصري، ومن أبرز هذه التحديات، ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة معدلات البطالة، وهو ما كان له تبعات على الخدمات المقدمة للمواطنين والتي ظهرت في أزمة انقطاع الكهرباء الأخيرة، إلا أن الدولة سرعان ما تعاملت معها، وأعلنت انتهاء الأزمة بشكل كامل، وهو ما يحيلنا إلى السؤال الرئيسي لهذه الورقة والمتمثل في ” ما هي أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري؟.
أهداف البحث
- الوصول إلى نتائج وحلول للأزمات المصرية الحالية.
- تقديم بعض المقترحات التي تساعد صانع القرار في مواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري.
محاور البحث
المحور الأول: التضخم أسبابه وكيفية التعامل معه.
المحور الثاني: ارتفاع الدين العام
المحور الثالث: قراءة في ارتفاع معدلات البطالة
المحور الرابع: تعامل الدولة مع أزمة الكهرباء
المحور الأول :التضخم
يُعرف التضخم على أنه ارتفاع معظم أسعار السلع والخدمات الأساسية لفترة زمنية طويلة ومستمرة وهذا ما يعانيه المواطنون في مصر الآن فهو يشعرون في الأونة الأخيرة ويكأن الأسعار تضاعفت فهي ليست تزيد زيادة طبيعية.
يُقاس التضخم على أنه معدل الارتفاع العام في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) والذي يجمع أسعار السلع والخدمات ويعالجها من خلال تخصيص أوزان لكل سلعة ومجموعة.
2.1% وحسب المؤشرات فقد سجل التضخم في أغسطس 2024 مقابل 1.6% في أغسطس 2023.
ووإذا نظرنا إلى التضخم الأساسي في عام 2022 نجده 6.2% وارتفع في العام التالي 2023 حتى بلغ 31.2% فتلك زيادة غير علمية .
وفي واجهة نظري ترجع الزيادة المبالغة فيها إلى عدة عوامل وهي
1-أزمة العملات الأجنبية، حيث تسبب نقص المعروض من الدولار الأمريكي في ارتفاع بعض الأسعار، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الواردات مما أدى إلى الضغط على العملة المصرية فتم اللجوء إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري أكثر من مرة خلال نفس العام مما يؤدي بالتبعية إلى رفع تكلفة السلع المستوردة.
2-الحرب الروسية الأوكرانية التي تأثرت بها مصر بشدة بسبب أن الدولة تستورد نسبة كبيرة من المواد الغذائية على رأسها جزء من احتياجاتها من القمح الذي يعتبر عنصر أساسي لدى الشعب من روسيا وأوكرانيا حيث تلك الحرب أدت إلى ارتفع أسعار القمح والمواد الغذائية الأساسية في العالم وهو ما أثر بالتبعية على مصر.
3-ارتفاع أسعار الطاقة بسبب أيضا الاضطرابات التي شهدتها منطقة البحر الأحمر، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، كون روسيا أحد الفاعلين الرئيسيين في سوق النفط الدولي، وهو ما نتج عنه ارتفاعا ملحوظا في أسعار النفط والغاز ليس على مستوى مصر فقط بل على مستوى عالمي مما أثر على تكاليف النقل والإنتاج المحلي في مصر.
4-تأثير أزمة كورونا (جائحة كوفيد-19) على الرغم من تحسن الأوضاع الاقتصادية بعض الشيء بالمقارنة بسنوات الجائحة إلا أن التعافي الاقتصادي كان بطيئا مما أثر على الإنتاج وسلاسل التوريد.
5-السياسات النقدية المتبعة حيث رفع البنك المركزي أسعار الفائدة في محاولات منه للسيطرة على التضخم حيث أدى ارتفاع الفائدة إلى زيادة تكلفة الاقتراض مما أثر في عزوف المستثمرين عن الاقتراض من البنوك وعدم إقامة المشاريع المقترحة مما أثر تبعا في النمو الاقتصادي وأدى إلى تباطؤه.
المحور الثاني/ارتفاع الدين العام
شهد الدين العام ارتفاعا في السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل اقتصادية منها التحديات التي خلفتها جائحة كورونا وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية ولا نستطيع أن ننكر أن الحكومة تسعى إلى اتخاذ قرارات للحد من تفاقم الدين العام عن طريق تطبيق إصلاحات مالية وضبط الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الضريبية .
والأرقام خير دليل على ما تقدمنا به فقد بلغ الدين الخارجي نحو 137.85 مليار دولار بنهاية يونيو عام 2021 والدين المحلي بلغ ما يقرب 4.7 تريليون جنيه
أما في عام 2022 فقد ارتفع الدين الخارجي إلى حوالي 155.7 مليار دولار بنهاية شهر يونيو والدين المحلي ارتفع أيضا حتى بلغ 5.4 تريليون جنيه
وفي عام 2023 فقد وصل الدين الخارجي إلى 164.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2023 أما الدين المحلي فقد وصل إلى 6 تريليون جنيه.
وتلك البيانات إن كانت تشير إلى شيء فإنما تشير إلى تزايد الدين العام سواء المحلي أو الخارجي ولكن تبقى المشكلة في الديون الخارجية التي اضطرت الدولة لها بسب الاستثمارات في البنية التحتية ومشروعات التنمية الكبرى مثل تطوير الطرق وتحديث شبكات الطاقة .
ومن وجهة نظري الديون الخارجية هي التي تشكل الخطر الأكبر على الدولة حيث يمكن أن ترغم الدولة على اتباع سياسات غير السياسات المتبنية من قبل الدولة .
المحور الثالث/البطالة
تعتبر البطالة من أهم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد المصري والدليل على ذلك معدلات البطالة التي شهدت تقلبات على مدى الثلاث سنوات الماضية .
ففي عام 2021 بلغ معدل البطالة العام ما يقارب 7.4% وفي هذا من المهم أن نشير إلى معدل البطالة بين الشباب الذي كان أعلى بكثير حيث بلغ 17.6% وأيضا كان معدل البطالة بين النساء مرتفعا بشكل كبير اذ بلغ حوالي ثلاثة أضعاف معدل البطالة بين الرجال مما يدل على التفاوت بين الجنسين في سوق العمل.
وانخفض معدل البطالة شيء ما في عامي 2022 و2023 حيث تراوح بين 7.2% و7.4% لكن تظل هناك مخاوف قائمة بشأن النسبة الكبيرة من السكان وبالأخص النساء اللواتي لا يشاركن بنشاط في القوى العاملة ففي عام 2021 تم تصنيف 84% من النساء كغير نشطات مما يعني أنهن لم يكن يعملن ولا يبحثن عن عمل والجدير بالذكر هنا أنه تراجعت نسبة التوظيف مقارنة بعدد السكان مما يشير إلى تحديات تواجه الدولة المصرية في استيعاب النمو السريع في عدد السكان في سن العمل.
وفي وجهة نظري تعود البطالة في مصر إلى التعليم غير المتكافئ مع سوق العمل حيث يدرس الطلاب في الجامعات ما لا يتعلق بسوق العمل ولا توفر الجامعات التدريبات العملية الكافية لتخريج فرد منتج ومواكب للتكنولوجيا إضافة إلى اعتماد مصر بشكل كبير على قطاعات معينة مثل الزراعة والبناء بينما تعاني من نقص في التوسع في القطاعات الصناعية والتكنولوجية التى من الممكن أن توفر فرص عمل للشباب.
ولا نستطيع أن ننكر دور النمو السكاني المتزايد في تضخيم أزمة البطالة حيث يؤدي النمو السكاني السريع إلى زيادة أعداد الأفراد في سن العمل وهو ما يزيد العرض في سوق العمل و ذلك يضغط على سوق العمل لتوفير وظائف كافية للجميع ولكن المشكلة في أن عدد فرص العمل أقل بكثير من النمو السكاني .
وأيضا يعاني الاقتصاد المصري من ضعف في القطاع الخاص حيث تواجهه تحديات منها البيروقراطية والفساد مما يحد من قدرته على خلق فرص عمل جديدة واستيعاب الأعداد المتزايدة من العمالة ومشكلة التفاوت الجغرافي حيث يوجد تباين كبير في توزيع فرص العمل بين المدن الكبرى والمناطق الريفية أى تتوافر أغلب فرص العمل فى مناطق بعينها كالقاهرة والإسكندرية مما يجعل مشكلة البطالة تظهر بشكل لا يستهان به في المحافظات النائية .
ولقد كان للتباطؤ الاقتصادي أثره على البطالة حيث انخفاض الاستثمارات يؤثر بشكل مباشر على خلق وظائف جديدة وأيضا جائحة كورونا التي أثرت سلبا على قطاع السياحة والصناعة مما أدى إلى تخفيض عدد العاملين وفقدانهم لوظائفهم .
المحور الرابع/أزمة الكهرباء
تعد أزمة الكهرباء في مصر من الأزمات التي تكررت خلال السنوات الأخيرة، قبل أن يتم التغلب عليها، وهو ما يجعلها أحد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
ولقد تشكلت تلك الأزمة عبر سنوات لعدة أسباب نذكر أبرزها
1- زيادة الطلب على الكهرباء مع زيادة النمو السكاني المتسارع مما شكل ضغطا على البنية التحتية للكهرباء .
2- قدم البنية التحتية حيث يوجد العديد من محطات توليد الكهرباء تعتمد على معدات قديمة تفتقر إلى الصيانة الكافية مما يؤثر سلبا على قدرتها على توليد الكهرباء بشكل مستدام.
3- نقص الغاز الطبيعي والوقود حيث تأثرت مصر في فترة ما بنقص إمدادات الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء مما أدى إلى انقطاعات متكررة ولا ننكر هنا دور الحكومة حيث بدأت العمل على زيادة إنتاج الغاز من خلال اكتشافات جديدة وبالفعل تم اكتشاف حقل ظهر في البحر المتوسط.
التوصيات
1/نوصي لحل مشكلة التضخم بتعزيز الإنتاج المحلي الذي بدوره سيؤدي إلى تقليل الاعتماد على الواردات مما يخفف الضغط التضخمي الناجم عن استيراد السلع الأساسية.
وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاعات التصنيع والزراعة مما يقلل من الفجوة بين العرض والطلب.
وإصلاح نظام الدعم وإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه فقط مما يساعد في تخفيف الأعباء المالية للحكومة مما يحد من حدة التضخم.
تنويع الصادرات وزيادة تنافسيتها على المستوى العالمي مما يسهم في تعزيز العملة المحلية والحد من استيراد السلع الكمالية حتى يخف الضغط على العملة الأجنبية .
2/ نوصي لحل مشكلة ارتفاع الدين العام بإعادة هيكلة الدين وتعديل شروط السداد وتقليل الاقتراض الداخلي والخارجي من خلال تحسين كفاءة إدراة المالية العامة وتقليل الاعتماد على الديون لتمويل الإنفاق الحكومي.
ترشيد الإنفاق الحكومي مثل تقليل المصروفات غير الضرورية وتحسين الأولويات في توزيع الإنفاق وتعزيز الإيرادات من خلال تحسين أنظمة تحصيل الضرائب وتوسيع دائرة قاعدة الضرائب ليشمل الاقتصاد الغير رسمي .
وأيضا الاستثمار في البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال من خلال تسهيل الإجراءات للشركات وتشجيع ريادة الأعمال مما يزيد الإيرادات الضريبية.
وتحسين إدارة الأصول العامة من خلال بيع الأصول غير المستغلة لتوفير سيولة وتقليل الاعتماد على الاقتراض وتحسين كفاءة إدارة الشركات المملوكة للدولة لزيادة أرباحها وبالتالي زيادة العائدات إلى الموازنة العامة.
3/نوصي لحل مشكلة البطالة بتحسين جودة التعليم وربطه بسوق العمل والاهتمام بالتعليم الفني ومحاولة تغيير فكر الناس عنه .
ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتاهية الصغر وتوفير لهم كامل الإجراءات بدون بيروقراطية وتحفيز القطاع الخاص حيث أنه يستوعب الكثير من العمالة .
وتنمية القطاعات الإنتاجية مثل السياحة والصناعة وتشجيع العمل الحر والتوظيف الذاتي وتوفير الدعم لهم.
توفير برامج تأهيل للعمل بالخارج حتى يتمكن الشباب من العمل خارج الدولة بكل سهولة.
4/نوصي لحل أزمة الكهرباء بتنويع مصادر الطاقة والاستثمار في الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية فى سيناء والصحراء الغربية على سبيل المثال
وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتطوير مشروعات الطاقة الكبيرة وتشجيع المنازل على توليد الكهرباء باستخدام ألواح شمسية.
ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل التنبؤ بالطلب على الطاقة وتمويل الأبحاث في مجال الطاقة .
الخاتمة
وهكذا نكون استعرضنا أبرز المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري وأتمنى أن أكون وفقت في وضع بعض التوصيات لحلها مع العلم أن تلك المشكلة مزمنة في الاقتصاد المصري ولا يمكن حلها بين ليلة ووضحها ولكن ما علينا إلا أن نعمل من أجل غدا أفضل لمصرنا الحبيبة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
البنك الدولي
البنك المركزي المصري
وزارة الكهرباء المصرية
وزارة المالية المصرية