رأي

أحمد شعبان محمد يكتب.. إشكالية الاختلاف

يمكن القول إن الحل لمشكلات عالمنا الإسلامي تتلخص في:

“إمكانية إيجاد (توجه عام إسلامي) في وجود التنوع الفكري”.

وما زالت هذه الإشكالية قائمة ولم يخرج علينا أحد لحلها على مدى التاريخ الإسلامي بكامله.

والأمة الإسلامية بخاصة مطالبة بحلها، لكنها تقاعست منذ صدر الإسلام وحتى الآن.

 

ولنبدأ بالسؤال التالي:

ما الهدف الذي لولاه ما أنزل القرآن الكريم؟

الإجابة عند القائمين علينا وخاصة الفقهاء أصحاب الاختصاص عديدة ومتنوعة، وغالبا لا تجد بينها الإجابة الواضحة والمباشرة والتي جاء بها القرآن الكريم.

“وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون”. 64 النحل

الآية الكريمة تبين أنه لولا هذه المشكلة “الذي اختلفوا فيه” ووجوب بيانه للناس كافة بالإضافة إلى أنه “هدى ورحمة لقوم يؤمنون” ما أنزل القرآن الكريم، و(ما) و(إلا) أداتا (حصر وقصر).

هل الآية الكريمة بوضوحها تحتمل غير ذلك؟

الإجابة عند فقهائنا نعم، حيث يقصرونها على جانب التوحيد، بالرغم من أنهم لم يقدموا التوحيد إلا مشوها من مشبهه ومجسمه، علاوة على أن اللفظ مطلق.

إننا لم نتقاعس فقط عن تأدية الرسالة الموكلة إلينا، بل وقعنا نحن داخل ما أمرنا أن نخرج الناس منه، “الاختلاف”، والمصيبة الأكبر أن الله عز وجل قد حذرنا من ذلك تحذيرا شديدا، وبين لنا جزاء الوقوع في هذه الهوة السحيقة، يقول الله عز وجل: “ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم. (105 آل عمران).

وإذا ذكرت هذا لأحدهم يقول لك نحن مختلفون في الفروع ولسنا مختلفين في الأصول، متناسين أمرين على جانب كبير من الأهمية:

الأول أن لفظ الاختلاف في الآيتين جاء بصيغة الإطلاق وليس مقيدا ولا مبررا بأي سبب من الأسباب.

الثاني: الآية الثانية تخاطبنا كأمة واحدة ومن يختلف في أصل من أصولها خرج منها كما يقولون، وعليه فالخطاب ليس موجها لمن خرج من هذه الأمة (المختلف في أصل)، وبالتالي فالخطاب يخص الاختلاف في الفروع أساسا، ثم لننظر إلى الفئات التي خصها المولى عز وجل بالعذاب العظيم الذين هم متساوون في العذاب مع من تفرقوا واختلفوا، “الذين كفروا” (7 البقرة)، “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها (114 البقرة)، “الذين يسارعون في الكفر” (176 آل عمران)، (41 المائدة)، “الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا” (23 المائدة)، “وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق” (101 التوبة)، “بما صددتم عن سبيل الله” (94 النحل)، “من شرح بالكفر صدرا” (106 النحل)، “والذي تولى كبره منهم” – الإفك – (11 النور)، “الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات” (23 النور)، “الأفاك الأثيم” (7 الجاثية).

فالمتفرقون المختلفون من بعد ما جاءهم البينات والفئات السابقة سواء بسواء من ناحية الجزاء، ولأن الله حكم عدل ولا يظلم الناس شيئا، فبما أنه سبحانه جعل الجزاء واحدا فلا بد وأن يكون الجرم متساويا.

من هنا ننتقل إلى سؤال: لماذا كانت جريمة الفرقة والاختلاف تستوجب هذا الجزاء الرهيب الذي حدد لأراذل الناس؟ انظر إلى قول المولى عز وجل “وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” (213 البقرة)، “فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم” (17 الجاثية).

الآيات السابقة توضح أن هذه الجريمة “الفرقة والاختلاف” لم تتفش بين الناس إلا بعد أن جاءهم البينات والعلم، فبدلا من أن يأخذوا بهما كما أراد الله سبحانه وتعالى تم تطويع هذا العلم والبينات ليتوافق مع أهوائهم وتحقيق مآربهم وتم تزوير الدين ليتحول إلى تدين، ولكي يصبح مسوغا لهذه الأهداف التي هي ظلم للآخرين، وأصبح البينات والعلم الآتي من عند الله سبحانه وتعالى لحل مشكلة الاختلاف بين الناس أداة يتخذ فيها الاختلاف وتكريسه لكي يبغي بعضهم على بعض، فهو ليس ظلما عن جهل، بل ظلم متعمد وصل إلى حد اقتراف جرائم القتل وإفشاء كل أنواع الموبقات وبالتعدي على حدود الله.

وماذا يصنع من لهم عذاب عظيم من الفئات الأخرى المذكورة أكثر من ذلك، كما أن الآية الأولى تستثني الذين آمنوا بقوله سبحانه “فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم”.

سوف نستكمل في الحلقة المقبلة

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى