أحمد شعبان محمد يكتب.. كيف نفهم القرآن دون اختلاف؟
اسمحوا لي في البداية أن أقدم إطلالة موجزة.
فمنذ أن هداني الله لاكتشاف “مثل نوره” في مطلع عام 1979 من خلال ملاحظة وجود تطابق بين وصف الآية 35 النور وبين تصميم أجهزة الليزر والتي أعلن عام 2017 عن طريق المذيعة البريطانية كلير فورستر تنفيذها بوكالة ناسا خلصت من ذلك إلى:
أولا: العلاقة بين لفظ الجلالة الله والأسماء الحسنى أنها علاقة ملكية وليست علاقة ذاتية كما هو شائع.. وهذا يعالج إشكالية التوحيد بين المذاهب الإسلامية المتعددة.
ثانيا: الأمثال في القرآن أمثال حقيقية وليست تقريبية أو غير ذلك كما هو شائع.
ثالثا: التعرف على منهجية تفصيل القرآن العلمية.
- اقرأ أيضا: أحمد شعبان محمد يكتب.. قضية الإسلام المحورية
الموضوع
1
رسالة الإسلام حصرا وقصرا:
” بيان ما اختلفوا فيه / رحمة للعالمين
“وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ” 64 النحل
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” 107 الأنبياء.
فالرحمة للعالمين هي بيان ما اختلفوا فيه.
والسؤال: كيف نؤدي رسالة الإسلام والتي هي بيان ما اختلفوا فيه ونحن مختلفون؟!!!
والاختلاف هو ثبات التنوع “الجمود” وهو المؤدي للفرقة “شيعا وطوائف ومذاهب” وليس التنوع الهادف للتكامل.
رغم تحذير القرآن شديد اللهجة من ألا نتفرق ونختلف كمسلمين أصحاب مرجعية واحدة.
“وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ” (105، 106 آل عمران).
والتنوع واقع ويمثل ظاهرة صحية لابد منها للتكامل.. فبتكامل رؤانا المتباينة يمكن أن نكون أقرب ما يمكن من حقيقة موضوع البحث.. لكن الاختلاف بين الناس سيظل قائما إلى يوم الدين بسبب اختلاف مرجعياتهم.
“وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (118 هود).
2
الشرعة والمنهاج
“لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا” (48 المائدة).
بمعنى لكل أمة شريعة ومنهاج خاص بها.
الشرعة
“شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ…”. (13 الشورى).
فما أوحي إلى سيدنا محمد هو “القرآن الكريم”، ولا غيره، ولمن يقولون غير ذلك نقول لهم، وحي الله لا يصنف إلى حسن ومتواتر وضعيف، وخلاف ذلك.
المنهاج
“وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ…”. (52 الأعراف).
فالقرآن كتاب علم في منهجه ومحتواه، وعليه يجب أن نتعامل معه بالمنهج العلمي وخاصة نهج علوم الطبيعية.
3
البناء القرآني:
آيات الكتاب جميعها محكمة
“الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ” (1 هود).
وأيضا جميعها متشابهة.
“اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا” (23 الزمر).
والتشابه ليس في مقابل المحكم، بل من ناحية الموضوع، لأن القرآن فصلت آياته بعد إحكامها، فنجد الموضوع الواحد موجودا في أكثر من آية وأكثر من سورة، كما يوجد به آيات هن أم الكتاب، بمثابة الآيات الحاكمة، والتي تمثل المراكز العصبية، وباقي الكتاب يمثل الأطراف العصبية.
“هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ…”. (7 آل عمران).
4
أ: تحديد معاني ألفاظ القرآن الكريم:
ولما كان اللفظ العلمي له معنى واحد، ولأننا سنتعامل مع القرآن بالمنهجية العلمية، لذا تم وضع فرضية تقول “اللفظ القرآني له معنى واحد لا يختلف في أي سياق مهما تعددت دلالاته إلا من حيث النسبة والتوجه”.
وهذه الفرضية تتطابق مع قول الله:
“كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ” (24 إبراهيم).
وللتعرف على المعنى الدقيق للفظ يجب حصر كل الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ ثم افتراض أقرب المعاني للصحة، ثم يتم اختبار هذا المعنى في كل الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ مهما كان عددها، فإن استقام اعتبرنا هذا المعنى صحيحا، وإن شذ أو حاد ولو في أي آية اعتبرنا هذا المعنى غير صحيح ونعيد النظر حتى نصل إلى المعنى الذي يتفق مع كل الآيات التي ورد فيها اللفظ.
بــــ: التعرف على قضايا القرآن:
ولأن القرآن الكريم يعمل كمنظومة متكاملة ككل موحد، فحين التعرف على أي موضوع يجب أن ننظر في كل الآيات التي ورد فيها هذا الموضوع، لأن كل آية منها تمثل جانبا (زاوية)، وبتجميع كل الزوايا من خلال كل آيات الموضوع نجد القضية قد اتضحت بكل جوانبها.
والحقيقة أن المسألة جميعها مجاهدة بهدف الاقتراب من الحقيقة ليس إلا، أما الحقيقة فيعلمها الله سبحانه وتعالى.
جـــ: العرف
يقول المولى:
” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (199 الأعراف).
فتشريعات القرآن أنزلت حسب الأعراف السائدة حينذاك من تصنيف الناس بين أسياد وعبيد وسبايا وملك يمين وحدود بدنية مع التوجه للتصحيح.
وفي ذات الوقت أمرنا بالعرف وهو ما نتعارف عليه آنيا وهو عكس المنكر، لذا حين تم إلغاء العبودية، وإقرار العهد الدولي لحقوق الإنسان التزمنا به عالميا، وإلى من يطالبون الحكم بما أنزل الله أقول لهم أليس العرف مما أنزل الله!؟
وعليه يمكنني القول بكل الثقة إن كان هناك دين مدني فهو الدين الإسلامي.
سمات النسق
كما يجب لفت النظر إلى أن هذا النسق ليس معنيا بالغيبيات، ولكنه معني بالقضايا المعاشة (عالم الشهادة) والتي يمكن تكذيبها علميا.
كما أن هذا النسق ليس مثل الأنساق القائمة المتمثلة في الفرق والمذاهب الإسلامية، لأن تلك الأنساق جميعها لا تلتزم بالمناهج العلمية، لذا فهذا النسق لا يستبعدها، ولكنه يأخذ بما هو منطقي منها من خلال مواءمته مع كتاب الله بهذا المنهج.
كما أن هذا النسق مفتوح قابل للإضافات والضبط والأخذ بما هو أكثر صحة، لذلك فهو يعتمد النقد والتجريب منهجا ضابطا.