أمينة الدسوقي تكتب.. روسيا وأوكرانيا.. حرب الشائعات
الكاتبة باحثة فى الشأن الدولي.. خاص منصة العرب الرقمية
حرب الشائعات، هى حرب موازية لا تقل أهمية عن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، فمنذ إطلاق العملية العسكرية الروسية فى كييف فجر الخميس الموافق 24 فبراير ازدادت الساحة بصور ليس لها أصل أو علاقة بالواقع وأيضا تدوال معلومات لا اساس لها من الصحة.
إحدي عشر يوم من الحرب الروسية الأوكرانية خرجت فى كل دقيقة معلومات مضللة تنال حجم الخسائر فى كلا الطرفين، أو استعراض القوي لاحد منهما ففى فيديو قيل إنه لطيار روسي يستعرض قوته في سماء أوكرانيا، كان هذا الفيديو ماهو إلا ادعاء غير صحيح، فالفيديو لا علاقة له بأوكرانيا وهو في الحقيقة مشاهد من لعبة فيديو، كما شهدت الأيام القليلة الماضية صورة يدعي ناشروها أنها تظهر الرئيس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقد ارتدى الزيّ العسكريّ ليواكب التطوّرات الميدانيّة بعد أن شنّت القوات الروسيّة هجوماً عسكرياً واسع النطاق على بلاده. إلا أنّ الصورة في الحقيقة ملتقطة عام 2021 وتظهر الرئيس الأوكراني في زيارة ميدانيّة لإقليم دونباس.
وهكذا استمرت الصور والفيديوهات المتدوالة عبر مواقع التواصل الإجتماعي إما أن تكون استهداف قوي أو أنها تنال عزيمة طرف على حساب آخر ولكنها فى النهاية تخدم أجندة مروجيها وتحقق أهدافهم.
تخرج المعلومة الغير مكتملة الأركان على أحدى الحسابات المجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقد تحمل جزء بسيط من الحقيقة ولكنها يشوبها سحابة سوداء ومن ثم يتدوالها الناس ويبدؤن التفاعل معها واعادة نشرها عبر صفحاتهم وهكذا إلى أن تنتشر ذاتيا.
الشائعات بالتأكيد هى أهم أدوات الحرب النفسية التى تستهدف الشعوب، وبالتأكيد تزداد وتيرتها وقت الأزمات والحروب، وعليه تمثل أزمة أوكرانيا وروسيا أرضا خصبا لمروجي الشائعات حيث بمجرد اطلاق الشائعة تصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الحديثة إلى عدد كبير من الجمع.
تكون البداية عند حسابات السوشيال ميديا وقد تحتوى الشائعة على جزء من الحقيقة ولكنها محاطة بمعلومات غير كاملة أودقيقة تستقطب الناس ليتفاعلوا معها عبر التعليق أو إعادة نشرها مرة أخري وهكذا تظل الشائعات تنتشر لأبعد حد ممكن ويحقق المروج هدفه منها.
وهكذا تنتشر الشائعات حتى يكاد يصعب الوصول إلى مصدرها هل هم الأعداء الظاهرين، أم خصوم غير ظاهرين والذين يقنعون المرأ بأنهم ليسوا أعداء، فـ الخصوم يكونوا أفرادا او جماعات أو دولا.
تكون الحروب هى دائما المناخ المتميز التى تخرج فيه الشائعات وتنتشر كما أن الجمهور مهيئ لتصديقها حيث نجد مروجوا تلك الشائعات يسعون لإحداث القلق والرعب فى نفوس الآمنين، محققين بهذا الأسلوب رغبات شخصية ذاتية منبعها الشهوة والتشفى فى إيذاء الآخرين وإعطاء أنفسهم المكانة الخاصة.
المنعطف الذي تمر به الأزمة الروسية الأوكرانية ليس فقط الحرب الدائرة على الأرض ولكن هناك حرب الشائعات لا تقل أهمية وتمثل خطورة كبري على الأمن الوطنى لكلا الدولتين حيث أن الصلة وثيقة بين الشائعات من جهة و بين الشغب من جهة أخرى.
ينتج عن الشائعات مظاهر عديدة من البلبلة الناتجة عن قيام الرأي العام سواء في حالة الحروب أو التهديد بها وينتج عن ذلك الاستماع للأخبار والإذاعات، عندما يقوم العدو بإطلاق الشائعات فإنه
غالبا مايسري فى المجتمع حالة من الذعر والخوف وربما تعطل الإنتاج وتخزين المواد التموينية.
ويمكن للشائعات أن تسعي لمحاولة إرباك صانعى القرار لما لها من تأثير عام على صانعى القرار سواء باحتمال التسرع فى صنع القرار أو الإبطاء فى بعض القضايا الهامة أو سواء الحكم على أمور هامة وطمس الحقائق أو إضاعة الحق.
ومروج الشائعات خلال الحرب الروسية الأوكرانية تختلف أهدافه حيث يكون هدفه الرغبة فى التأييد العاطفى بقصد أن يشاركهم الناس بشعور الخوف والفزع، إن هذه المشاركة تجعلهم يشعرون بالأمن والطمأنينة والثقة.
روسيا أدركت هذا الخطر و أقر مجلس الدوما الروسي (البرلمان)، مشروع قانون لتجريم “التضليل الإعلامي” بشأن القوات المسلحة الروسية، التي تخوض حاليا حربا في أوكرانيا منذ أحدي عشر يوما، ويمنع القانون الروسي الجديد نشر تقارير كاذبة تتعلق بعمليات القوات المسلحة الروسية وقد تصل غرامة نشر الأخبار المضللة والكاذبة إلى 1.5 مليون روبل، بالإضافة إلى حكم تصل مدة السجن إلى 18.
حيث أصبح من الصعوبة التحكم فى سرعة الشائعة وذلك لعدة أسباب أهمها تطور وسائل الإعلام والاتصال فأصبحت سرعة الشائعة بعض الأحيان كسرعة الأثير، وهذا ما نلاحظه فى الشائعات” الانترنتية” التى تظهر فى شبكة الانترنت.
قيام روسيا بفرض عقوبات هى خطوة من الخطوات التى يتم اتخاذها لمواجهة الشائعات من خلال فرض العقوبات الصارمة على مروجى الشائعات والتى تمس أمن الدولة وتوقيع أشد العقاب على كل من نشر بسوء قصد أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس.
كما يمكن مواجهة الشائعات من خلال تزويد الجمهور بالمعلومات، من الدبيهات أن الشائعة تنتشر حينما لا تكون هناك أخبار، حيث إن الشائعة تنتشر وتروج إذا انعدمت الأنباء ولذلك يجب علينا أن نقدم للناس أدق الأنباء الممكنة كاملة وبسرعة فالشائعات تروج فى غيبة الأنباء أو حين لا تذاع الأنباء بوضوح أو حين تضارب نشرات الأنباء التى تصل إلى الجمهور.
سياسة مواجهة الشائعات والأخبار المضللة لا تتوقف عند جهة واحدة، فكافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى كلا يتحمل جزءا من المسئولية. فمن جهة على الحكومات بناء جسور التواصل والثقة، من خلال تحسين جودة التواصل بين الحكومة والجماهير.
وتلك الخطوة الروسية الخاصة بفرض عقوبات بشأن التضليل الإعلامي تعني أن موسكو لم تندمج فى الحرب داخل أوكرانيا فقط دون الاخذ فى الاعتبار الحرب الأخري الموازية فى الفضاء العالمي الانترنت، فإن حرب الشائعات تمثل ذات الخطر التى تحدثه حروب الدبابات والأسلحة النووية.
نستنتج من ذلك إن الحرب في أوكرانيا ليست بالأسلحة النارية فقط، فهناك حرب أخرى تدور بين موسكو وكييف والسلاح الشائعات كأهم أدوات الحرب النفسية، فهى تسخر كافة الأدوات من أجل تحطيم معنوياته ورفع معنويات الجنود والسكان، فى كلا الطرفين.
وتخوض الدولتين حرب الكلمة من خلال مبالغات وأكاذيب ليست صحيحة فـ كييف تعلن عن أرقام الخسائرفى الجانب الروسي بقتل ألاف الجنود فى صفوف موسكو، فى نفس الوقت الذي تعلن فيه روسيا تكبدها خسائر في الحرب لكنها”أقل بكثير من خسائر العدو”.
وهنا من يوظف أدواته بشكل صحيح من الجانبين الروسي أو الأوكراني قد يفوز فى الحرب النفسية وحرب الفضاء من خلال استخدام الشائعات، من الممكن أن يفوز ولكن دون الاعتماد على الأكاذيب المباشرة، التى تسبب فى نهاية المطاف نتائج عكسية تطبيقا للمثل القائل “الكذب حبله قصير”، ذلك أن اكتشاف هذه الأكاذيب يؤدي إلى نتائج مدمرة خاصة على معنويات الجنود والشعب
كما نستنتج من ذلك أن التجربة الروسية الأوكرانية يمكن أن تكون جرس إنذار للعالم بأن الشائعات والتضليل يمكن أن يهدم قدرات دول ويدخل الإحباط فى نفوس الشعوب وينال من عزائمهم، وعليه لابد من الاستعداد القوي لضرب معاقل المروجين وإتاحة المعلومات بصورة فورية فى زمن تتحرك فيه الشائعة بأسرع مما يتخيل أي بشر.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب