محمود سامح همام يكتب.. التحديات الكبرى للتنمية في القارة الأفريقية “الإرهاب والأمراض والاضطرابات السياسية”
تتميز القارة الأفريقية باقنصاد يعد من أكثر الاقتصادات الواعدة على مستوى العالم , البالغ قيمته 3 تريليون دولار نظرًا لغناه الهائل بالموارد الطبيعية التي تشمل مجموعة متنوعة من المعادن النفيسة، مثل الذهب والألماس (1) ، فالقارة لديها 40 في المائة من الذهب العالمي وعلاوة على ذلك امتلاكها نحو 90 في المائة من الكروم والبلاتين إلى جانب احتياطيات ضخمة تحتفظ القارة بها سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة من النفط والغاز الطبيعي , وعلى صعيد أخر, هيبلغ عدد سكان القارة الأفريقية 1.4 مليار نسمة، وتتميز دولها بتنوعها الواسع؛ وذلك ليس فقط في الثقافة واللغة، ولكن أيضًا في الناتج الاقتصادي. ويعتمد أكثر من 70 في المائة من السكان الذين يعيشون في القارة السمراء جنوب الصحراء الكبرى على الغابات والأراضي الحرجية من أجل كسب رزقهم. والأرض بالنسبة لهم بمثابة أصول التنمية الاقتصادية فضلا عن الموارد الاجتماعية والثقافية. (2)
هذا التنوع في الثروات يعكس إمكانات هائلة يمكن أن تُسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار المالي في القارة. خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بالاستثمار في إفريقيا، برزت القارة السمراء كلاعب رئيسي على الساحة الاقتصادية الدولية، وعلى الرغم من أن افريقيا تُعِدُّ مواردها الثرية وفرصها المتعددة بوابة لعصر جديد من النمو المستدام, هناك معوقات وتحديات كبرى تقف سداً مانعاً امام حركة التنمية للقارة بل ويجعلها تتأخر أمام ديناميات المجتمع الدولي المتسارعة, مما يجعلنا نطرح جملة من التساؤلات بشأن التحديات الكبرى للتنمية في افريقيا.
وسنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على معوقات مسار التنمية في القارة الأفريقية من خلال المحاور التالية:
أولاً: انعكاسات انتشار الحركات الإرهابية في القارة الإفريقية
ثانياً: تاثير تفشي الأمراض والأوبئة على مسار التنمية في أفريقيا
ثالثاً: الاضطرابات الداخلية وهشاشة الأنظمة الحكومية عائق لعجلة تنمية القارة الإفريقية
اولاً: انعكاسات انتشار الحركات الارهابية في القارة الافريقية
في البداية، يُعَدّ الإرهاب في إفريقيا أحد أكبر العوائق أمام التنمية في القارة، حيث يعطل بشكل كبير الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والتنمية. تنتشر في القارة عدة جماعات إرهابية، حيث تتخذ بعضها من منطقة الساحل والصحراء قاعدة لها، مستفيدة من المساحات الواسعة للمناورة والحركة؛ مثل “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. ويمكن تصنيف هذه الجماعات وفق انتمائها الجيوسياسي إلى جماعات محلية بحتة؛ مثل حركات الطوارق في شمال شرق مالي وشمال النيجر، أو وفق معتقداتها؛ مثل “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” المعروفة باسم “بوكو حرام”، التي تأسست على أيديولوجية ترفض التعليم الغربي وتعتبره المسؤول الرئيس عن إفساد قلوب الشباب المسلم. أما في شرق إفريقيا، وتحديدًا في الصومال، فتنشط حركة “الشباب المجاهدين” المرتبطة بالقاعدة، إلى جانب فرع تنظيم “داعش” في شمال الصومال. وغالبًا ما تستند هذه الحركات إلى تصورات تعد العمل المسلح “جهادًا” و”كفاحًا” ضد الغربيين. (3)
وفي سياق متصل, وفقًا لتقرير صادر عن منظمة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، شهدت إفريقيا زيادة كبيرة في الأنشطة الإرهابية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية من عام 2023، حيث شكلت نحو نصف الأعمال الإرهابية على مستوى العالم. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل حوالي 4 آلاف شخص في إفريقيا خلال عام 2023، بزيادة تقارب 19% مقارنة بعام 2022، حيث ارتفع العدد الإجمالي من 19 ألف إلى 23 ألف شخص، وفقًا لإحصائيات نشرها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية ومؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية. وعلى مستوى آخر، شكلت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في إفريقيا وجنوب الصحراء حوالي 48% من الوفيات العالمية الناتجة عن الإرهاب خلال عام 2023. (4)
وعلى أثر ما تشهده القارة الافريقية القارة من تزايد مخيف في أنشطة الجماعات الإرهابية التي نمت وتطورت وانقسمت وأعادت تشكيل نفسها, يعرقل الارهاب التنمية في العديد من الجوانب. فإنه يخلق حالة دائمة من زعزعة الأمن والسلم الاجتماعي، مما يجعل البيئة غير آمنة للاستثمار الداخلي والخارجي. بالإضافة الى دفع هذا الاضطراب في الأمن الشركات والمستثمرين الأجانب إلى تجنب الدول المتضررة، مما يقلل من التدفق المالي الذي يمكن أن يُستخدم في تطوير البنية التحتية وخلق فرص العمل، مما يجعل البيئة غير آمنة للاستثمار, كما يؤدي الإرهاب إلى انعدام الثقة بين المجتمعات المختلفة داخل الدولة الواحدة، مما يفاقم من التوترات العرقية والدينية, وهذه التوترات تعزز من احتمالية اندلاع صراعات داخلية قد تمتد لسنوات، مما يزيد من تعقيد الأوضاع.
إجمالاً, يشكل الإرهاب عائقاً رئيسياً أمام التنمية في إفريقيا، حيث يتسبب في تراجع الاستقرار، وتدمير البنية التحتية، ونزوح السكان، وتأجيج الصراعات، مما يجعل من الصعب تحقيق النمو والتقدم في مختلف المجالات.
ثانياً: تاثير تفشي الأمراض والأوبئة على مسار التنمية في أفريقيا
تعتبر الأمراض من أكبر التحديات التي تعيق مسار التنمية في القارة الأفريقية، إذ تؤثر بشكل جوهري على صحة السكان وقدرتهم على المشاركة بفعالية في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. تنتشر في أفريقيا العديد من الأمراض المُعدية وغير المُعدية، كما تواجه القارة تهديدًا متزايدًا من تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ. ومن أبرز هذه الأمراض في الفترة الأخيرة، فيروس جدري القرود الذي انتقل من الحيوانات إلى البشر.وتم اكتشاف هذا الفيروس لأول مرة في عام 1958 في مستعمرات القرود المستخدمة للأبحاث، ومن هنا جاءت تسميته. كما سُجلت أول إصابة بشرية بجدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1970، ومن ثم انتشر في دول أخرى في وسط وغرب أفريقيا, (5) ووفقًا لتقرير الاستخبارات الوبائية الصادر عن مركز السيطرة على الأمراض في أفريقيا، تم الإبلاغ عن حالات إصابة بالفيروس في 12 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى تسجيل 18,837 حالة إصابة بالفيروس في القارة. (6)
وفي شمال شرق أفريقيا، وتحديدًا في السودان، أدت الاشتباكات المستمرة بين أطراف النزاع إلى خروج أكثر من 90% من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة في كافة ولايات السودان، رغم الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الطبية والأدوية في ظروف أمنية صعبة للغاية. وفي خضم هذه الأوضاع، أعلنت إدارة الطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة في وزارة الصحة السودانية عن تفشي وباء الكوليرا في 10 من أصل 18 ولاية، مما أدى إلى إصابة أكثر من 9,600 شخص، مع تسجيل 267 حالة وفاة.(7)
استكمالاً, يتضح لنا أن الأمراض تُعَدُّ من أكبر المعوقات أمام التنمية في القارة الافريقية. وإن انتشار الأمراض الوبائية والمعدية يسهم في زيادة عدد الوفيات وارتفاع أعداد الإصابات، مما يضعف القوى العاملة ويستنزف الموارد الاقتصادية والطبية, هذه الأوضاع الصحية المتردية تزيد من أعباء الأنظمة الصحية التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد، كما تؤثر سلباً على الإنتاجية الفردية والجماعية، مما يعرقل الجهود التنموية ويزيد من معدلات الفقر في المجتمعات الأفريقية, و التأثير العميق لهذه الأمراض على الصحة العامة في القارة يعرقل الجهود المبذولة لتحسين مستوى المعيشة والارتقاء بالمجتمعات الأفريقية. لمواجهة هذه التحديات، ويجب تكثيف الجهود لتطوير البنية التحتية الصحية، وتحسين نظم الوقاية والعلاج، وزيادة الوعي الصحي بين السكان. فقط من خلال معالجة هذه المشكلات الصحية يمكن للقارة الأفريقية أن تحقق تقدمًا حقيقيًا نحو التنمية المستدامة والازدهار.
ثالثاً: الاضطرابات الداخلية وهشاشة الأنظمة الحكومية عائق لعجلة تنمية القارة الافريقية
تواجه العديد من الدول الإفريقية تحديات هيكلية عميقة ترتبط بعدم الاستقرار السياسي، مما يؤدي إلى ضعف قدرة الأنظمة الحكومية على فرض سيادة القانون وانتشار الفساد وضعف البنية التحتية اللازمة لدعم الأنشطة الاقتصادية. هذه الظروف تخلق بيئة غير مستقرة وغير ملائمة لأي نوع من الاستثمار. ومن العوامل الرئيسية التي تعرقل عجلة التنمية في القارة الإفريقية هي الانقلابات العسكرية، حيث شهدت القارة أكثر من 200 انقلاب عسكري في 90% من دولها، بمعدل انقلاب واحد كل 55 يوماً تقريباً. وتشكل الانقلابات في إفريقيا حوالي 36.5% من جميع الانقلابات على مستوى العالم، وفقاً لبعض الإحصاءات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي. وتتزايد هذه الاضطرابات الداخلية بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الملائمة للانقلابات في الدول الإفريقية، مثل الفقر وضعف الأداء الاقتصادي والفساد وغيرها. (8)
استكمالاً, تشكل الاضطرابات الداخلية وضعف الأنظمة الحكومية تحديات كبيرة أمام مسيرة التنمية في إفريقيا. هذه العوامل تزعزع الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على الجهود التنموية. فبدلاً من توجيه الموارد نحو تحسين البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد، تجد الدول نفسها مضطرة لتخصيص جزء كبير من مواردها لمعالجة الأزمات الداخلية. ويؤدي هذا الوضع إلى انخفاض ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، مما يحد من تدفق الاستثمارات الحيوية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. بالإضافة إلى ذلك، تجعل هشاشة الأنظمة الحكومية من الصعب تنفيذ السياسات والإصلاحات الضرورية لتعزيز التنمية، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر والتخلف في العديد من دول القارة.
لذلك، يعد تحقيق الاستقرار السياسي وتعزيز الحكم الرشيد شرطين أساسيين لتحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا. علاوة على ذلك، يسهم ضعف الأنظمة الحكومية والاضطرابات الداخلية في تهميش القارة على الساحة العالمية. فالدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي غالباً ما تفقد قدرتها على التأثير في القرارات الدولية، مما يجعلها تظل مجرد متلقٍ للتغيرات التي تفرضها القوى العالمية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض إفريقيا للتدخلات الأجنبية التي تأتي تحت غطاء الاستثمار، لكنها في الواقع تسعى إلى استغلال ونهب موارد القارة ومصادر طاقتها بطرق مختلفة.
ختاماً, تجد المجتمعات الإفريقية نفسها غير قادرة على مواكبة الديناميات السريعة التي يشهدها المجتمع الدولي في مختلف المجالات والحقول. ففي الوقت الذي تتسارع فيه التطورات التكنولوجية والعلمية في الدول المتقدمة، تبقى إفريقيا عاجزة عن الانخراط بشكل فعّال في هذه التطورات بسبب انشغالها بمشاكلها الداخلية. هذا التأخر لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل يمتد أيضًا إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية، حيث تبقى العديد من المجتمعات الإفريقية محرومة من الوصول إلى التعليم الجيد والرعاية الصحية والتكنولوجيا الحديثة.
و يتضح أن القارة الإفريقية تواجه تحديات تنموية جسيمة تهدد استقرارها وتعيق قدرتها على اللحاق بركب التطور العالمي. الإرهاب المتزايد، انتشار الأوبئة والأمراض، الاضطرابات الداخلية، وهشاشة الأنظمة الحكومية، جميعها تمثل معوقات حقيقية أمام تحقيق النمو والازدهار. ومع ذلك، فإن تجاوز هذه العقبات يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات جوهرية في البنى الحكومية والمؤسسية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي. إن دعم المجتمع الدولي واعترافه بخصوصية التحديات الإفريقية يمثلان حجر الزاوية في صياغة سياسات تنموية شاملة ومستدامة. من خلال ذلك، يمكن للقارة الإفريقية أن تعيد صياغة مستقبلها، وأن تتخذ مكانتها المستحقة في النظام العالمي.
- https://www.visualcapitalist.com/breaking-down-african-economy-by-country/
- https://www.unep.org/ar/regions/africa/mlna-fy-afryqya
- https://www.idsc.gov.eg/Article/details/9169
- http://surl.li/zgpftg
- https://africacdc.org/disease/monkeypox/
- https://www.ecdc.europa.eu/sites/default/files/documents/communicable-disease-threats-report-week-34-2024.pdf
- http://surl.li/nwauui
- https://www.bbc.com/arabic/articles/c19g8nvz829o