الدكتور أحمد البدوي سالم يكتب.. الاستراتيجية المصرية لبناء الإنسان وتحديات حروب الجيل الرابع
الكاتب عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر، وزميل كلية الدفاع الوطني، الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية
منذ أن انطلقت مصر لبناء الجمهورية الجديدة في 2013م، وهي تواجه تحديات من نوع خاص لم تشهدها مصر من قبل، ومن أهم هذه التحديات حروب الجيل الرابع، والتي تعد نوعًا من الحروب الحديثة، والتي تهدف إلى إرغام الدولة وخضوعها للمنتصر وفق توجهاته وأجنداته، خصوصًا إذا وجدت البيئة الحاضنة لتنفيذ تلك المخططات، فتتحد الإرادتان بقصد وسوء نية لتحويل الدولة إلى حطام وهو ما يسمى سياسيًّا “بالدول الفاشلة”Failed States و”محاولات إفشال الدولة”.
ويتحقق هذا المخطط الخبيث لإفشال الدول بتعمد إضعاف القوى الشاملة للدولة، الملموسة وغير الملموسة، وإذا نظرنا في تحليل مصطلح الدول الفاشلة نجد أنه مصطلحًا فضاضًا لم يصل أساتذة السياسة فيه إلى تعريف متفق عليه، ولكنهم وضعوا عدة معايير متى تحققت تصبح الدولة فاشلة وذكر أوسكار جاكو موانغي Oscar Gakuo Mwangi أن من هذه المعايير: عدم قدرة الدولة على تأمين حدودها، وانتشار الحروب الأهلية، وضعف النظام السياسي الداخلي، وضعف السياسة الخارجية، والانهيار الثقافي والاقتصادي، وعدم توفير الأمن الداخلي، ووجود قوى فاعلة من غير الدول تبسط نفوذها وتفرض قراراتها على النظام السياسي، بل وتقف للجيش النظامي للدولة موقف النظير.
وتتسم حروب الجيل الرابع كما بين سيادة اللواء ناجي شهود -رحمه الله- بأنها حروب لامركزية التنفـيذ، وغير رسمية، وطويلة الأمد، ولا تحتاج إلى قادة لقيادتها، ولا تتقيّد بسيادة أي قانون إلا لصالح مخططاتها، وهي حروب غير نمطية، وساحاتها فـي عمق المجتمع، ويتمحور صراعها حول (الثقافة – القيم – الاقتصاد – الروح المعنوية – الأخلاق – الأديان – التماسك الاجتماعي)، وذلك من خلال الهدف الأساسي وهو الإنسان.
وأن حروب الجيل الرابع ذات طبيعة معقدة؛ فهي حرب غير تقليدية، ليس لها بداية، أو توقيتات، أو مدة زمنية محددة أو واضحة، وتتداخل المراحل بها، ولا يمكن معها اتخاذ مواقع حصينة أو جُدر وقائية، ما دامت الدولة بها ثغرات، والإنسان فـيها غير راضٍ عن معيشته.
وقد وقفت مصر منذ 2013 موقف الدولة الصلبة أمام رياح محاولات إفشال الدولة، وتصدى جيشها العظيم لبؤر الإرهاب حتى تم القضاء عليها في العملية الشاملة والتي بدأت صباح الجمعة 9/ 2/ 2018 حيث وجهت قوات إنفاذ القانون الضربة القاضية للإرهاب في شمال ووسط سيناء وبمناطق والدلتا والظهير الغربي، وعندما أحبطت الدولة مخططات الإرهاب لجأت قوى الشر إلى استخدام اللجان الإلكترونية التابعة لبعض الاستخبارات الأجنبية لاستخدام اجندة حروب الجيل الرابع، متوهمين تفتيت الشعب بتلك المخططات، لكن الشعب المصري العظيم كان أكثر ذكاء ووعيا فتصدى لتلك المخططات، خصوصًا ما كان يبث عبر وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي.
فلم تيأس قوى الشر فاستحدثت نظمًا جديدة من حروب الحديثة فظهرت التطبيقات الذكية بغرض تحقيق الثراء السريع، وظهرت قنوات التيك توك وغيرها بغرض الفتك ببنية القيم والأخلاق في المجتمع المصري، فلهث البعض وراء الثراء السريع والسجود للمال المشبوه فكشفوا عوراتهم وخصوصياتهم باسم “روتيني اليومي” وظهرت أبواق لمن ارتضوا ظهور زوجاتهم وبناتهم لتخرجن على العامة من نافذة التطبيقات ليفتن الشباب بكشف العورات، وباسم سباق التريندات اشتهرت أسماء وفضحت أسرار وهتكت أعراض بهدف تحقيق الربح السريع، فتصدت لها سلطات إنفاذ القانون، على قدر ما تم الإبلاغ عنه، وسرعان ما تحول حلم الثراء لدى البعض إلى كابوس مخيف من الملاحقات القضائية والتي تنتهي بالحبس.
ومع التحديات التي تشهدها مصر من متغيرات إقليمية ودولية كانت الدولة صامدة أمام تلك التحديات، حتى أطلقت الدولة توجهًا عامًّا لبناء الإنسان اطلقه السيد الرئيس عبد الفتاح لسيسي رئيس الجمهورية، وان بناء الإنسان يعد مسئولية تضامنية تتداخل التخصصات المختلفة في تحقيقه، ويجمع بين نقاط متعددة، فهو مقصد من مقاصد الشريعة، وغاية من غايات الاستدامة، فحفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض، كلها يحقق بناء الإنسان.
وأن بناء الإنسان وتكوينه وإعداده، وتعليمه وتنشئته، يتحقق بتضافر الجهود بين الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، فبناؤه يأتي انطلاقًا من حرص الفرد على الاستثمار في ذاته، وحسن اختيار الزوجة والزوج، لأن هذا الاختيار يترتب عليه بناء إنسان جديد، بعيدا عن التفسخ الأسرى، حتى نرى مجتمعا صحيا، لا انشقاق ولا اعوجاج فيه.
وأن للمدرسة دورا كبيرا في بناء الإنسان منذ تكوين معارفه الأولى حتى ينضج، وأن تأثيرها كبير في غرس القيم والأخلاق وحب الوطن والانتماء وبذل الروح تضحية لأجله، ثم يأتي دور الجامعة في استكمال هذا الدور، وكذلك للإعلام دور في بناء الإنسان، وتشكيل وعيه، وللمؤسسات الدينية دور مهم في بناء الإنسان واحتوائه، ومده بالعلوم الدينية الصحيحة والقيم؛ بدلا من أن يستعيض البعض بالبحث عن إشباع فراغه الروحي عند جماعات التطرف أو السقوط في هوة الفكر المنحرف. ويتابع: كما أن للثقافة دورا في بناء الإنسان بمده بالكتب، ولا ننسى دور وزارة الشباب والرياضة في بنائه بأن تحتوي النشء، وتستقبل الشباب، وتنمى لياقتهم الرياضية والعقلية، وكذلك للتضامن دور في بناء الإنسان، وأيضا تأدية منظومة الصحة دورها في رعاية الإنسان.
وعندئذ تتحقق الإستراتيجية المصرية لبناء الإنسان وتنتصر الدولة على تحديات حروب الجيل الرابع انتصارا يضاف إلى قائمة انتصاراتها الخالدة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب